الجمعة 3 مايو 2024
كتاب الرأي

مصطفى المنوزي: الدولة تفتحص ذاتها وتؤدب موظفيها قبل الإفلاس

مصطفى المنوزي: الدولة تفتحص ذاتها وتؤدب موظفيها قبل الإفلاس

لن نخوض في تحليل  خطاب الملك فهو واضح، ورسائله صريحة وموجهة بالأساس إلى موظفيه الإداريين السامين أي المشتغلين في أسلاك جميع القطاعات الحكومية، وايضا موجهة إلى موظفي الدولة من وزراء  ومنتدبين وكتاب الدولة ورؤساء مصالح، وطنيا وجهويا وإقليميا، وحتى الإشارة إلى الفاعلين السياسيين فيقصد بها زعماء الاحزاب والقيادات، الذين توافقوا مع الدولة على المشاركة في تدبير الشأن العام، بوضع الاحزاب رهن الإشارة، ووفق ما يقتضيه الدستور؛ في شقه المجازي على الخصوص، على إعتبار أنها صارت مندمجة في النظام السياسي بفعل آليات الإنتخاب والتعيين في دواليب الدولة، مقابل الريع السياسي إلى درجة التخمة المنتجة للتدجين والإفلاس السياسي، لتكون الخلاصة الأولية أن الخطاب بمثابة تشخيص لواقع الإدارة العمومية وخدامها المنحرفين، وبمثابة نقد ذاتي يقر بالفساد ويدعو إلى تفادي التطبيع معه، ومن ثانية فهو تغطية سياسية لإطلاق منصات المساءلة في حق من تورط منهم في حالة تلبس، بعد أن إفتضح أمرهم، تغطية سياسية تتشبت بالقانون والمحاكمة العادلة، وليس بالمبادرات الفردية، وهذا شيء سيكون مفيدا، رغم أن سيف التمييز والإنتقائية سيفرض نفسه بقوة، ومن أجل الحفاظ على طابع التدرج، ودون إثارة الحساسيات والحزازات، فقد كانت التلميح على المحاسبة ستكون تلقائية وذاتية، عن طريق تقديم الإستقالة، ويبدو أن المعنيين بالأمر يعرفون أنفسهم، وبحكم تأثير "الاعراف المرعية"، سنعيش حدث تعديل حكومي جزئي  وإعفاءات واستقالات "اضطرارية أو مفروضة" داخل الإدارة الترابية والحزبية، مع الحفاظ على "ماء الوجه" كلما تعلق الأمر بشخصيات نافذة أو زعماء هيئات سياسية.

وفي هذا السياق لابد ان نلتقط إشارة قوية إلى التنويه ببعض الشخصيات التي لا ينبغي أن تطالها المحاسبة لمجرد شبهة ووشاية، أي لابد من تبوث التهمة وحالة التلبس، ومن ذلك ينبغي تحصين التعاقدات ذات الصلة بالإستثمار الأجنبي أو السيادة والأمن، الذي أكد الخطاب على أنها مجالات ستظل من المجال المحفوظ؛ من هنا ندعو إلى تفعيل التوصية الخاصة بسن استراتيجية الحد من الإفلات من العقاب، وكذا إخراج  المجلس الأعلى للأمن، من أجل تأكيد الإنسجام على مستوى صناعة القرار الأمني، بغض النظر عن التفكير في إخراج مجلس الدولة التي جاءت صريحة في الخطاب الموجه لرجال ونساء المؤسسة القضائية، يوم 15 دجنبر 1999، ولأن الخطاب مجرد إفتحاص سياسي ذاتي، وورقة تبريرية و مؤسسة لما سيتخذ من تدابير، فإنها تضمر إعتراف المؤسسة الملكية بأن الدستور يمنحه حق الحلول محل اي مؤسسة دستورية لا تقوم بواجبها؛ وهو  إقرار بتحمل المسؤولية المعنوية في كل ما يجري من فساد وشطط في استعمال السلطة، بصفتها الرئاسية للدولة وجميع موظفيها ومواطنيها، وهذا يقتضي إرادة حقيقية  لمواصلة تفعيل  الدستور بمقاربة عقلانية تنطلق من إعمال الخيار الدمقراطي كتابث ثالث، لأن الفساد صار هيكليا ينخر الذات، ولن ينفع معه  التأهيل ولا التهذيب ولا حتى التأديب، مما ينبغي معه بذل مجهود حقيقي لمواصلة ترسيخ ضمانات وتدابير القطع مع تركة الماضي، الحافل بترسبات  ومؤشرات السكتة القلبية والتي كان من بين عواملها المهيكلة المس باستقلالية القرار الحزبي والتخلي عن السيادة الوطنية المالية  والإقتصادية، مما يستدعي رد الإعتبار لمطلب التحرر والدمقراطية، فلا  تحرر ولا دمقراطية إلا بأحزاب تحررية ودمقراطية و ذات سيادة ومستقلة بذاتها.