الثلاثاء 19 مارس 2024
فن وثقافة

"مدارات" يستضيف روح الشاعر محمد الطنجاوي مبدع كتابة الأغنية المغربية

"مدارات" يستضيف روح الشاعر محمد الطنجاوي مبدع كتابة الأغنية المغربية الراحل محمد الطنجاوي (يمينا) والزميل عبد الإله التهاني

أضاءت حلقة ليلة الجمعة 23 يوليوز 2021 من برنامج "مدارات"، الذي يعده ويقدمه الزميل عبد الإله التهاني، مسار الشاعر والكاتب الصحفي الراحل محمد الطنجاوي، باعتباره صوتا أصيلا من أصوات الشعر المغربي المعاصر.

 

الإعلامي عبد الإله التهاني، خلال برنامجه، قدم إضاءات حول حياة وشعر الراحل محمد الطنجاوي، حيث أرفقها بقراءات من مختارات من أشعاره، مع إبراز رصيده في مجال كتابة القصيدة الغنائية، كون الراحل ساهم بنصوصه الشعرية في الارتقاء بمستوى الأغنية المغربية العصرية، من خلال تجربته  الناجحة مع ملحنين كبار، كالموسيقار المصري الكبير محمد عبدالوهاب، والأستاذ أحمد البيضاوي والفنان عبد الوهاب الدكالي، وغيرهم ممن لحنوا وأدوا قصائد من عيون شعره.

 

في مستهل برنامج "مدارات" قال الإعلامي عبد الإله التهاني بأنه يتحدث اليوم "عن شاعر عاش بشعره وكتاباته الصحفية. شاعر عرف وعاش وكتب واشتهر واستأنس بكنية محمد الطنجاوي، وأن اسمه الحقيقي هو محمد بن يحيى... هو حلقة مضيئة في كتاب الشعر الحديث... هو علم لامع من أعلام الصحافة المغربية، وكان يمارس الصحافة بخلفية الشاعر الذي انخرط في معارك استقلال الوطن وتحريره ومواكبة عملية البناء. فضلا عن انخراطه في ملحمة استرجاع الصحراء المغربية التي كان فيها محفزا بقلمه ووجدانه، حيث ترددت في قصائده كل معارك المغرب".

 

عن مسقط رأس محمد بن يحيى الطنجاوي، أوضح معد ومقدم البرنامج أن شاعرنا "رأى النور بمدينة تطوان سنة 1936، حيث كانت المدينة حافلة ومزدهرة بحركتها الأدبية والصحفية". وأشار إلى أن نقطة الضوء التعليمية انطلقت من "المعهد الديني والمعهد الحر اللذين كانا يدرس بهما أساتذة مصريون ممن كان لهم التأثير البالغ على طلاب هذين المعهدين في تلك الفترة".

 

"لقد بدأ صوته الشعري يدوي في سماء تطوان وهو شاب، بعد أن فاز في أكبر مسابقة شعرية كانت تقام قبل الاستقلال"، يقول الزميل عبد الإله التهاني، على اعتبار أن الجائزة الشعرية كانت تحمل اسم "جائزة محمد الخامس للشعر والتي كان يشرف عليها العلامة إبراهيم الألغي، حيث أشر فوز الشاب الطنجاوي سنة 1955 بهذه الجائزة على مسيرته الأدبية".

 

وتناول التهاني بإسهاب في حديثه عن شاعرنا السي محمد الطنجاوي كيف "زاوج بين كتابة قصائده وكتابة المقالة الصحفية"، بعد أن اختار منبار صحفية لهذا الغرض من بينها جرائد النهار والأمة والصحراء. وبحكم أن الإذاعة الوطنية "كانت فضاء اجتذب إليه أسماء لامعة فقد انتقل الشاعر والصحفي الطنجاوي للإذاعة باقتراح من الأستاذ عبد الوهاب بن منصور". حيث سيعد الرجل برنامجه الأدبي تحت عنوان "مجال الأدب". إلا أنه "سيغادر الإذاعة بدافع الرغبة في الكتابة الصحفية بجريدة "المحرر" بجانب الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي وأسماء أخرى". لكن هناك مرحلة أخرى ذات أهمية بالغة في مسار الراحل الشاعر محمد الطنجاوي ترتبط بسفره بعد أن "رحل إلى القاهرة من أجل الاستفادة من دورات تكوينية في مختلف الأجناس الصحفية".

 

ابتداء من سنة 1964 سيتم تعيين الصحفي والشاعر محمد الطنجاوي مديرا لجريدة الأنباء (التوجهات الرسمية للدولة المغربية) التابعة لوزارة الإعلام، حيث تعتبر "هذه المحطة مهمة جدا في مساره الصحفي والتي ستمتد لسنوات طويلة برزت فيها مواهبة وطاقاته ورؤيته المتفتحة والمنفتحة على كل الحساسيات". في هذا السياق كان المرحوم الطنجاوي يصر على أنه" لن أمارس الصحافة كوظيفة للعيش... ولا أجد مسافة بين الشعر والصحافة... أنا شاعر، أنا صحفي... أنا موجود في الساحة..."

 

وعن دواوين الشاعر أفاد التهاني بأن "ديوانه الشعري (تطوان التي تسكنني) نسخة مفقودة". علما أنه ترك "إنتاجا غزيرا وضخما من الأشعار ظلت موزعة على أعمدة الصحف والمجلات". مما جعل أسرته الصغيرة تنكب على جمع كل تراثه وعززته بسيرته الذاتية فضلا عن تقديم للأديب محمد أديب السلاوي".

 

وبخصوص تنوع مواضيع شعره وأغراضه فإن الشاعر محمد الطنجاوي توزعت كتاباته الشعرية بين الشعر الوطني والقومي، وشعر الغزل والمدح والرثاء والتوسل والتأملات ووصف الطبيعة والتعلق بمدينة تطوان وموضوعات كثيرة.

 

ولم يفت معد ومقدم برنامج حوار في الثقافة والمجتمع أن يشنف آذان المستمعات والمستمعين من متتبعي البرنامج بمقتطفات ومقاطع مختارة من شعر وقصائد الراحل الشاعر والصحفي محمد الطنجاوي حيث بدأ قراءاته بقصيدة مديح حماسية تحت عنوان "ملك وشعب"، وأخرى وثق من خلالها الشاعر مشاهد من الحضارة المغربية تحت عنوان "سلوا حضارتنا".

 

ولأن الشاعر كانت له وقفات روحية في شعره الديني، تستمد مرجعيتها من تنشئته الدينية، زاخرة بتأملات في أحوال الإنسان وتقلبات حياته بين العسر واليسر فقد اختار الزميل التهاني مقتطفات شعرية في هذا المجال.

 

وقد أكد عبد الإله التهاني على أن الرجل "يعتبر من الشعراء الذين أغنوا العمق الوجداني والعمق الوطني من خلال كتابته لنصوص زجلية بالعامية المغربية، وكتابته للون القصيدة الفصيحة". حيث سيصدح صوت الموسيقار العربي محمد عبد الوهاب بواحدة من أروع قصائده تحت عنوان "الرائد الأكبر" سنة 1960، تلك القصيدة الطافحة بنفحات العزة الوطنية، والتي وصفت بالمستوى الرفيع جماليا وبأسلوب الفنان العربي تلحينا. بل أنها اجتمعت فيها المشاعر الوطنية وروعة اللحن الموسيقي.

 

غزارة كتاباته الشعرية في موضوعات وطنية و وجدانية فتحت أبواب التلحين والغناء خلال سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات "تعامل مع قصائده الملحن القدير السي أحمد البيضاوي، والملحن العربي الكوكبي، والملحن محمد فيتح (قطعة الجهاد الأكبر)، والمرحوم الفنان المزكلدي (قطعة معنا الله)... لذلك عرفت نصوصه الغنائية شهرة كبيرة خصوصا مع الموسيقار الفنان عبد الوهاب الدكالي (قصائد وطنية وعاطفية)، فضلا عن الأغنية الذائعة الصيت تحت عنوان (مليون هكتار) التي خلد بها شاعرنا "الاختيار الاستراتيجي للمغرب باعتماد الفلاحة لتأمين الإكتفاء الذاتي وتنمية الاقتصاد الوطني". والتي يقول فيها: بالحب بالإخلاص شعبنا فلاح/ الأرض نزرعها حبا نحصدها تفاح/ أقلامنا مناجل...

 

ويستمر الإبداع الشعري والفني في حضرة عباقرة الموسيقى والغناء من خلال قطعة شعرية أخرى تحت عنوان "هاذي يدي ممدودة مدي يدك"، والتي كتبها السي محمد الطنجاوي بنفس وجداني خاص، تتدفق رقة وعذوبة، فكانت قصيدة سهلة التلحين ومهيأة لكي تتحول إلى قطعة غنائية على يد الرائد عبد الوهاب الدكالي الذي تعامل مع قصيدة أخرى لنفس الشعار تحت عنوان "هو الحب"، حيث تعتبر من القطع الموسيقية الخفيفة والقصيرة، والذائعة الصيت والانتشار بعد انتقالها لقالب الغناء بتوزيع موسيقي رائع وأداء أروع. فضلا عن قصيدته المعنونة بـ "مولد القمر".

 

وختم الزميل عبد الإله التهاني حلقته الثقافية بالتأكيد على أن الشاعر والصحفي السي محمد الطنجاوي قد عرف "بميله إلى التجديد وتأثر بالتيار الحداثي، وزاوج بين كتابة القصدية العمودية وقصيدة الشعر الحر... ونجده يلجأ في هذا اللون من أشعاره إلى التنويع في التفعيلة". بعد أن قرأ بعضا من أبيات قصيدتين تحت عنوان (من أسماء الشعر اسمك) و(أين أمسي؟).