الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

"إنها ملهمتي".. اسم الشهرة الثاني الذي خلد الفنان الراحل أحمد الغرباوي

"إنها ملهمتي".. اسم الشهرة الثاني الذي خلد الفنان الراحل أحمد الغرباوي الراحل أحمد الغرباوي

أسماء كثيرة يزخر بها ريبيرتوار الأغنية المغربية الأصيلة... أسماء خلدت ذكراها بما تركته من روائع ودرر لن يمحوها الزمن مهما ساد المنتوج الفني المبتذل... أسماء لا يمكن ذكرها إلا وتحضر في الأذهان اسم أغنية أشهرت صاحبها وخلدت اسمه وصارت مقترنة باسمه كلما أذيعت في قناة أو إذاعة ما...

"أنفاس بريس" وفي سياق "نبشها" لريبيرتوار" الأغاني المغربية الأصلية، تقدم لقرائها قصة أغنية ظلت لصيقة بصاحبها إذ كلما أطل في سهرة ما إلا وتعالت الأصوات مطالبة إياه بغنائها، إنها الرائعة "إنها ملهمتي" للمطرب المغربي الراحل أحمد الغرباوي:

 

ظل المرحوم أحمد الغرباوي (1938 - 2009)، على امتداد عمره الغنائي، كلما أطل في سهرة ما إلا وسارع الجمهور بمطالبته بأداء رائعته الخالدة "إنها ملهمتي"، مع أنه غنى روائع أخرى لا تقل عن ذلك أهمية، مثل "أماه" و"أنا العبد الزين" و"بلغوها"... إضافة إلى أغنية المسيرة الشهيرة (350 ألف).

 

المثير في هذا الاهتمام الجماهيري إعجاب المغاربة من جميع الشرائح بأغنية من الشعر العربي الفصيح، ما يعني أن الذوق الغنائي خلال الستينيات هو غيره اليوم بعد أن قضت أغاني "عطيني صاكي" "وزيد دردك" و"أجي دابا دابا" و"الفيزا والباسبور"... على أسهم الأغاني الرفيعة من نوع أغاني الرواد وأسلافهم: "القمر الأحمر"، "الشاطئ"، "راحلة".. إضافة إلى القصائد الزجلية الراقية.

 

المهم أن "ملهمتي" صارت هي الاسم الثاني للغرباوي مع أنه كانت لهذه الأغنية قصة مثيرة بين فنانين رائعين هما عبد الواحد التطواني والغرباوي نفسه.

 

بدأت القصة سنة 1962 حين كان هذا الأخير مجرد اسم شاب يبحث له عن مكان وسط الإنتاج الغنائي لجيل الستينيات.

في ذلك الوقت قدم له أحمد رامي (مدير الإذاعة المصرية)، كما يحكي ذلك الغرباوي في حوار مع جريدة "الشرق الأوسط" نشر سنة 2004، قصيدة لشاعر مصري غير معروف، يقيم آنذاك بالمغرب، ويدير مدرسة المغرب العربي بالرباط. يتعلق الأمر بأحمد نديم الذي لم نسمع عنه منذ رائعة "ملهمتي" كما هو في حدود علمنا.

 

كانت القصيدة تتألف من ثلاثين بيتا، استخلص منها الغرباوي عشرة فقط، وشرع في اللحن الذي بدا سلسا في البداية، إلى أنه لم يجد المدخل الموسيقي الملائم.. وحسب ما صرح به في حلقة سابقة من برنامج "نوستالجيا" خاصة به، فقد ظل سنة كاملة يبحث عن هذا المدخل إلى أن شاهد، في إحدى القاعات السينمائية، فيلما روسيا ألهمه بما كان يبحث عنه، فاكتملت الأغنية التي كان يزمع إعدادها للمطرب عبد الواحد التطواني، حيث كان الاتفاق بين الفنانين على تسجيل الأغنية بأحد استديوهات مدينة الدار البيضاء؛ لكن حدث أن كان هناك مانع ما حال دون حضور التطواني في الموعد، لالتزامه بسفر بمراكش، على نحو ما صرح به التطواني في أحد التصريحات الإعلامية، حيث أكد أن الأغنية أعدت له وتمرن عليها مع الجوق الملكي. ولأن الالتزام كان قائما بين الغرباوي (الملحن) وصاحب الاستديو فما كان لهذا الأخير سوى أن يغني "ملهمتي" بصوته لتضيع على التطواني فرصة غنائية ثمينة.

 

لكن لماذا شكلت هذه الأغنية لحظة مشرقة في تاريخ الأغنية العصرية بالمغرب؟

في رأينا هناك ثلاثة عوامل ساهمت في نجاح الأغنية:

1ـ طابع الكلمات الشعرية ذات المنحى الرومانسي الذي كان يلهم أذواق المغاربة في تلك المرحلة، انسجاما مع نوعية الأغاني السائدة يومها على النحو الذي أشرنا إليه، والتي كانت تنخرط في تأسيس الأغنية العصرية بمغرب السنوات الأولى للاستقلال؛

 

2ـ طابع اللحن غير المسبوق والذي نهل من الإيقاعات الشرقية تعبيرا عن سعي جيل شاب لمحاكاة أغاني الطرب المصرية، وتميز بالجمل الموسيقية المبتكرة بوعي فني مرهف؛

 

3ـ الخامات الصوتية التي يتمتع بها الغرباوي، والمساحات الواسعة التي جعلت المغاربة يلقبونه "أبو الليالي" لاشتهاره بأداء المواويل التي نادرا ما تكون مطواعة لباقي الفنانين المغاربة.

 

هذه الأسباب أنجحت الأغنية، وكرست الغرباوي ملحنا من الطراز الممتاز، وكشفت عن مغن مغربي من الطينة الأصيلة، وظلت هي اسم شهرته إلى أن لبى داعي ربه سنة 2009.

 

إنها ملهمتي

 

أنا روح في الربى أشذو بلحني

وهي نفس ذات أحلام وحسن

قد سباها ما سباني في تمني

وهواها من هوى أنغام فني

إنها ملهمتي في كل آن

وأنا ذكرى على مر الزمن

ساهر أهذي بها دون الحسان

أنا روح في غدوي وروحي

وهي نفس خففت عني جراحي

بلسم يشفي سقمي ونواحي

ونشيد من أناشيد الصباح

إنها ملهمتي في كل آن

وأنا ذكرى على مر الزمن

ساهر أهذي بها دون الحسان

أنا روح إن بكت تبكي عيوني

وهي نفس تتأسى في سكوني

ونعيم فيه لحني و فنوني

إنها ملهمتي في كل آن

وأنا ذكرى على مر الزمن

ساهر أهذي بها دون الحسان...