الخميس 25 إبريل 2024
فن وثقافة

في "مدارات".. المفكر سعيد بنسعيد العلوي يسلط الضوء على خزعبلات الإسلام السياسي (2)

في "مدارات".. المفكر سعيد بنسعيد العلوي يسلط الضوء على خزعبلات الإسلام السياسي (2) الأستاذ سعيد بنسعيد العلوي (يسارا) والزميل عبد الإله التهاني

في الجزء الثاني والأخير من حلقة برنامج "مدارات"، ليلة الجمعة 9 يوليوز 2021، على أمواج الإذاعة الوطنية من الرباط، جدد المستمعون والمستمعات اللقاء مع الجلسة الفكرية والأدبية لبرنامج حوار في الثقافة والمجتمع مع المفكر والروائي سعيد بنسعيد العلوي.

 

وقد تناول مع ضيف الحلقة في جلسته الفكرية الزميل الإعلامي عبد الإله التهاني عدة جوانب من انشغالاته الفكرية، وتأملاته الفلسفية ورؤيته الإبداعية كاتبا روائيا ساهم بإنتاجاته في إغناء الأدب بالمغرب من خلال رواياته الخمس "مسك الليل" و"الخديعة" و"ثورة المريدين" و"سبع ليال وثمانية أيام" و"حبس قارة"... بصفته واحدا من أعلام الثقافة المغربية المعاصرة، يتميز بغزارة مشاركاته في عدة لقاءات وندوات عليمة داخل وخارج المغرب. وتحدث سعيد بنسعيد العلوي عن جوانب إنسانية وحميمية في مساره الفكري والإبداعي الحافل مستعرضا ذكرياته وانطباعاته عن بعض رموز الثقافة المغربية المعاصرة.

 

عن كتابه "الاجتهاد والتحديث" شرح ضيف برنامج "مدارات" أن مفهوم التجديد هو إسلامي، أما مفهوم التحديث فهو يرتبط بالغرب تاريخا ونشأة وفصل ذلك بالقول على "أن نتحدث من خلال مرجعية إسلامية معلومة ترتبط بدائرة أصول الفقه التي تقوم على أربعة أركان كبيرة، وهي الكتاب/ القرآن، أو السنة ثم الإجماع بين الفقهاء والاجتهاد وفق شروط من خلال طرح النازلة وعملية القياس ثم العقل الفقهي الذي يجتهد لاستنباط الأحكام".

 

واستحضر سعيد بنسعيد العلوي في جلسته الفكرية مع الزميل عبد الإله التهاني زمن ما بعد النهضة (القرن 16) إلى غاية الأزمنة المعاصرة التي عرفت نقاشا داخل حقل كبير تمحور حول قضايا المعرفة العلمية والدين والسياسة ومفاهيم الحدود والوطن والمواطن والسيادة ومفاهيم أخرى. واستنتج بأن الإشكال في الفكر العربي المعاصر ارتبط بمفهومين متقابلين وهما "الحداثة والتحديث".

 

وأشار إلى أن حركة السلفية الكلاسيكية قد "تمت قرصنتها"، معتبرا أنها "مرحلة من تاريخنا مرت وانتهت"، داعيا إلى "نظرة وطرح جديدين لكل القضايا"، مشددا على ضرورة إعادة ترتيب العلاقة بين ثلاثة مجالات من خلال أسئلة: "أي علاقة يجب أن نقيمها مع الدين؟ وأي علاقة يجب أن نقيمها مع العقل؟ وأي علاقة يجب أن نقيمها مع العلم؟ كيف وبأي معنى يجب أن نقيم العلاقة بين الدين والسياسة والعلم والمعرفة؟".

 

وخلص سعيد بنسعيد العلوي إلى أن "الله يأمرنا أن نعيش في عالم مشترك مع غيرنا، وأن التعدد أمر أراده الله، والاختلاف أمر أراده الله، والعلاقة الأفقية بين المسلمين وغير المسلمين يجب أن تقام على قاعدة الاختلاف والتعدد والتنوع". حيث كانت هذه الخلاصة الفكرية ردا على "أصحاب الإسلام السياسي الذين يرفضون العيش المشترك، لأنهم يروجون ويرسخون لمفاهيم خطيرة مثل "تحطيم الدولة، والدعوة للخلافة الثانية، ويرفضون الحدود، ويعتبرون أن الديمقراطية والإلحاد شيء واحد. ويؤمنون بأن الحكم هو حكم الله، ولا معنى للتشريع في البرلمان ومؤسسات الدولة...."، وأنهى قوله "أسيدي الله يربح بسفليتكم".

