الجمعة 26 إبريل 2024
اقتصاد

زوهري: أغلب التقييمات لبرنامج المغرب الأخضر جاءت من خبراء وأطر الوزارة الوصية !!

زوهري: أغلب التقييمات لبرنامج المغرب الأخضر جاءت من خبراء وأطر الوزارة الوصية !! عبد الجليل زوهري

مع شح الأمطار هذه السنة ازداد القلق بين المواطنين عامة وبين الفلاحين الصغار منهم بصفة خاصة، بشكل جعل إشكالية الماء تطرح من جديد، بحكم أنها باتت مع توالي الجفاف تكتسي طابعا هيكليا.

في هذا الإطار اتصلت "أنفاس بريس"، بعبد الجليل زوهري، أستاذ باحث بكلية العلوم والتقنيات بسطات، تخصص علوم الماء والبيئة وأجرت معه الحوار التالي:

 

**ألم يحن الوقت بعد كي يقف المغرب لحظة للتأمل وتقييم الحصيلة وما ربحه من مخطط "المغرب الأخضر" وخاصة بعد تبني هذا المخطط لزراعات مستهلكة للماء بشكل مفرط، مخصصة جلها للتصدير؟

مخطط المغرب الأخضر تجربة عاشها المغرب لأكثر من عشر سنوات، انطلق في أبريل 2008 كمشروع جد طموح في المجال الفلاحي، رصدت له موارد مالية ضخمة مع عدة تسهيلات وصلاحيات إدارية قصد بلوغ الأهداف المسطرة والمتجلية في دعم استقلالية الناتج الزراعي عن المعطيات المناخية مع الرفع من الإنتاجية من خلال تطوير فلاحة عصرية وتضامنية.

بعد هذه الاستراتيجية الزراعية على مدار 12 عاما؛ أطلق المغرب مؤخرا استراتيجية زراعية جديدة أطلق عليها "الجيل الأخضر 2020-2030″، والتي تعد امتدادا لمخطط المغرب الأخضر وتتعلق أساسا بإعطاء الأولوية للعنصر البشري.

وككل مشروع يجب أن يكون هناك تقييم موضوعي من خلال أجهزة ومؤسسات خارج الوزارة الوصية لتحديد الخلل والنواقص التي صاحبت المشروع قصد الاستفادة. وباستثناء بعض الهيئات غير الحكومية والفاعلين الجمعويين مع بعض المداخلات المحتشمة داخل قبة البرلمان. للأسف جاءت أغلب التقييمات من طرف خبراء وأطر الوزارة الوصية. حيث أكد الوزير الوصي أن المخطط الأخضر حقق منجزات، ومكّن من مضاعفة الناتج الفلاحي الخام والصادرات الفلاحية، ورفع حجم الاستثمارات.

لكن على أرض الواقع، المخطط الأخضر لم يحقق الأهداف المرسومة، وأبان عن نواقص يجب أن تصحح وأخرج معطيات يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار قبل الشروع في استراتيجية الجيل الأخضر. فالعنصر الأساسي لنجاح أي مشروع فلاحي هو وفرة المياه وضمان استمرارية السقي بتوفير الموارد المائية الكافية مع اختيار الفلاحة الملائمة. كما أن الظروف المناخية في بداية المخطط الأخضر كانت نسبيا مواتية والفرشة المائية مع حقينة السدود لم تكن قد وصلت الى الحد الكارثي الذي توجد عليه حاليا.

لتفادي هذه الأخطاء وباختصار، يجب إعادة النظر في أنواع وكمية المنتجات الفلاحية التي تسجل فائضا كبيرا بالأسواق الداخلية وقلة الطلب عليها بالأسواق الخارجية، مع الأخذ بعين الاعتبار استنزافها للمخزون المائي بشكل مروع. فعلى سبيل المثال لا الحصر زارعة البطيخ الأحمر (الدلاح) بمناطق زاكورة او شيشاوة ذات المناخ الجاف، ليست لها أية قيمة مضافة. علما أن السقي يعتمد على المياه الجوفية التي يتطلب الوصول إليها عمقا يتجاوز 160 مترا في بعض الأحيان، بدون أن نغفل بأن هذه المناطق تعاني من نقص حاد في مياه الشرب!!

لوحظ أن 5 % فقط من حقينة السدود تذهب لتلبية الحاجيات من الماء الصالح للشرب بينما 70 أو 80 في المائة من مخزون المغرب يوجه إلى الفلاحة. في رأيك ما هي القيمة المضافة التي جناها المغرب من هذه الفلاحة إذا كانت توظف لخدمتها أموالا ضخمة في بناء وإصلاح السدود ولكن مقابل نتائج محدودة؟

