الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: استقالة الحكومة هي الحل في الجزائر

كريم مولاي: استقالة الحكومة هي الحل في الجزائر كريم مولاي

شيعت الجزائر بعض شهدائها الذين قضوا في حرائق حيّرت القريب والبعيد، ليس فقط في حجمها ولا في نتائجها، وإنما أيضا في توقيتها الذي يأتي بينما ترزخ الجزائر كغيرها من دول العالم تحت موجة قاتلة من جائحة كورونا، الآخذة سلالاتها في التوالد والانتشار...

 

رحم الله شهداء الجزائر من العسكريين والمدنيين ورجال الإطفاء، الذين واجهوا الحرائق بصدورهم العارية، بعد أن فشلت كل حكوماتهم المتعاقبة في توفير البنية التحتية لمواجهة الكوارث الطبيعية، بما في ذلك الحرائق والزلازل والجوائح...

 

يصعب على أي إنسان أن يصمد أمام تلك المشاهد الإنسانية القاسية التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي لجثث الجزائريين المتفحمة بنيران الغابات الملتهبة، فلا أخفيكم سرا أنني ذرفت دمعا عز علي أن أذرفه في مصائب سابقة تعرضت لها، ليس ضعفا ولا انحناء، فقامات الرجال لا تنحني إلا لخالقها، ولكن تأثرا بمشاهد إنسانية ما كان أحدنا يتصور أن ننزل إليها بعد كل هذه الأعوام من التدافع والتنافس في خدمة الجزائر وأهلها..

 

ربما يقول البعض إن المصيبة إذا عمت خفت، في إشارة إلى أن الجزائر لم تكن الوحيد التي تعرضت غاباتها الشاسعة للحرائق، وليست حكومتها هي الأولى التي وقفت عاجزة في مواجهة تلك الحرائق إلا بالمساعدات الدولية، ولكن الألم يكبر إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الجزائر حباها الله فضلا عن العقول والإرادة التي يتميز بها أهلها، بثروات باطنية قادرة على تأمين الضروري من احتياجات الحياة..

 

وما زاد في قتامة المشهد الجنائزي ما سمعناه من تصريحات رسمية تعترف بهذا العجز دون أن تجد لذلك مبررا غير العجز، وتستنجد بالحلفاء والأصدقاء فلا تجد.. ولكم آلمني ذلك المشهد القاتم والموغل في البشاعة، عندما أقدم محتجون على إحراق شاب وسحله على مرأى ومسمع من الجزائريين، بتحريض من عناصر أمنية رسمية.. لم أجد لذلك مبررا واحدا غير ارتباك الجهات الرسمية ومحاولتها الهروب إلى الأمام والتملص من المسؤولية..

 

لا بل أكثر من ذلك لم يقف المسؤولون الرسميون عند مستوى التبرير فقط، بل ذهبوا أكثر من ذلك في الحديث عن جهات سياسية تقف خلف هذه العمليات الإجرامية، وهي طريقة بائدة وبالية مكشوفة، ولا يمكنها أن تنطلي على أحد.. وبينما تذهب الأطراف الرسمية إلى اتهامات تنظيمي القبايل وحركة "رشاد" بالنظر إلى مشاركتهم في الحراك السلمي المطالب بالتغيير في الجزائر منذ العام 2019، فإن التقارير تتحدث عن أن الأمر ربما يتعلق بصراع أجنحة الحكم التقليديين، وعدم القبول بمخرجات صناديق الاقتراع الرئاسية ولا التشريعية، والرغبة في تغيير المشهد السياسي بما ينهي مخلفات حقبة قائد الجيش الراحل قائد صالح.

 

أيا كانت التفسيرات التي يسعى مختطفو القرار الجزائري لتقديمها في محاولة للهروب من تحمل مسؤولية الحرائق، فإنها ربما تكون قد جاءت في الوقت الضائع، وأنها تأخرت كثيرا، ولا أعتقد أن بمقدور أي طرف سياسي مهما كانت قوته اليوم، أن يبقى متمترسا في مكانه مفتعلا الصراعات الوهمية بينما الجزائريون يموتون في العراء بالنار أو بالجوع أو بالعطش أو بكورونا...

 

لا سبيل أمام العصابة الحاكمة إذا أرادت سلامة الجزائر وأهلها إلا أن يعلنوا استقالة جماعية، وأن يعيدوا للشعب حقه في تقرير مصيره، ويبدأ في صياغة عقد اجتماعي يقوي وحدته ويؤسس لانتقال ديمقراطي، دفع الجزائريون ثمنه غاليا.. غير ذلك سيظل الخصوم يديرون معاركهم في الدهاليز والفنادق بينما الشعب وحده من يدفع ثمن هذه المعارك ليس من قوته فقط، وإنما من دمه الآن.. وإذا كان ليس من الموت بد، فمن العجز أن تموت جبانا..

 

- كريم مولاي، خبير أمني جزائري