السبت 20 إبريل 2024
سياسة

حميد النهري: الأداء السياسي للأحزاب مقلق لا يساهم سوى في تكريس ظاهرة العزوف السياسي

حميد النهري: الأداء السياسي للأحزاب مقلق لا يساهم سوى في تكريس ظاهرة العزوف السياسي حميد النهري

بعد تفاقم الوضعية الصحية الحرجة التي يشهدها المغرب بسبب انتشار الوباء، ارتفعت أصوات تطالب بتأجيل الانتخابات المقبلة المقررة في شتنبر 2021، خاصة وأن الانتخابات تعرف حملات وما يترتب عنها من تجمعات وولائم وما إلى ذلك، قد تشكل بؤرا للعدوى، وهو ما خلف نوعا التذمر الذي يكرس ظاهرة العزوف السياسي.

في هذا الاطار أجرت "أنفاس بريس" هذا الحوار التالي مع حميد النهري، أستاذ القانون العام بجامعة عبد المالك السعدي بطنجة:

 

+ بدأ يسود نوع من التذمر بين المواطنين نتيجة بعض سلوكات وممارسات الأحزاب السياسية، ونحن على بعد أسابيع من انتخابات 2021، ما رأيك؟

- للأسف، ما يلاحظ على بعض تحركات الأحزاب السياسية هذه الأيام، وباعتراف الجميع، هو تكريسها لإحساس سلبي بين أوساط أغلب المواطنين، لأننا كنا ننتظر من طموحات الأوراش الكبيرة المعلنة ببلادنا مؤخرا، وتزامن ذلك مع التغييرات التي فرضتها علينا تداعيات جائحة كورونا، أن ينعكس كل هذا إيجابا على سلوكيات الفاعلين السياسيين ببلادنا. خصوصا وأن مرور بلادنا، كغيرها من بلدان العالم، من التجربة القاسية للوباء اللعين جعل الجميع يعتقد بإمكانية جعل هذه التجربة انطلاقة لممارسات وسلوكات أكثر مسؤولية تعتمد أفكارا وتصورات جديدة قادرة على استيعاب مختلف التحديات التي تواجه بلادنا.

 

+ هل هناك تغيير على مستوى هذه السلوكات، ونحن على بعد أسابيع قليلة من هذه الاستحقاقات؟

- ما يلاحظ في الحقيقة هو أن أغلب أحزابنا السياسية أبت إلا أن تجعل من تجربة تداعيات جائحة كورونا مرحلة بين قوسين، وعادت إلى نفس الممارسات اللامسؤولة، وبذلك ستكرس مرة أخرى منطق الرداءة الذي ميز مشهدنا السياسي خلال العشر سنوات الأخيرة؛ هذه الرداءة التي يجمع كل المختصين أنها كلفت مجتمعنا غاليا على جميع الأصعدة، سياسيا اقتصاديا واجتماعيا. فلم يعد يخفى على أحد المستوى المتردي الذي وصلت إليه أحزابنا السياسية ومحدوديتها على صعيد مختلف وظائفها داخل المجتمع، سواء على صعيد التأطير أو على صعيد البرامج أو على صعيد التكوين والوساطة بين الدولة والمجتمع، بحيث أصبحت بعض الأحزاب يرتبط وجودها فقط بالانتخابات؛ مع أن العديد من مطالب الإصلاح والتغيير تبلورت من مختلف السلطات، على رأسها الملك الذي دائما ما تضمنت خطاباته رسائل وتوجيهات مهمة في هذا الإطار. في المقابل نجد أحزابنا السياسية أظهرت ضعفا كبيرا في التجاوب مع هذه الرسائل والتوجيهات. كما أن العديد من تقارير المؤسسات الدستورية ببلادنا خلصت إلى هذه المحدودية، وطالبت بضرورة تجاوزها، كمثال تقرير المجلس الأعلى للحسابات، تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي... وآخرها تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد. لكن أحزابنا السياسية –للأسف- ما زالت في برجها العاجي، ولم تستطع استيعاب حجم تحديات المرحلة، بل وترفض كل الانتقادات الموجهة إليها وتتصدى لها معتمدة مبدأ تغطية الشمس بالغربال (وكل شيء عادي)؛ والنتيجة هي تقديم أداء سياسي، أقل ما يقال عنه أنه مقلق لا يساهم سوى في تكريس أكبر لظاهرة العزوف السياسي، وعلينا الاعتراف اليوم أن هذا الأداء السياسي يتميز بغياب البرامج والافكار، وحلت محلها المصالح الضيقة والآنية.

