الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

أبو بكر حركات: وسائط التواصل الاجتماعي بالمغرب تتسم بالاستهلاك المفرط بين الاستعراضية والتلصص

أبو بكر حركات: وسائط التواصل الاجتماعي بالمغرب تتسم بالاستهلاك المفرط بين الاستعراضية والتلصص

حذر شون باركر، الرئيس المؤسس لشركة فيسبوك، من مخاطر شبكات التواصل الاجتماعي، وكشف عن مخاوفه وانتقاداته لهذه الوسائط، مشيرا أنه لم يكن يدرك مدى تأثير هذه الوسائل عندما أسس فيسبوك.. مضيفا، في حديث أجرته معه مؤخرا شبكة الـ "ب.ب.س" البريطانية، "أنا من يستخدم هذه المنصات ولا أدعها تستخدمني". "أنفاس بريس" اتصلت في هذا الشأن بالدكتور أبو بكر حركات، الأخصائي النفساني والباحث المعروف في علم الاجتماع، لمعرفة واقع استعمال هذه الوسائط في المجتمع المغربي.. وأجرت معه الحوار التالي:

+ كيف تقرأ هذا التسونامي الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وغيره، وما هو تأثيرها على المجتمع بعدما أصبحت مثار قلق متزايد؟

- دعني أقول لك بأن وسائط التواصل الاجتماعي هي مثل أي اختراع علمي أو تقني آخر، القصد منها هو الإفادة والاستفادة.. ولكن هذا الاختراع الحديث أسيء استعماله مثلما وقع بالنسبة للعديد من الاختراعات التي تباين استعمالها بين الصالح والطالح في ميادين مختلفة، سواء في الطب أو الهندسة أو غير ذلك. وأعطي مثالا على ذلك ما يقع في الدول العربية اليوم، وفي بلدنا المغرب على الخصوص، فالملاحظ بأنه أينما ذهبت ستجد الناس يحملون التليفون أو الهواتف الذكية في المقاهي والمطاعم وغيرها من الأماكن، منهمكين في الكلام الذي لا ينتهي والتبادل عبر الواتساب وغيره من الوسائط الأخرى. وفي المقابل لن تجد هذه الظاهرة في مطاعم أو مقاهي في المانيا أو اليابان، حيث لن تعثر أبدا على مواطني مثل هذه الدول "هازين" التليفون في هذه الأماكن!! لأن هذا الفعل يعتبر عندهم حشومة وعيب. وأشير هنا أن المبتكرين للفيسبوك أنفسهم الذين يدرسون أبناءهم في مدارس عريقة لا يعطون الحق لأبنائهم في استعمال الهواتف الذكية أو "سمارطفون"، ولا يسمحون لهم بذلك إلا بعد بلوغهم السن 12!! بالتالي يمنع على الأطفال أقل من هذه السن الاقتراب من الهاتف أو لوحة "تابليت" أو الكمبيوتر!!، أكثر من ذلك هنالك مدارس وثانويات في عدة دول أوروبية تمنع منعا باتا استعمال الهواتف الذكية داخلها، كما ليس للتلميذات والتلاميذ الحق في استعمال الهواتف، ولو حتى في فترات الاستراحة.. ويعني ذلك أن هذه المؤسسات تشكل منطقة محرمة على الهاتف الذكي. وهذا منطقي لأنه يجب أن تعتبر هذه الوسائط الحديثة اخترعت أساسا من أجل تسهيل التواصل بين الناس، ونقل المعلومة وتقريب الخبر إلخ...، وليس لشيء آخر.. والإشكالية تكمن في أن العقول الفارغة و"اللي ما عندها ما يدار" هي التي تستعمل هذه الوسائل لقضاء الوقت وتزجيته، لأن الوقت عندها موجود!! والإشكالية الثانية هي أن هذه الوسائط أصبحت تغري بالاستهلاك الكبير. فمن قبل كانت للشخص المجلة أو الجورنال الخاص به يدون فيه خواطره والمسائل اليومية التي يعيشها، يعني جريدة حميمية جدا ويحافظ عليها جدا، حيث وصل الأمر عند البعض إلى أن يجعل لها قفلا حتى يمنع الاطلاع عليها من أي أحد فضولي أو متلصص. لكن ما يحدث الآن هو العكس، حيث انتفلت هذه الحميمية عبر الوسائط الجديدة إلى وضع مكشوف، وبدأ الناس يقومون باستعراض حميميتهم بشكل مرضي، وأصبحنا أمام ما يسمى في علم النفس بالانحراف السلوكي الذي تطبعه الاستعراضية والتلصص،، وبتنا أمام أشخاص يستعرضون حميميتهم وخاصياتهم بالصوت والصورة، حيث يعمد الشخص إلى نشر تفاصيل حياته، وينتظر عدد المشاهدين لحميميته هذه، وتعظم فرحته ويفتخر عندما يحقق أكبر عدد من المشاهدات!!، كما أنه على مستوى التلصص أيضا نرى أن الناس يستهويهم النظر ومشاهدة حميمية الآخرين والأشخاص المستعرضين، وتجدهم يسارعون إلى العمل بـ "بلاتي نشوف هذا آش كيدير"، يعني هذا في آخر المطاف تلتقي الاستعراضية مع التلصص يشكل يسيء إلى الأهداف الحقيقية لهذه الوسائط.

+ ألا تعتبر بأن هذه الظواهر والسلوكات المنحرفة مرتبطة بالمستوى الفكري والثقافي للمجتمع، والذي كلما ارتفع عامل الوعي والتعلم فيه كلما وظف الوسائل الحديثة بشكل إيجابي؟

- بطبيعة الحال، كلما تقدمنا في المستوى المعرفي والإدراكي والثقافي، كلما قل اهتمامنا بالأشياء التافهة والمقرفة وابتعدنا عنها.. وأحيلك هنا فقط على محرك البحث "غوغل" لتبحث في الكلمات والمواضيع التي تهتم بها الشعوب، فماذا ستجد؟ ستجد أننا نحن في الدول العربية من الشعوب الأولى التي تشغل اهتمامها في أمور الحب والجنس والإباحية، وهلم جرا.. فنحن لا نبحث عن المفيد وما يخلق التقدم والإشعاع.. فهذا للأسف ليس لنا، بل ينصب الاهتمام بشكل كبير، إما في البحث عن الجنس، كما قلت، أو الجنة والنار والخوارق وما وراء ذلك، و"هاد الشي اللي عندنا".

+ ما هو الحل في نظرك إذن؟

- الحل لا يأتي من شخص، والتشخيص يتطلب أولا أبحاثا ميدانية تجرى على مستوى المجتمع والسؤال حول هذا الإفراط في الاستهلاك لوسائط التواصل الاجتماعي و"علاش وكيفاش"؟؟ وثانيا، إن تفادي مثل هذه المشاكل والظواهر تكون بشكل استباقي منذ البداية.. فـ "دجاج السوق كيبات مكثف"، كما يقال. ولهذا يبدأ التفادي منذ الصغر، وعندما يكون الطفل في سنه الثالث والرابع.. لكن المؤسف عندنا أن الأم كي تلهي طفلها ويكف عن البكاء، عوض أن تعطيه كتابا يقرأه وتعوده على ذلك، تعطيه التليفون ليتفرج فيه، "ومن هنا كتعواج الفكوسة".