طبيعي في هذا البلد الذي يتم تسويقه داخل المنظومة الدولبة بأجمل بلد في العالم، أن يتعرض الأستاذ لهذه الاعتداءات والتنكيل وكل أساليب التحقير. ابتدأت الحكاية بنسج الحكايات المضحكة حول المعلم، وتم تغيير اسمه إلى "الكعلم"، وأصبح يحمل لقب البخيل، لدرجة أنه أصبح من صيغ المبالغة ويقال "المعلم ولا يفعل هكذا". ثم بعد ذلك عملت الدولة على تعمد تقهقر أجر المعلم في سلم الأجور، مما فرض عليه اللجوء إلى الدروس الخصوصية، والتي يعاقب عليها القانون، إذ تضعه في حالة التنافي إن لم يحصل على إذن من المؤسسة، وهذا فيه تضعيف للمعلم الذي أصبح يعيش تحت سلطة المعلم، آنذاك كان المعلم لا يتحاوز 2300 درهم، والتي تكفيه لأداء رسوم الكراء في كبريات المدن كالدارالبيضاء والرباط و الجديدة.. لذا يطرح السؤال: من أين سيقتات هذا الكائن الشهري؟ بالطبع سيلتجىء المعلم أو الأستاذ إلى سياسة التقشف التي جعلته يتذيل طبقات المجتمع. فالاستاذ الجامعي الذي يعتبر من ذوي الأجور المرتفعة كان في أواخر السبعينيات يحتل المرتبة الثانية بعد الكاتب العام للحكومة، واليوم تجاوز المرتبة 70. في ظل هذه الظروف توجت هذه الطبقة أو العينة من الموظفين من أفقر طبقات المجتمع. بالإضافة إلى الأوضاع المادية، ساهمت البرامج التعليمية الرديئة في زعزعة مكانة الأستاذ
داخل المجتمع، فأصبحت المدرسة والجامعة قبلة لإنتاج المجرمين والأميين والبطالة، فانتزعت الثقة التي يؤديها المربي والأستاذ داخل المجتمع، إذ يصدر عن التلميذ أو الطالب تصرفات مشينة وعدوانية تجاه المعلم، لأنه ليس له شيء يفقده إذا ما طرد من المدرسة، وهذا ما يفسر انضباط طلبة المعاهد العليا والطب إذا ما قارناهم بالكليات، خصوصا طلبة السنة الأولى. ومن خلال تجربتي المتواضعة كأستاذ وكنائب للعميد، لاحظت انضباط طلبة السنة الأخيرة من الإجازة، لأنهم الأقرب إلى سوق الشغل. كما أن الطالب في هذه الحالة يستوعب دور الأستاذ داخل المجتمع. وفي مقارنة لطلبة قسم القانون الفرنسي بطلبة القانون باللغة العربية، فالأوائل يعدون أكثر انضباطا من التاليين، على اعتبار أن القانون الخاص بالفرنسية يفتح مجالات أوسع نحو سوق الشغل.
كخلاصة، إن أرادت الدولة أن تعيد الاعتبار للمنظومة التعليمية، فيجب عليها إعادة النظر في الحالة المادية للأستاذ، وتعيد النظر في البرامج التعليمية حتى تستجيب لسوق الشغل، عبر وضع منظومة تربوية وبيداغوجية قادرة على إحداث ثورة في علاقة التلميذ بالأستاذ، حتى تسترجع الثقة في الأستاذ واعتباره شريكا أساسيا ورافعة في التنمية الشمولية.