الجمعة 3 مايو 2024
كتاب الرأي

عمر بن أعمارة: اللادولة في الدولة

عمر بن أعمارة: اللادولة في الدولة

سوف لن نخوض في ماهية الدولة وأجهزتها ووظائفها والعلاقة التي تربطها بالمجتمع، بل فقط في ظواهر قد تكون ذات صبغة اجتماعية، أو اقتصادية، أو سياسية، أو ثقافية، أو متداخلة في ما بينها، معايشة في يومياتنا، تفصح عن غياب الدولة أو انسحابها من بعض مهامها ووظائفها وتركتها للعبث، للفوضى وللفراغات القاتلة، وهو ما أسميته هنا بـ "اللادولة".

في حكاية قيل انها واقعية والله أعلم: "في إحدى القرى النائية، حصل عطب تقني كهربائي في منزل إحدى العجائز، ولما استدعت أحد التقنيين لأجل إصلاح هذا الخلل، وقد عرف هذا التقني لدى الأهالي بعدم تمكنه من صنعته و عدم إتقانه لعمله. و لما حضر، راح يفتش في أركان البيت عن العطب، فلم يجد له أثرا. ولما سألته صاحبة البيت: "يا ولدي لماذا لم تصلح العطب؟" أجابها: "إن المشكل من الدولة". استفسرته: "كيف من الدولة؟ ومن هي هذه الدولة؟". أجابها: "إن العطب آت من الرباط". وراح إلى سبيله دون أن يتمكن من إصلاح العطب. وما كان للعجوز المسكينة إلا أن تدعو الله قائلة: "الله إصلح ضو الرباط بش إتصلح ضوي أنا".

سوف لن نحدو حدو هذا التقني المتطفل، ونعلق  كل ما يقع هنا وهناك من أعطاب كيف ما كانت، على مشجب الدولة. لكن لابد من استعراض مظاهر متعددة ومتنوعة يتداخل فيها ما هو سياسي بما هو اقتصادي وما هو اجتماعي وما هو ثقافي، نعيشها في يومياتنا، تكشف عن مدى غياب الدولة وحضور اللادولة. 

قد تذهب إلى إدارة ما من إدارات الدولة، لأجل خدمة معينة، فيمنح لك مطبوعا مكتوبا باللغة الفرنسية، في الوقت الذي دبج في الدستور المغربي، الفصل الخامس: "تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.... تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة". لا تسأل لماذا، فالجواب بسيط هو اللادولة.

قد تحتاج إلى ورقة إدارية أو قضاء مصلحة ما، فتتجه إلى الإدارة العمومية المعنية، وتصادف من العراقيل الكثير، الكثير. أرجوك دون أن تربط الأمر بالبيروقراطية والزبونية والمحسوبية واستفحال ظاهرة الرشوة وغياب الضمير المهني، بل قل إنها اللادولة.

في رحلة لك إلى مدينة وجدة أو الناضور أو تطوان تعترضك أطنان من المواد المهربة من الدول المجاورة: الجزائر وإسبانيا. في الوقت الذي تقفل فيه مصانع مغربية عديدة أبوابها. لا تبحث في الاقتصاد كما في السياسة أو الجودة عن الأسباب.. قل فقط اللادولة.

احتجاجات الريف استمرت لما يفوق عن ستة أشهر دون أن تلقى أدنى إجابات أو محاورين مسؤولين وجديين. حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه.. لا تحلل ولا تستحضر موازين القوى أو أشياء من هذا القبيل. فقط ضع في أولوياتك اللادولة.

مدينة زاكورة تعيش عطشا مستمرا دون حلول استباقية أو حتى استعجالية.. مما جعل المواطنين يحتجون في الشارع ويتعرضون للاعتقال. دون أن تفكر في الأمر كثيرا، وتتهم دلاح زاكورة وتغض الطرف عن كَازو gazon  الرباط أو مراكش.. قل فقط اللادولة.

دعارة مستشرية تضرب أفقيا وعموديا مناطق عديدة من البلد. أرجوك لا تذهب في تحليلاتك بعيدا وتستحضر التحولات الاقتصادية والتفسخ الأسري وتأثير الأنترنيت.. بل قل فقط اللادولة.

