الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

ميلود العضراوي: خطة"ترامب".. المنفعة الاقتصادية والربح السياسي

ميلود العضراوي: خطة"ترامب".. المنفعة الاقتصادية والربح السياسي

قبل الضربة التي وجهها الرئيس الأمريكي، "رولاند ترامب"، لقاعدة الشعيرات، التي انطلقت منها طائرات الأسد لتلقي الموت من السماء (الضربة الكيماوية)على قرية "خان شيخون"، في منتصف أبريل 2017، كان الرأي السائد في الأوساط العربية أن الرئيس الخامس والأربعون (45) للولايات المتحدة الأمريكية، رئيس غير متزن ومواقفه غير ثابتة وتصريحاته مخيفة، وأنه لن يأتي بشيء يحسب له في سجل رئاسته لأمريكا، بل مضت النعوت الاستباقية التي هبت مثل ريح عاصفة من هنا ومن هناك، تقول: إن الرجل الذي يضع يده على أزرار القنابل النووية بالبيت الأبيض، يمتلك المصير السيئ للعالم، ويمكنه في أي وقت أن يحول كوكبنا الأزرق الجميل الذي نشأ منذ ملايير السنين، إلى كتلة من اللهب المشتعل. يقولون أيضا إن الرجل الأبيض الجالس في قلب البيت الأبيض، يمتلك تركيبة جينية آرية معادية لكل الأجناس الأخرى، وهو ما يفسر عدم قدرته على التواصل مع الآخر المختلف.. يقولون إنه رجل عنصري يفضل عالما بلا عرب ولا مسلمين ولا مجتمعات هجينة (خليط من الأجناس) استقرت بجواره منذ قرون (الجدار بين و.م.الأمريكية والمكسيك وقانون الهجرة الجديد ومعاداة الإسلام ومساندة إسرائيل).

يقولون إن الرجل الذي جاء إلى البيت الأبيض عن طريق الصدمة السياسية التي فاجأت القادة والزعماء من كل بلد، يحمل فكرة أن العالم يتغير نحو الأسوأ، وأن أمريكا مطالبة بالتخلي عنه، وأن إعادة تشكيل العالم من منظور أمريكي جديد أصبح ضرورة استراتيجية ملحة.. يقولون إن الرجل يحمل ميولات سيكولوجية معادية تفضحها اندفاعاته الشخصية المنفعلة التي لا يخفيها تحت معطفه الدبلوماسي. لقد ذهب البعض إلى تشبيهه بمثيله الأشقر، "هتلر"، الذي آثر عالما خاليا من "المخلوقات الهجينة" التي لا تنتمي للجنس الآري.. لذا فهو صنوه (كما يتصورون) أو يقرب له من مجرى الدم الخلاسي القادم من أوروبا منذ مئات السنين. فالأوروبيون، كما قال الشاعر الجنوب إفريقي، الذي أعدمته سلطات بريتوريا العنصرية سنة 1989 "بن يمين مولويزي"، "مهما كانت رغبتهم في نشر الحضارة حاضرة، فإن طموحاتهم للهيمنة والتسلط على الأجناس البشرية الأخرى واستعبادها، ليس لها حدود". والبعض الآخر قال، إن الرجل الذي يحكم أمريكا الآن، رجل "براغماتي" يحسب مصالح بلاده بمنطق الربح والخسارة، لكن تركيزه على "مخطط الانكماش"، سينهي أسطورة الإمبراطورية الأكبر في العالم والدولة الأعظم في التاريخ الحديث"؟ سياسة العزلة المحسوبة ستضع الولايات المتحدة الأمريكية في حجمها الطبيعي كبلد قوي اقتصاديا وعسكريا، لكن نتائجها السيئة ستدفعها لتتقلص ضمن خريطتها الجيوسياسية القارية، لتستقر منزوية وراء شمس المحيط الأطلسي، لا يحسب لها حساب، ومنكمشة على ذاتها، مثلما كانت قبل الحرب العالمية الثانية وقبل معركة الإنزال البحري في شمال غرب أوروبا سنة 1944.

كيف تغيرت نظرة العرب للرئيس "ترامب" وخصوصا عرب الخليج والسعودية الذين اعتقدوا من خلال تصريحاته المعادية لهم، وخصوصا السعودية أنه عازم على تنفيذ ما يقول، إجبار عرب البترول والسعودية على رأسهم تكاليف حرب الخليج والتدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط منذ 1986 إلى الآن، الانسحاب من الوساطة التي كانت تؤديها أمريكا من قبل في صراع الشرق الأوسط، أي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالنسبة لسوريا قال إنه مشكل بعيد عن الولايات المتحدة الأمريكية وداعش من صنع سعودي عليها، تتدبر مشكلة الصراع البيني في الشام. وعلى المستوى الأوروبي التخلي عن أوروبا في قضايا استراتيجية تهم الاتحاد الأوروبي وروسيا وفي شرق آسيا والمحيط الهادي ترك النمور يصارعون مخاطر التنين الكوري الشمالي بمفردهم تبعا لنصيحته الثمينة "على اليابان وكوريا الجنوبية ان يمتلكوا القنبلة النووية".