للسدود أدوار متعددة أهمها توليد الكهرباء، تخزين الماء في وقت الأمطار الغزيرة حتى تحمي الأرض من الفيضانات، وأيضا تخزين الماء حتى يتم استغلاله في الري والشرب أو إرساله إلى بعض المدن والمناطق الصناعية المختلفة. والمغرب كبلد اعتمد الفلاحة كرافعة اقتصادية منذ الاستقلال تبنى سياسة السدود من أجل الحفاظ على المياه والتحكم فيها وذلك راجع لهشاشة الطابع المناخي والهيدرولوجي الذي يجعل الموارد المائية المتاحة بالمغرب تظل تحث تأثير فترات الجفاف والفيضانات وكذا الضغط المتزايد على الطلب المائي. فمنذ 1960 كانت استراتيجية بناء السدود ملائمة للتحكم في الموارد المائية بهدف سقي مليون هكتار في أفق سنة 2000.مع العلم أن ما يناهز فقط 10 إلى 11 بالمئة من هذه المياه مخصصة للشرب والصناعات. حتى أواخر السبعينات كانت الأمور تسير كما خطط لها، لكن الجفاف الحاد الذي ضرب المغرب في بداية الثمانينات مع الزيادة في الطلب على مياه السقي والماء الصالح للشرب الذي يفرضه التطور الديمغرافي وجودة ظروف العيش، جعل المغرب يحس بخطر ندرة المياه التي قد تواجهها البلاد وخصوصا مع التغيرات المناخية الناتجة عن الانحباس الحراري وثقب الأزون. وللحفاظ على الأنشطة الفلاحية داخل العالم القروي والحد من الهجرة نحو المدن، بدأ اللجوء إلى استعمال الموارد المائية الجوفية في فلاحة إنتاجية متطورة باستعمال تقنيات حديثة وبشكل مرتفع وغير معقلن، مما عرض مخزون المياه الجوفية إلى نفاذ حاد خصوصا مع التراجع في التساقطات المطرية والثلجية التي تساعد في تجديد وتعبئة حقينة الفرشة المائية المستنزفة. وقد استشعر المغرب هذا الخطر مما جعله يشجع استبدال الطرق البدائية أو التقليدية بطرق حديثة منها بالأخص تقنية السقي بالتنقيط، لكن هذا لم يكن مجديا، فغياب الوعي المائي وثقافة الربح السريع وخلق الثروة، جعل كبار الفلاحين يستغلون ظروف الاستفادة من الأموال الضخمة المخصصة للدعم في إطار المخطط الأخضر ويلجؤون إلى زراعات غير ضرورية وبكمية مبالغ فيها فاقت بكثير الإستهلاك الداخلي والطلب الخارجي، الشيء الذي ساهم وبشكل سريع ومروع في تدهور المخزون المائي سواء منه المياه الجوفية أو المخزنة بالسدود.

تم الإعلان عن تخصيص الحكومة 10 مليار درهم لدعم الفلاحين هذه السنة لمواجهة أزمة نقص التساقطات، في نظرك ما هي الضمانات كي تصل المساعدات إلى الفئات الأكثر تضررا مثل صغار الفلاحين؟

لا يمكننا إلا أن نبارك هذه الخطوة التي قد تخفف من هموم الفلاح وتدعمه ولو لسنة أو سنوات قليلة، في انتظار رحمة السماء وعودة التساقطات الى طبيعتها بإذن الله. البرنامج يرتكز على ثلاثة محاور هي: أولا، حماية الرصيد الحيواني والنباتي وثانيا، تدبير ندرة المياه ثم ثالثا، التأمين الفلاحي وتخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، بخصوص تمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقي. لكن السؤال المطروح من المستفيد من هذا الدعم؟ وما نصيب الفلاح الصغير؟ وماهي الضمانات التي تجعل هذه الأموال تصرف في مشاريع فلاحيه مستدامة ’ خصوصا وان العامل الأساسي لنجاح العملية هو توفير الماء؟ كل هذه التساؤلات ننتظر من الحكومة أن تسهر على إنجاحها وان تستفيد من النواقص والهفوات التي شابت المخطط الأخضر.

ما هي في نظرك التدابير الناجعة للحد من استنزاف الفرشة المائية؟

استنزاف الفرشة المائية جاء نتيجة سياسة مائية غير معقلنة وغير مقننة مدعومة بعقلية استغلالية هدفها الربح السريع خصوصا من كبار الفلاحين كما أشرت في خلال أجوبتي على الأسئلة السابقة. جل مناطق المغرب تضررت من هذا الشح والنقص المهول في الخزان الجوفي. نحن الآن أمام مشكل حقيقي وواقع مر الكل يتحمل فيه مسؤوليته. لكن مسؤولية الدولة والمجتمع المدني تبقى أكبر. فالدولة عليها إيجاد حلول مستدامة تضمن الأمن المائي للأجيال القادمة. فبناء السدود التلية على سبيل المثال بشكل كبير قد يساعد في تجميع مياه الأمطار التي تساهم في تزويد الفرش المائية أما الحد من الزراعات المستهلكة المستنزفة للماء فهو أمر ضروري يستلزم وضع قوانين تجبر الفلاحين على الاستغلال المعقلن. وفي هذا الباب يبقى دور المجتمع المدني أساسيا من أجل التحسيس والتوعية بمخاطر استنزاف الفرشة المائية.

نقطة أخرى يجب الإشارة إليها وهو استغلال تقنية تحلية مياه البحر على غرار محطة أكادير لتوفير الضروري من مياه السقي والشرب في المناطق الساحلية. وهذا قد يخفف من آثار الجفاف ويخلق تنمية مستدامة تضمن توفير الإنتاج الفلاحي، خاصة قطاع الحبوب، وتربية المواشي في انتظار الغيث.