أطفال وشباب وشيوخ متخلى عنهم يعيشون في الشوارع والأماكن المهجورة، في تجانس قل نظيره مع الكلاب والقطط الضالة، بل حتى مع الجرذان أيضا. عفوا لا تستظهر معلوماتك حول الأسرة والتضامن أو التفكك الأسري وعن التحولات الاجتماعية، بل استحضر فقط اللادولة.

أحياء صفيحية تندثر بعد أن أنفقت عليها ملايير الدراهم من أموال الشعب، وتترك المكان لأخرى كي تنبت وتنمو كما الفطر.. دعك من أي تحليل اقتصادي أو سوسيولوجي، وكف عن الحديث عن الهجرة القروية وما إلى ذلك من عوامل.. بل استحضر فقط اللادولة.

مشاريع وبنايات ضخمة لم تكتمل منذ سنين، تحولت إلى خراب وأطلال وملاجئ لكل المنحرفين والمقصيين.. دون أن تذهب بعقلك وتحليلك إلى غياب التخطيط أو الميزانية أو ما شابه ذلك. قل فقط اللادولة.

قد تزور المدن المغربية وتلاحظ ظاهرة دخيلة على التمدن والمدينة: لقد أصبحت مدننا بدون أرصفة بعد أن استحوذت عليها المقاهي والمتاجر وما تبقى فهو للباعة المتجولين.. من فضلك دون أن تشغل عقلك كثيرا في تحليلات اقتصادية أو سوسيولوجية من قبيل ترييف المدن وما غير ذلك.. بل قل فقط اللادولة.

في مرات عديدة تسمع بعض الأخبار والإشاعات دون أن تعرف مصادرها من قبيل: تسونامي سيقع في المغرب أو مرض إبولا أو أنفلوانزا الطيور أو جنون البقر إلخ.. دون أن تتدخل الدولة في الوقت المناسب وتضع حدا لهذه الإشاعات الخطيرة.. من فضلك دون أن تبحث لماذا، بل قل فقط اللادولة.

في مجال الصحة والتطبيب، هناك دور ودكاكين منتشرة تشتغل في واضحة النهار هي: للسحرة والمشعوذين والدجالين والرقاة والحجامة. من فضلك لا تتحدث عن الأمية والجهل وانتشار الخرافة في الأوساط الشعبية، بل حتى عند النخب. بل الأمر غير ذلك تماما، إنه فقط اللادولة.

في مناسبات عديدة، أساسا الأعياد الدينية، يثير انتباهك استفحال ظاهرة الاحتكار والمضاربات في المواد الغذائية الأساسية وكذا وسائل النقل والتنقل.. سأكون ممتنا لك إن لم تضع الظاهرة على المجهر ورحت تستحضر عوامل متعددة.. بل قل فقط إنه اللادولة.

ظواهر قد تصادفها في بعض المدن المغربية: كالتشرميل، الكريساج، قطاع الطرق، النصب والتحايل، التحرش الجنسي. تظهر لك: الكثير من اللاتحضر والنقص في الأمن. لا تستغرب، فقط  اللادولة.

إن كنت من المهتمين بالثقافة واقتناء الكتب، قد تقصد بعض المكاتب أو الأكشاك أو العارضين على الأرصفة، يسترعي انتباهك ظاهرة عرض وبيع عدد لا يستهان به من الكتب المستنسخة والمشوهة بأثمنة بخسة قد لا تتجاوز الربع من الثمن الأصلي للكتاب. من المستحب ألا تسأل ماذا يجري؟ لماذا سمحت السلطات لهذه الأعمال المقرصنة أن تعرض وتباع بشكل علني؟ وعن الخسارة التي تتعرض لها دور النشر كما الكتاب؟ فذلك اللادولة.

في مدينة ما، في قرية ما، في بادية ما، في غابة ما، في بحر ما، في جبل ما، داخل المملكة. أينما وليت وجهك ترى فسادا يطل عليك أو يمشي على قدميه هو هو بدمه ولحمه وعظامه. دون أن تحلل وتفكك وتستحضر ترسانة من المفاهيم ومن العوامل الداخلية والخارجية والرئيسية والثانوية. إنه عنوان عريض اسمه اللادولة.

ملحوظة: بعد اتصالات متعددة ومستمرة مع الدولة كانت أخيرا الإجابة: "عفوا لا توجد أي دولة بالشكل وبالمواصفات التي تطلبونها".