فلا أحد ينكر اليوم أن الأحزاب بعيدة عن مستوى تحمل مسؤوليتها في هذا الاطار، وأصبح مفروضا التفكير في أداء سياسي جديد من خلاله يمكن الاشتغال على أفكار وتصورات جديدة تستطيع بها هذه الأحزاب السياسية إدماج التحديات الكبرى للمجتمع.

 

+ في نظرك لمن تعود المسؤولية بخصوص هذه الرداءة السياسية للأحزاب التي تتحدث عنها، هل للدولة أم للمواطن؟

- تعتبر إشكالية مسؤولية الأطراف المتدخلة في المشهد السياسي قديمة، وتطرح للنقاش قبيل كل استحقاقات انتخابية؛ وأثيرت أيضا بوضوح في العديد من الخطب الملكية وفي خلاصات تقارير مختلف المؤسسات الدستورية والعديد من الأبحاث والدراسات العلمية.

لكن الواقع الذي يفرض نفسه اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، ليس هو تحميل المسؤولية لطرف من الأطراف، بل هو ضرورة تحمل جميع الأطراف للمسؤولية قبل فوات الأوان.. وعندما أقول الجميع أستحضر هنا إلى جانب الفاعلين السياسيين، الدولة بأجهزتها، ثم المواطن.

أولا: بالنسبة للدولة ممثلة في أجهزتها، فلا أحد ينكر أنها ساهمت في تغذية رداءة المشهد السياسي ببلادنا نتيجة بعض الاختيارات التي راهنت من خلالها على منطق الأبواب المغلقة والمظلمة وتجهيز خريطة سياسية قبلية مشوهة زادت في تكريس ظاهرة العزوف السياسي. لذلك هي اليوم مطالبة بوقف هذه المهزلة وتوجيه سلوكات الفاعلين في اتجاه العقلنة، وذلك بإجراءات استباقية عملية تحترم الديمقراطية، وفي نفس الوقت تحمي هذه الديمقراطية. إجراءات بمقتضاها نهيئ مؤسسات فاعلة قادرة أن ترفع التحديات.

ثانيا: بالنسبة للمواطن، فمسؤوليته في هذه الظرفية بالذات لم تعد تسمح بتفريطه في حقه الدستوري، وذلك من خلال المشاركة السياسية والمشاركة الفعالة في الانتخابات وجعلها معيارا لمحاسبة المسؤولين الذين يسهرون على تدبير الشأن العام. فالانتخابات تبقى آلية مهمة لتفعيل الديمقراطية ومن خلالها يمكن تغيير تلك الصورة النمطية التي تعتبر المواطن يصوت فقط من أجل مقابل مادي.

اليوم يجب استغلال هذه الفرصة، وعلى الجميع أن يشارك ويختار ويعطي إشارة الأمل، ونساهم في الحد من هذه الظواهر السلبية التي تنتشر عند كل انتخابات... وهذه الايام انتشرت بكثرة وبجميع الأنواع حتى جعلت من الرداءة السياسية عنوانا لمشهدنا السياسي.

 

+ ألا ترى بأن هذه الدعوة إلى تحديد المسؤوليات ازدادت مع تفاقم الوضعية الصحية الحرجة التي تشهدها بلادنا بسبب انتشار الوباء؛ وارتفعت معها الأصوات التي تطالب بتأجيل الانتخابات المقررة في شتنبر 2021؟

- لقد تم تداول فكرة تأجيل الانتخابات بشكل واسع هذه الأيام، لكن ما يلاحظ هو أن الفاعلين السياسيين لا يعطونها أهمية، وتفكيرهم منصب فقط على المقاعد التي يمكن الحصول عليها. وهناك توجه عام فقط حول إلزام الأحزاب بملاءمة تحركاتها خلال الحملة الانتخابية مع الإجراءات الاحترازية الواجبة للحد من انتشار الفيروس اللعين. بل أكثر من ذلك إن هناك مطالب بضرورة جعل هذه الأحزاب قدوة للمواطنين على صعيد الالتزام بالإجراءات الاحترازية.

لكن للأسف يجب أن نعترف أن أغلب أحزابنا السياسية ليست في مستوى هذه المسؤولية؛ فأغلبها -كما لاحظنا منذ بداية الجائحة- لم تقم بواجبها في التوعية والتحسيس بصعوبة الوضع الصحي منذ البداية، بل هناك من شكك حتى في الوباء المنتشر في العالم.. لذلك أعتقد بأنه ستكون نفس الممارسات، من تجمعات ولقاءات وولائم، وكأن الوضع عادي جدا، الشيء الذي سيؤدي -لا قدر الله- إلى تفاقم الوضع الصحي...