كل هذه المقولات وجدت مكانا لها في مسلسل الشرح الطويل لسلوكيات "ترامب" بعد الانتخابات، وآلت إلى سجل التنافسية الانتخابية لا غير، حيث أنه بعد مدة يسيرة، وخلال زيارته الصين التي كان يتهددها بترتيبات ضريبية خطيرة على السلع الصينية التي تدخل موانئ أمريكا، بحث بود مع الرئيس الصيني تقارب وجهات النظر حول مجموعة من القضايا، بل اطلع على مبادرة "الحزام والطريق" قبل إطلاقها بعدة أسابيع ووافق على المشروع، مبديا إعجابه من حيث أنه بذلك أصبح جزء من خطة السلام العالمي التي تتوخاها الصين من وراء مبادرة الحزام والطريق". ثم في لمح البصر أعطى أوامره النافذة "للمرنز" بقصف قاعدة "الشعيرات" من العاصمة الصينية بدون تردد، وهو يشاهد شريط الجريمة البشعة  التي ارتكبتها قوات الأسد في "خان شيخون" بإلقائها القنابل الكيماوية على المدنيين العزل.

التحليل المنطقي لمجمل ما قيل وما يقال في شأن الرئيس الأمريكي المنتخب سنة 2016، يحيلنا على مقاربة ثلاثية الأبعاد، ومن جهتنا يفرض علينا البحث ضرورة نقد هذه المقاربة بموضوعية Holographic approach to criticism. البعد الأول من المقاربة يتعلق بالمستقبل الأمريكي الذي هو مستقبل العالم أيضا، والبعد الثاني، يتعلق بإعادة تشكيل العلاقة الأمريكية مع العالم، والبعد الثالث؛ دعم الاقتصاد لتعزيز الهيمنة الأمريكية. الأبعاد الثلاثة للمقاربة، تتشكل من أضلاع ثلاث أيضا؛ الأول، تفاعل الإعلام بشتى اهتماماته وتوجهاته وتهجمه وكذبه أحيانا على الموقف الأمريكي الآن، بإيعاز من المؤسسات الاقتصادية الكبرى في العالم وتحت الرعاية الفعلية للدول المستفيدة من كعكة اقتصاد العالم، وخوفها مما يجري من متغيرات عميقة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية؛ الداخلية والخارجية، قد تغيير أسلوب التعامل مع الشركاء الاقتصاديين ودول العالم الثالث حيث توجد الثروة الخام والمواد الأولية.

خلاصات هذه المواقف في أغلب الأحيان غير موضوعية والإعلام الذي يتبناها يتقمص بزة المحامي الخائب الذي يدافع عن قضية خاسرة أساسا، فالدول والمجمعات الاقتصادية التي هاجمها الرئيس الأمريكي، اعترفت من تلقاء نفسها في مؤتمر منتدى دافوس للدول الاقتصادية الكبرى المنعقد في 17 يناير 2017، أنها صانعة الفقر والركود الاقتصادي طيلة العشرين سنة الأخيرة. وقد نظم اللقاء السنوي هذه المرة تحت شعار "الفقراء ضحايا العولمة".

والضلع الثاني يقوم على فرضية التفكير القومي الأمريكي في تغيير منهج التعامل مع الواقع وإعادة إنتاج ديناميكية استراتيجية جديدة، تماشيا مع الأوضاع القائمة وإكراهاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.

والضلع الثالث للمقاربة، يرتكز على عمق المشروع الأمريكي الدولي، وهو الدخول في منطقة مناخية جديدة تختلف عن كل ما سبق، وذلك بافتعال مخطط دولي يصهر التجارب السابقة في تجربة مستقبلية متطورة ويشتغل على المدى المتوسط والقريب، الذي لا يمكن أن يتجاوز الولاية الأولى للرئاسة الحزب الجمهوري للاتحاد الفدرالي الأمريكي. يمكن تسمية هده التجربة، بتجربة "البيات الشتوي الاستراتيجي الحذر" للولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن تسميتها بفترة الوقوف مع الذات، وهو ما بدأ بتنفيذه "الرئيس رولاند ترامب"بالتوجه نحو تقنين العلاقات الخارجية مع ترتيب الأولويات وتحديد التعامل الدبلوماسي والسياسي مع مجموعة من الدول التي يرى مسؤولو البيت الأبيض أنها غير جديرة بالاهتمام أو تشكل خطرا على الأمن القومي الأمريكي. فتم منع الدخول للولايات المتحدة الأمريكية على مواطنين ينتمون لدول إسلامية أو بلدان تعتبر مسرحا للنشاط الإرهابي.

بالموازاة مع قرار تضييف قانون الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية الذي أصدره الرئيس" ترامب"، صدر عن البيت البيض قرار متزامن يكتسي الصبغة الاقتصادية ويتعلق بقرار فرض قيود جمركية وضريبية على السلع القادمة وتقييد المبادلات التجارية بهدف انتهاج سياسة حمائية اقتصادية وأمنية صارمة وفعالة. لقد صاحبت قرارات الرئيس الجديد توجيهات ونصائح مشفوعة بخطاب سياسي، جاف اتجاه شركائه التقليديين وجيرانه (المكسيك وأستراليا والاتحاد الأوروبي والعالم العربي/ السعودية بالخصوص).