الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: حملة الوعود الكاذبة

محمد بوبكري: حملة الوعود الكاذبة محمد بوبكري
من غرائب ما يقع هذه الأيام في مقر "العرعار" هو كم الوعود والأحلام التي تُفرق يمينا وشمالا. وإن كان الواحد يُمني نفسه بحلم تغيير حياته رأسا على عقب، بتحقيق الرقي الاجتماعي والتموقع في مواقع المسؤولية والقيادة فما عليه سوى التوجه نحو مقر الأحلام الوردية. 
إن هذا ليس على سبيل الدُعابة ولا النكثة بل هو حقيقة ما يجري فعليا اليوم وسط الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يوزع فيه الزعيم وعودا يعلم أنها الكذب بعينيه. لنتصور للحظة أن هذا الكاذب الأول، كما نعتته الصحافة، وعد ما يزيد عن 140 من أعضاء المجلس الوطني بأنهم سيكونون ضمن الصفوة في حال فوزه بولاية ثالثة على رأس الاتحاد الاشتراكي، وبأنهم في تلك الحال، قد ضمنوا مكانهم في المكتب السياسي.
الأدهى من ذلك أن زعيم الاتحاد لا يبشر مواليه فقط بهذه الوعود، التي يعلم بأنها أكاذيب لا غير، بل إنه يلجأ لحيله المفضلة بأن يشحن مخاطبته ويمدحه بميزات ليست فيه ويثني على نضاله وكفاءته ومسيرته، وكل هذا من وحي خيال الكاذب الأول. ولنا أن نتصور أن هذا  الزعيم يقضي يومه كله في اللقاءات والاجتماعات، وكلما التقى عضوا إلا وسار على نفس المنوال، دون تعب ولا ملل، فأي قوة وقدرة تلك التي يمتلكها هذا الزعيم، وهو الذي يقضي كل ساعات يومه كاملة في توزيع هذه الأحلام والأراجيف والأكاذيب.
وأكاد أتعجب من هذه القدرات التي لو استغلها الزعيم في إنتاج ما يُفيد الحزب لكان اليوم مرجعا في التنظير والتفكير، وفعلا وأنا الآن أجزم أن زعيم العرعار ليس إنسانا عاديا بل استثنائي فأي بشر هذا الذي الساعات والأيام والشهور في رمي الكذب في كل لحظة وفي كل حين.
واستحضر هنا طرفة من طرف الزعيم، ذاك أن نائبة برلمانية في الولاية السابقة زارته في مكتبه وقدمت له مقترح قانون انتهت من صياغته وأتت لمشورة الزعيم قبل أن تقدم المقترح، فشرع الزعيم في مدح البرلمانية بأن وجودها في البرلمان ليس قيمة للحزب فقط بل للبرلمان كاملا وللوطن، ولم يفت الكاذب الأول أن يعرج على مدح منتوج البرلمانية واعتباره وثيقة غير مسبوقة سيشهد التاريخ يوما ما على قيمتها، لكن صديقتنا وبمجرد أن خرجت من باب مكتب الزعيم حتى سمعت ينادي عونا يطلب منه التخلص من المقترح برميه في سلة القمامة واصفا اياه هذه المرة "بالزبل".
هذه واحدة من آلاف الحكايات التي يحفظها الاتحاديون عن هذا الزعيم الرهيب، الذي لم يفلت أحد من كذبه، حتى أن كذبه غمر الآفاق وأصبح مرجعا لا يُشق له فيه غُبار، ولم يسبق للاتحاديين أن نال واحدا منهم لقب "الكاذب الأول" كما ناله عن جدارة زعيم العرعار في الوقت الراهن.
الوعود والكذب ليست هواية يسلي بها الزعيم نفسه في وقت الفراغ، بل هي تجارة أصبحت اليوم عملة داخل الاتحاد الاشتراكي، بل وخلق من الكاذبين تراتبية وأهراما ودرجات، وكل كذبة ولها منافعها بين الكذبة الصغيرة التي يؤتى أكلها في الحين وبين الكذبة الاستثمار التي يطول استهلاك نتائجها ومحصلاتها كما الحال في التزكيات ووعود الحصول على مواقع المسؤولية في الحزب.
يستثمر الزعيم هذه الملكة في حملته الحالية للبقاء في عهدة ثالثة على رأس الاتحاد الاشتراكي، وطبعا لا بد أن تكون عبقرية الزعيم متوجهة خلال هذه الفترة حتى يتمكن من اختلاق مئات الوعود الكاذبة، وبذل قصارى الجهود حتى يبدو الكذب في لبوس الحق وحتى يظهر الزعيم كشخص يكذب ويكاد يصدق نفسه حتى يصدق موالوه.
تتوزع الوعود اليوم بين درجات، وذلك بحسب أهمية من يخاطب الزعيم، فطبقة تكفي فيها الوعود بالتوظيفات سواء في البرلمان أو المؤسسات التابعة للحزب كالجريدة أو المقرات ودرجة أكثر أهمية يتم وعدها بمناصب المسؤولية والقيادة داخل الاتحاد الاشتراكي في حال استمرار ولايات الزعيم، وفئة أخرى يتم وعدها بالتدخل للتعبين في المؤسسات الدستورية.
لم ينتج زعيم الاتحاد لحد الساعة برنامجا واضحا يُقنع به الاتحاديين بجدوى استمراره على رأس الحزب، ولم يستغل الزعيم ملكاته في الاجتهاد لوضع مشروع يمكنه إنقاذ الاتحاد من أزماته، ولم تتفتق عبقرية الزعيم لتوجد جيل قياديين جدد داخل الاتحاد الاشتراكي يمكنهم حمل المشعل، الزعيم لم ينتج سوى آلة رهيبة جعلت من التبعية والموالاة العملية الوحيدة داخل الاتحاد، فأصبح بعض أتباع الزعيم لا يجدون ما يبررون به استمرار الزعيم في ولاية ثالثة غير جملة واحدة مفادها "لا أحد قادر اليوم على قيادة الاتحاد الاشتراكي دون الزعيم، وكأن الخمسة سنوات المقبلة سيعكف فيها هذا الزعيم على تكوين من سيخلفه وتكون هذه هي مهمته فقط.
لقد نحج الزعيم في أمر واحد وهو خلق أدوات الوعود وترسانة الكذب، وهي الوصفة التي تلقى اليوم الكثير من الرفض والسخط بين الاتحاديين الأصلاء، الذين يريدون استئصال هذه الآفات، وما ذلك عليهم بعزيز.
 
محمد بوبكري، مرشح الكتابة الأولى للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية