الخميس 9 مايو 2024
كتاب الرأي

سفيان الحتاش :في زخم "الزلزال السياسي" وفرص حل أزمة حراك الريف

سفيان الحتاش :في زخم "الزلزال السياسي" وفرص حل أزمة حراك الريف

تجدني وأنا أتابع تطورات ملف حراك الريف في السياسة والاجتماع وما تمخض عنه من أحداث، أقف عند بعض الخرجات والمواقف السياسية والإعلامية والحقوقية الرسمية منها والغير الرسمية ، فبعد ما اصطلح عليه "بالزلزال السياسي" بعد إعفاء الملك لمجموعة من الوزراء من مناصبهم وما عقب ذلك من تجاوب من طرف معتقلي عكاشة بإيقافهم الاضراب عن الطعام وتفاعل عائلات المعتقلين مع حدث "الزلزال" وما تبعه من مبادرة برلمانية تلتمس إصدار العفو العام من الملك. في مقابل هذا الزخم كله نجد في المقلب الآخر من يعاكس هذا الزخم وهذه الدينامية التي تعول عليها القوى الديمقراطية والحقوقية بالريف وخارجه وعلى صعيد الخريطة السياسية الوطنية لإنضاج حل معين لازمة حراك الريف، بالإصرار على النزول للشارع لإحياء ذكرى الشهيد محسن فكري، من منطلق عبثي لا يراعي أدنى متطلبات الحكمة والرؤية السياسية المطلوبة في هذه المرحلة الدقيقة التي يجتازها ملف حراك الريف سياسيا وحقوقيا واجتماعيا بما يخدم أفق الحل السياسي والحقوقي للملف المطلبي الذي رافعت عنه جماهير حراك الريف لأزيد من سنة ، مما يعنيه بالنتيجة أن هناك من يستثمر في هذا العبث لخدمة أجندة خاصة تتعارض جذريا مع مطالب أهلنا بالريف في حقهم في التنمية والحياة الكريمة والإفراج عن المعتقلين.
هذا العبث يجد له حليف موضوعي في بعض الجهات الأخرى موجودة في بنية الدولة وأجهزتها الأمنية والسياسية التي لازالت تشتغل بعقلية المخزن التقليدي الذي يحن إلى العهد البائد و التي ترى في المقاربة الأمنية والقضائية الحل الأمثل لكل المشاكل والأزمات الاجتماعية التي يعرفها مغرب محمد السادس الذي شهد كل العالم والمجتمع الدولي الحقوقي والسياسي بتطوره الملفت على جميع الأصعدة الديمقراطية والحقوقية. إذن لمصلحة من السعي إلى إفشال هذه الدينامية الملكية في تفاعلها مع الحراك الاجتماعي في الريف وفي غير الريف والتي أقرت بالاختلالات العميقة التي تعرفها منظومة التنمية بالمغرب وانبرت إلى نفس التشخيص السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي الذي فجر حراك الريف ورفعه نشطاء الحراك في شعارلتهم، والذي قد يفجر انتفاضات أخرى في المغرب كما جاء في خطاب العرش الماضي وهو ما يعنيه في السياسية أن الملك قد أعطى المشروعية للحراك سواء من خلال ما جاء في خطاب العرش أو من خلال الإعفاءات الأخيرة في بعض المناصب والوزارية بغض النظر عن النقاش السياسي الذي تثيره هذه الإعفاءات وقيمتها وموقعها في الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي المنشود في مغرب اليوم ؟
إن مقاربة المؤسسة الملكية لأزمة حراك الريف إذا قرأناها من الزاوية السياسة ومن منطلق دور هذه المؤسسة المحوري في البنية الدستورية والمؤسساتية للنظام والدولة في المغرب تتماشى مع متطلبات أفق الحل وتستجيب لالتزامات العهد الجديد، غير انه بالمقابل فإننا على وعي تام بان ثمة جهات في بنية الدولة وخارجها لا تستسيغ هذه المنهجية وهذه الرؤية وتريد بأن تزج بالمؤسسة الملكية وشخص الملك في أتون مواجهة مباشرة مع الشارع والمجتمع كما تطرقنا إلى ذلك في ورقتنا السابقة الموسومة ب "تمرين حراك الريف يظهر الحاجة للإصلاح" وهو ما يشكل خطرا استراتيجيا على بنية الدولة والنظام بالنظر إلى اشتراطات التحولات الداخلية والخارجية على بنية الحكم في المغرب. وعندما نتحدث هنا عن ايجابية ودينامية المؤسسة الملكية في مقاربتها لازمة حراك الريف فإننا نعي جيدا ما نقول ومن موقع مسؤول يروم بناء و إيجاد حل توافقي للازمة ولا نمارس ولا ننتج بالبتة أي سلوك وخطاب وفكر برغماتي ذاتي مصلحي نفعي تملقي على حساب معاناة أهلنا في الريف كما قد يتوهم بعض المغرضين و الأصدقاء الجهلة الذين يختصرون النضال ويختزلونه في الخطابات الثورجية الفارغة من أي مضمون والنعيق مع كل ناعق .
