الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

"هلال" القبايل يبزغ من نيويورك

"هلال" القبايل يبزغ من نيويورك جانب من الحراك الشعبي بمنطقة القبايل (صورة أرشيفية)

فوجئ الكثير من المراقبين للشأن المغربي بالانتقاد الشديد الذي وجهته الخارجية المغربية في أكتوبر 2919 لرئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، صلاح الدين مزوار، عقب تعليقه الداعم للحراك الشعبي الجزائري آنذاك. بيان الخارجية المغربية وصف تصريحات مزوار، الذي لم يكن يشغل أي منصب حكومي رسمي، بـ "الأرعن والمتهور".

 

أول قرار اتخذه مزوار أو أجبر على اتخاذه مباشرة هو الاستقالة من قيادة اتحاد أرباب العمل. والمراقبون قرأوا فيه رسالة لا لبس فيها، مفادها أن المغرب الرسمي وشبه الرسمي يريد أن ينأى بنفسه جملة وتفصيلا عن الشأن الداخلي للجزائر.

 

فماذا كان الرد من دوائر الحكم في المرادية ونادي الصنوبر!. انتظرنا زهاء شهرين لنسمع المرشح الرئاسي عبد المجيد تبون يستخدم لغة ملأى بالرغبة في التصعيد، ركوبا على حصان "حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير مصيره".

 

كان هذا العنوان الأبرز لمرحلة تبون وراعيه العسكري الجديد سعيد شنقريحة، الذي سيغتنم فرصة أول تحرك عسكري له في إقليم تندوف، بالناحية العسكرية الثالثة، ليذكر المغاربة بأن بلدهم هو "العدو الكلاسيكي" للجزائر.

 

سكت المغرب الرسمي على هذا التصريح الطافح بالاستفزاز والعدوانية. لكن الجزائريين سيقيمون الدنيا حينما ظهر مقطع فيديو للقاء بين القنصل العام للمملكة في وهران، يعتقد بأنه وصف فيه الجزائر بالبلد "العدو"، ولم يهدأ لهم بال إلا بعدما استدعته الرباط.

 

لكن ما بين انتقاد "رعونة" مزوار ودعوة المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، إلى مساعدة أهل منطقة القبايل على تقرير مصيرهم، جرت مياه مضطربة كثيرة تحت جسر العلاقات بين المملكة وجارتها الشرقية. لعل أبرزها محطة الگرگرات، مرورا بأزمة بن بطوش التي تورطت فيها إسبانيا، والاتهامات المتكررة من تبون  للمغرب بأنه "يعتدي على الجزائر يوميا"، ناهيكم عن حملات الكراهية والتحريض والكذب الموجهة يوميا عبر وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية والرديفة. ولن ننسى الموقف المتشفي للجزائر في أزمة سبتة، والمستفز في الآن ذاته حين ذكرتنا، لعلنا كنا نسينا موقفها المماثل في أزمة صخرة ليلى، حين أصرت على أنها اسبانية مثلما هو حال مليلية والجزر الأخرى، وصولا إلى موقفهم المعزول خلال الجلسة الخاصة للبرلمان العربي حول أزمة سبتة.

 

لا شك أن أهل الحل والعقد في الرباط جاءت عليهم لحظة قالوا فيها لقد طفح الكيل. ولا شك أنهم أرادوا أن يستهدفوا أُسِّ المشكل. إذ إن ألمانيا أو اسبانيا ما كان لهما أن تتجرآ على المغرب في قضيته الوطنية لولا أن ملف العداء ليس له عراب أوحد حاليا: الجزائر.

 

تصريح عمر هلال خلال اجتماع دول حركة عدم الانحياز، كان يتوقع ألا يتلقاه حكام الجزائر ببرودة الدم التي يتقبل بها المغرب طعناتهم في ملف الصحراء منذ أكثر 46 عاما.

 

وهذا ما حدث. فمختلف مكونات الطيف في الجزائر اعتبرت  هذا التصريح "أرعن". لكن هل يعتقدون أن المغرب الرسمي لم يدرس مختلف أوجه التداعيات المحتملة لهذا الموقف الذي يضع حدا لعقود من الصبر والاحتساب مع "أشقاء" جعل كبيرهم، محمد بوخروبة المعروف بهواري بومدين، من إضعاف الجار الغربي هدفا استراتيجيا ومبررا وجوديا لنظامه العسكري.

 

لا داعي للتذكير بأن موازين القوى الإقليمية، وأواصر القرابة، التي جعلت المغرب صامتا لعدة عقود من الزمن قد تغيرت.

 

فالطفرة النفطية ولت إلى غير رجعة، وحل محلها عجز مهول في ميزانية الدولة، ظهر في شكل طوابير طويلة للحصول على كميات مهينة من الدقيق والسكر، وانقطاع للماء جعل الاستحمام حلما. لن نتحدث عن صراع الأجنحة الساعية للسيطرة على مؤسسة الجيش الحاكمة، ولن نتكلم عن فقدان مؤسسات الواجهة الأمنية لأي شرعية داخلية، أو مصداقية خارجية.

 

نعود إلى نقطة البداية. جيران الشرق اعتدوا على المملكة في الصحراء الشرقية وأطلقوا هجمات البوليساريو من "الناحية العسكرية الثالثة"، والآن ما عليهم إلا أن يبحثوا عن الدفاع عن استمرار كيانهم أمام أبناء القبايل، في الناحية العسكرية الأولى.

 

هل نسي شنقريحة وتبون أن نهاية الوجود الفرنسي المباشر في الجزائر بدأت تحت ضربات الناحية العسكرية الأولى. الفرق هذه المرة هو أن أبناء تلك الناحية يعتمدون الطرق السلمية فقط.