الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمود التكني: شرعية العمليات العسكرية المغربية بالمنطقة العازلة

محمود التكني: شرعية العمليات العسكرية المغربية بالمنطقة العازلة محمود التكني

في سنة 1991 تم إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بالصحراء بين المغرب وما يسمى بالبوليساريو برعاية أممية، من أجل التحضير لتسوية سياسية تتمثل في إجراء استفاء اعتبره المغرب تأكيديا لسيادته على أراضيه الجنوبية. ورأت فيه البوليساريو مدخلا لتقرير مصير شعبها. وهو اتفاق يلزم الطرفين بدءا بأول بنوده المتمثل في عملية تحديد هوية المشاركين في الاستفتاء لحصر لوائح الفئة الناخبة من كلا الطرفين في هذا الاستفتاء المزمع تنظيمه آنذاك.

 

وقد حددت خمسة معايير لتحديد الهوية كان من أجحفها الاعتماد على إحصاء لاسينسو الذي قام به المستعمر الاسباني بعد عملية أكوفيون سنة 1957، إلا أنه تمت عرقلة هذه العملية من طرف البوليساريو.

 

ولكي لا نتهم بالافتراء فقد كنت شاهدا على خرق في هذه العلمية حيث سبق لي أن حددت هويتي بمكتب الرباط سنة 1999 ضمن قبائل 61، وكان ممثل البوليساريو آنذاك رجلا يدعى محمد نافع ولد الجلالي من قبيلة أيت وعبان، كان حينها لا يتجاوز سنه 40 سنة وكان ممثل المغرب في اللجنة الأممية الرجل الوطني محمد صالح التامك من قبائل أيت أوسى، وعند عملية التحديد يتقدم المعني بالأمر إلى اللجنة حيث يجلس على الطاولة ممثلي الطرفين تتوسطهما شخصية أممية وفي الجانب كتابة اللجنة ويقوم طالب تحديد الهوية بتقديم نفسه باسمه الثلاثي وقبيلته وعرشه وفخذته ومكان ازدياده وعلاقته بالصحراء وأهلها، وبعدها يسأل موظف الامم المتحدة شيوخ الطرفين هل يعرفون المعني بالأمر؟ فإذا كان رد أحدهم سلبيا لا يدرج اسم المعني بالأمر في اللوائح.

 

والواقعة التي كنت شاهدا عليها هي حالة إقرار ممثل البوليساريو بأنه لا يعرف رجلا في عقده السابع، فأجابه الكهل أنه من الطبيعي انك لن تعرفني لأنك ما زلت شابا. وفي مثل هذه الحالة كيف يمكن لشيخ شابا يمثل الفئة الضالة أن يحدد هوية المتقدمين في السن؟ هذا واحد من عدة خروقات مارسها البوليساريو في أولى حلقات مسلسل الاستفتاء الذي تجاوزه الزمن بعد تأكد مصداقية المبادرة الملكية للحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007 واستحسنها المنتظم الدولي. ولقد تم تحديد منطقة عازلة بموجب اتفاق إطلاق النار بحيث لا يحق لطرفي النزاع التدخل فيها أو استغلالها، إلا انه مع مرور عدة سنوات تم التطاول عليها من طرف البوليساريو معنويا بتسميتها المناطق المحررة، وكذا ماديا آخرها دفن عبد العزيز المراكشي بمنطقة البير الحلو، ورغم ذلك ظل المغرب ملتزما بوقف إطلاق النار رغم محاولات الاعتداء المتكررة.

 

وتأتي أحداث الكركرات التي فضحت التدخل السافر في المنطقة العازلة لتشكل استفزازا جديدا شنت فيه هجمات بئيسة على القوات المسلحة الملكية، هذه الأخيرة ردت بشكل مشروع خصوصا وسلمي وحنكة عالية وبعدها بدت نية الاعتداء التي كانت واضحة ما دام القصف صادرا من المنطقة العازلة. ولم يكن رد المغرب إلا دفاعا شرعيا عن النفس وتخليصا لمعبر دولي من عبث العابثين وشرذمة من قطاع الطرق التي حاولت أن تحول دون وصول السلع والأغذية إلى الجيران الأشقاء في موريتانيا خصوصا، ودول جنوب الصحراء. ومن حينها جند المغرب ترسانته العسكرية وأجهزة المراقبة بما فيها الرادرات المتطورة لرصد كل كبيرة وصغيرة والأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة عن بعد للتصدي لأي حركة جديدة مشبوهة، ولتحصين الحدود من تنطع المتنطعين وألاعيب الصغار الذين لا يحترمون العهود ولا يراعون مواثيق حسن الجوار.

 

بهذا فإن العمليات العسكرية المغربية بالمنطقة العازلة يبقى دفاعا عن الوطن، وليس عملا هجوميا أو إعلان حرب ورب ضارة نافعة بهذا أصبح المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، يمارس سيادته على كل شبر من صحرائه الغالية، رغم كيد الكائدين.

 

محمود التكني، أستاذ جامعي، وباحث في قضية الصحراء المغربية