من هذا المنطلق وأمام السياقات الداخلية والخارجية الضاغطة في اتجاه عرقلة وإرباك أي حل لازمة حراك الريف لا خيار للقوى الديمقراطية والمؤسسة الملكية سوى انجاز تعاقد سياسي يجنب المغرب من خلال بوابة حراك الريف الانزلاق إلى متاهات تنسف كل منجزات العهد الجديد الحقوقية والسياسية، لان السؤال الذي نضعه نصب أعيننا ونحن نتأمل مشهد الأزمة الحالية هو ماذا سيربح المغرب من إصدار أحكام قاسية على نشطاء حراك الريف حتى لو بلغت في قسوتها حد الإعدام؟ هل موقع المغرب السياسي والحقوقي والمكتسبات التي حققها والتي بوأته مكانة متميزة إقليميا ودوليا يسمح له التضحية بكل ذلك لينتقم من ثلة من النشطاء –على أخطائهم وهفواتهم- احتجوا على سياسات عمومية خاطئة ومجحفة همشت الشباب وجعلتهم عرضة للتطرف السياسي والاثني والأصولي اقر الملك نفسه بوجودها في غياب تام للتأطير السياسي والمدني والتعليمي والنقابي؟
إن ما شهده حراك الريف من منزلقات لراجع كما قلنا في أوراقنا السابقة إلى أزمة عميقة يعرفها المشهد السياسي والاجتماعي في المغرب يعكس غياب وسائط اجتماعية حقيقية من أحزاب ونقابات وتنظيمات مدنية وان وجدت فهي غارقة في سجونها الفكرية والإيديولوجية المتزمتة التي انتهت إلى متاحف التاريخ فيما يشبه الأصوليات الدينية الرجعية والمتخلفة ولم تستطيع بالمقابل بناء مشاريع مجتمعية وفكرية وثقافية حقيقية تستجيب لمتطلبات وحاجات المجتمع ونعني هنا بالحديث احزاب وتيارات اليسار اما أحزاب الادارة فهي خارج هذا البحث على الاقل ، وبالتالي يكون حراك الريف قد حاكم فشل النخب والأحزاب المحسوبة على التوجهات التقدمية واليسارية بالقدر نفسه الذي حاكم فيه المخزن ونخبه المحافظة. والنتيجة كانت واضحة و جلية أمامنا تقول: إن المنظومة القيمية والفكرية الحاكمة في المجتمع لا يمكن لها أن تفرز قيادة إلا بمستوى الزفزافي الذي هو ظاهرة من إفراز البنية والبيئة التي ينتمي إليها، مع كل احتراماتي لشخص الزفزافي وعائلته. إن الأزمة أكبر من أن تختزل في أخطاء الزفزافي ورفاقه ومنزلقاتهم الخطابية والسلوكية ، ففي غياب انتلجنسيا مسؤولة قادرة استيعاب واقع مجتمعها وفهم ألآمه وأماله فان الطبيعة لا تقبل الفراغ.
إننا نتوسم كل الخير في هذا الزخم الذي أحدثه "الزلزال السياسي" من تفاعل من جانب المعتقلين وعائلاتهم والمبادرة البرلمانية ومن المباردرات التي أطلقتها بعض النخب الفكرية والمدنية ولا يفوتني هنا إلا أن أثمن عاليا الحس السياسي والفكري والحقوقي الذي أبان عنه الدكتور عبد الوهاب التدموري المنسق العام لمنتدى حقوق الإنسان لشمال المغرب من خلال الأرضية التي طرحها لتجاوز الأزمة وهي الأرضية التي تنم عن سعة أفق الرجل وتمتعها بجرعات كبيرة من النقد والنقد الذاتي لاستيعاب كثير من متحولات حقل الاجتماع والدين والسياسية بالمغرب وهذا ما يعطي للرجل قيمة سياسية رفيعة ويحوله إلى رقم سياسي وفكري استثنائي مهم في الريف ومن داخل نخبة اليسار بالخصوص له تأثيره ووزنه في حراك الريف من خلال انتماء كثير من المعتقلين إلى افقه الفكري والسياسي، على الدولة أن تتعاقد معه ومع كثير من القوى الحية الاخرى لإنضاج حل معين وقطع الطريق على الطروحات العدمية وانجاز مصالحة حقيقية بمضمون ديمقراطي حقوقي لتجاوز الأزمة الحالية و تداعياتها وارتداداتها على المدى المتوسط والبعيد. وفي ذلكم منفعة للدولة بأن لا تفوت هذا الزخم لاعادة هيكلة مشهدها السياسي والاجتماعي كمقدمة لانجاز التعاقدات الكبرى التي تؤسس لاصلاح حقيقي يعيد انتاج الدولة في المغرب على اسس مؤسساتية متينة. والله المستعان وهو ولي التوفيق. ولنا عودة على بدء.