الخميس 28 مارس 2024
اقتصاد

عبد الله لامين: مخطط المغرب الأخضر انحاز لسوق أوروبا على حساب السيادة المائية للمغرب

عبد الله لامين: مخطط المغرب الأخضر انحاز لسوق أوروبا على حساب السيادة المائية للمغرب عبد الله لامين: ينبغي أن تعتمد سياساتنا الفلاحية مقاربات عقلانية تقطع مع الارتجال والعشوائية

يؤاخذ المهندس الفلاحي عبد الله لامين على مخطط المغرب الأخضر اعتماده مقاربة إنتاجية مع إهمال واضح لنجاعة التسويق، وهو المشكل الذي عانته الفلاحة المغربية على مدى عقود طويلة جعلت من ممارسة الفلاحة أشبه بالمقامرة في ظل عدم استقرار الأسعار؛ مضيفا أن هناك حالة إنكار تعاني منها سياسات الدولة في تعاملها مع الجفاف كظاهرة هيكلية تطبع واقع مناخنا وفلاحتنا.. معتبرا أن هناك استنزاف مستدام للموارد المائية على الرغم من إنشاء وكالات الأحواض المائية بعدد محدود من الأطر والوسائل مما يطرح أسئلة كثيرة حول مدى جدية الدولة في مراقبة استهلاك وتدبير المياه...

 

+ في سياق الجفاف وندرة الماء في المغرب، هل حان الوقت لتقييم مخطط المغرب الأخضر؟ وما الذي ربح المغرب منه في ظل الانتقادات التي تطاله باعتماد زراعات تلتهم الماء اعتمدت فيها تمويلات كبيرة؟

- المعطيات المناخية المتراكمة على مدى أكثر من قرن من الزمن تدل بشكل واضح لا يقبل الجدل على أن المغرب معرض للجفاف بشكل هيكلي؛ لذلك يفترض أن تعتمد سياسات الدولة، بشكل هيكلي أيضا، على مقاربات تنطلق من اعتبار الماء مادة نادرة وذات بعد استراتيجي.

للأسف الشديد هناك إصرار على الإمعان في حالة الإنكار لهذا الوضع. فإنتاج وتصدير الزراعات المستهلكة للماء ما زال مستمرا بشكل كبير. في مقدمتها الحوامض والطماطم وباقي الخضراوات المصدرة نحو الاتحاد الأوروبي، بل ويتم تشجيع غرس الأشجار المثمرة المدارية fruits tropicaux التي تستهلك كميات هائلة من الماء !

ويرجع كل هذا للمقاربة التي اعتمدها مخطط المغرب الأخضر الذي اعتمد مفهوما ضيقا للزراعات ذات القيمة السوقية العالية cultures à haute plus-value باعتماد الزراعات التصديرية القادرة على جلب العملة الصعبة دون الاكتراث باستنزافها لثروتنا المائية الباطنية. والحال أن المغرب يتوفر على سوق داخلية كبيرة للغاية بالنسبة لزراعات أخرى مثل الزيتون والحبوب والقطاني والتي سيخدم انتاجها وتطويرها ميزان الأداءات لخزينة الدولة كما يمكن أن يحول المغرب إلى المراتب الأولى في تصدير الزيتون ومشتقاته. كما أنه يمكن التركيز على النباتات العطرية والزيتية، والتي يمكن أن نحتل فيها مراتب هامة قاريا وعالميا وهي زراعات غير مستهلكة للماء. لذلك يمكن القول بأن مخطط المغرب الأخضر يعاني من تناقضات صارخة في الشق المتعلق بخياراته بخصوص الزراعات في علاقة مع تدبير ندرة المياه في وطننا.

أما بخصوص استراتيجية بناء السدود لتخزين المياه فهي أيضا تعاني اختلالات كبيرة، أبرزها ظاهرة التوحل التي عمت كل السدود المغربية. يتوفر المغرب على حوالي 150 سدا. منها 104 تصنف كسدود  كبيرة. السعة الإجمالية المعلنة من طرف السلطات الرسمية لهذه السدود تناهز 17-18 مليار متر مكعب. هذا رقم جيد لو تم تدبيره وتوظيفه بشكل عقلاني مدروس. وهناك امكانية كبيرة لتحقيق ذلك.

غير أن هناك نسبة هامة مفقودة من سعة السدود بسبب مشكل التوحل الراجع  لسرعة إنشاء السدود دون تهيئة مدروسة وشاملة للأحواض المائية. فكما هو معلوم فالسد ما هو إلا جزء بسيط من منظومة هندسية كبيرة تشمل تنظيم سريان المياه وتثبيت التربة في الحوض المائي الذي قد يمتد على عشرات أو مئات آلاف الهكتارات. فإذا لم يتم تثبيت التربة عبر مخططات معدة بعناية للتشجير فإنه من الطبيعي أن يمتلئ السد بالطمي (الغيس) بدل أن يخزن المياه! وهو الوضع الذي تعاني منه سدودنا للأسف الشديد. تقدر السعة التخزينية الضائعة بسبب التوحل بما يقارب 2.5 مليار متر مكعب أي 14 بالمائة من السعة الاجمالية وهو رقم  كبير ولكنه يبقى متواضعا بالمقارنة مع تقديرات أخرى تشير إلى أن الأمر يتعلق بأضعاف هذا الرقم! نحن في حاجة للمزيد من الشفافية والوضوح وروح المسؤولية من طرف الدولة بخصوص إتاحة المعلومات الحقيقية والدقيقة في هذا الموضوع.

وتبقى المؤاخذة الكبرى على مخطط المغرب الأخضر هو اعتماده مقاربة إنتاجية مع إهمال واضح لنجاعة التسويق، وهو المشكل الذي عانته الفلاحة المغربية على مدى عقود طويلة جعلت من ممارسة الفلاحة أشبه بالمقامرة في ظل عدم استقرار الأسعار. فبعد فشل تجربة المجمعين لماذا لم يتم اعتماد وتشجيع التعاونيات التسويقية كما هو الحال في بلدان أوروبا وبالتحديد في إسبانيا البلد الجار والمنافس؟

وكخلاصة: ينبغي أن تعتمد سياساتنا الفلاحية مقاربات عقلانية تقطع مع الارتجال والعشوائية وتحترم الاعتبارات العلمية والتقنية ويحركها حصريا هاجس الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للوطن بعيدا عن أي توظيف سياسي آني.

 

+ تم إطلاق برنامج استعجالي لمواجهة الجفاف بقيمة 10 مليار درهم... ما هي الضمانة كي يصل الدعم للفلاح الصغير؟ وهل هناك مخطط سري لاستفادة الفلاحين النافذين وأصحاب الضيعات المستفيدين، خاصة وأنه لدينا سوابق في تجارب سابقة؟

- تربية الماشية هي عصب الفلاحة في المغرب؛ هي اختيار تاريخي ثقافي أكثر مما هو اختيار من طرف الدولة. لذلك فإقرار سياسات لتطوير القطاع وعصرنته وحمايته من تأثير الجفاف وتقلبات التساقطات ينبغي أن يكون سياسة قارة مستمرة. مربو الماشية في حاجة لتوفير الأعلاف بأثمان مناسبة وقارة. وهذا يقتضي تشجيع الزراعات العلفية بتوفير وسائل الإنتاج وتيسير القروض وتجميع الأراضي في إطار إصلاح زراعي عقاري وإطار تعاوني مناسب وسهل الاعتماد. أما ترك الفلاح ينتظر الأمطار حتى إذا تأكد أن الجفاف هو سيد الموقف ثم منحه 22 كلغ من الشعير لكل رأس من الماشية في شهر مارس أو أبريل بعد أن أصبح ثمن النعجة في السوق أقل من 100 درهم بسبب الهزال وفقد العلف، فذلك هو الارتجال والعشوائية اللذين يهدفان فقط لامتصاص مؤقت للاحتقان ثم العودة بعد ذلك لمسار التخبط والارتهان للظروف المناخية! هل سيستفيد الفلاح الصغير أم أن تلك المليارات من الدراهم ستنتهي في مخازن الملاك الكبار؟ ذلك متعلق بالأساس بشفافية المنظومة ووضوحها وقابليتها للمساءلة.

 

+ ما فتئ العديد من المراقبين يطلقون تحذيرات وينبهون إليها، وعلى رأسها استنزاف الفرشة المائية البطنية التي لا تتجدد، والتي تعرضت لاستنزاف كبير. ما قراءتك لهذا الوضع المقلق؟

- كما أكدت على ذلك جوابا على سؤالكم الأول، هناك حالة إنكار تعاني منها سياسات الدولة في تعاملها مع الجفاف كظاهرة هيكلية تطبع واقع مناخنا وفلاحتنا. فالاستمرار في تشجيع تصدير الماء من خلال الحوامض والطماطم والخضراوات يوحي بأننا لسنا بصدد ازمة خصاص مائي stress hydrique ! هناك استنزاف مستدام للموارد المائية على الرغم من إنشاء وكالات الأحواض المائية بعدد محدود من الأطر والوسائل مما يطرح أسئلة كثيرة حول مدى جدية الدولة في مراقبة استهلاك وتدبير المياه كملك عام.

هناك إمكانية حقيقية لتجاوز معضلة ندرة المياه عبر تحلية مياه البحر؛ لكن يبقى المشكل الطاقي مطروحا. فتحلية ماء البحر تستهلك الطاقة بشكل هائل.

يتوفر وطننا على إمكانيات هائلة لإنتاج الكهرباء عبر الطاقات المتجددة بكل أنواعها (الشمس، الرياح، أمواج البحر)، كما يتوفر على 70 بالمائة من المخزون العالمي من الفوسفاط. وفي كل طن من الفوسفاط المغربي هناك ما يناهز 128 غراما من اليورانيوم 238. واستخراج هذا اليورانيوم من الفوسفاط في المتناول من وجهة النظر التقنية والصناعية. وهذا يتيح لنا إمكانات غير محدودة عمليا لإنتاج الكهرباء عبر الطاقات المتجددة والطاقة النووية وحل مشكل ندرة المياه والكثير غيرها من مشاكلنا التنموية. في الحقيقة ما ينقصنا هو الإرادة والشجاعة السياسيتين للنهوض بالفلاحة وبكل الميادين!