 

بخصوص تناول الأزمة الطافحة في وضعنا العربي والإسلامي من خلال كتابة القيم "أدلجة الإسلام بين أهله وخصومه" أوضح ضيف حوار في الثقافة والمجتمع بأن "الإسلام يتعرض لظلم من أهله، والأشد قسوة هو أن يكون للإسلام خصوم من أهله، وهم أعداء حقيقيون للإسلام". وشدد على ضرورة أن نطرح سؤال "أي علاقة ينبغي أن نقيم بين الدين والسياسة"؟. موضحا بأنه "لا يقول بفصل بين الدين والدولة" ولكن يؤكد على "الفصل بين الممارسة السياسية والدين... قل لي ما هو برنامجك السياسي اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. اعترف بالوطن والمواطن، اعترف بالدولة ومؤسساتها الوطنية، وفصل السلط...". لذلك جدد الدكتور سعيد بنسعيد على قوله السابق بأن "الحياة السياسية الطبيعية أمر لا يمكن أن يستقيم وكل واحد يفتي كما يحلو له في الدين".

 

ومن خلال متابعاته لما يكتب اليوم حول عدة قضايا سجل بأسف "نشعر للأسف بأن ما يكتب اليوم من خزعبلات يعود بنا إلى عصور الانحطاط في أسوء مراحلها، ويرجع بنا إلى الوراء بطريقة سيئة". على اعتبار أن "الفكر العربي في عصر النهضة أجود بكثير مما يقع اليوم من ظلام وتضليل".

 

عن انعطافته نحو الأدب وتجربته الإبداعية أفاد ضيف برنامج حوار في الثقافة والمجتمع قائلا: "تعلقي بالرواية يرجع إلى زمن بداية مراهقتي، ويعلم زملائي ورفاقي أنه كانت لي محاولة روائية أولى في سن الخامسة عشر من عمري. حيث كتبت رواية (100 صفحة) تحت عنوان (الجلباب الأبيض) ". وأضاف بأن "عشق الراوية ظل يلازمني واستمر الحال أزيد من أربعة عقود، كنت فيها أتهيب من كتابة الرواية" إلى أن "وقعت الرجة الإيجابية في النفس".

المفكر والأديب سعيد بنسعيد العلوي أحال المستمع إلى مرحلة الرجة النفسية من خلال واقعة الإصابة بالأذى "في عيني اليسرى، وكدت أفقد البصر كليا، واضطرت إلى إجراء ثلاثة عمليات جراحية متصلة في ظرف أربعة أسابيع، ذقت فيها معاناة الليالي دون نوم مكتفيا بالاستماع للإذاعة في الليل جالسا على الكرسي. دون نوم أترقب طلوع الفجر". واعترافا بجميل طبيب العيون "جعلت إهداء روايتي الأولى (مسك الليل) إلى الطبيب و الإنسان الجراح البارع محمد بناني"، في هذا السياق يقول ضيف الزميل التهاني: "ارتبط هذا بذلك، والمكبوت لم مت، صادف طريقه إلى الانفجار، وتفجر بهذه الكيفية".

 

الجميل في انعطافته الأدبية أوضح سعيد بنسعيد العلوي بأن "اختياري لدراسة الفلسفة كان في السنة الأولى أحد الأسباب الحقيقية لكي أدرس الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس حتى أتمكن من كتابة الرواية". لذلك فعشق كتابة الرواية بالنسبة له قديم رغم أنه كلما فكر في الكتابة "أصاب بهيبة وقلق وخوف عظيم".

 

عقيدته التي يؤمن بها في مجال صنعة كتابة الرواية تتلخص أساسا في كون "الروائي روائي والناقد ناقد". وأوضح بأن عنوان الرواية "ليس من الضروري أن يكون (واقع طبيعي) وتعبير مباشر مثل عناوين روايات نجيب محفوظ (زقاق المداق) و(بين القصرين)..."، العنوان المقصود به هو "الإيحاء والإحالة والرمزية". وأوضح كذلك بأن "الإيحاء عالم تحت أرضي فيه لا شعور جمعي..."

 

الحديث عن الرواية التاريخية قاد ضيف البرنامج إلى القول بأن الرواية "كذبة جميلة"، و"الرواية رواية" و"التاريخ تاريخ". على اعتبار أنه قرأ كثيرا عن السلاطين وعصورهم التاريخية وقرأ عن عدة شخصيات ومذكراتها وأحاديثها، حيث أكد على أن رواية "ثورة المريدين" فيها حضور قوي لشخصية المهدية بن تومرت المركبة، شخصية المارد الجبار (فترة الموحدين) الذين شمل حكمهم أراضي ليبيا حاليا وجنوب نهر السينغال وامتد حتى الأندلس.

 

واعتبر الروائي بنسعيد أن رواية "حبس قارة" هي شكل من "أشكال العودة للجذور". تحضر في صورها مدن مغربية (مكناس، طنجة/ الرباط، مراكش) على اعتبار أن "الرجل مغربي حتى النخاع. ويبقى دور القارئ/ الناقد أو غير الناقد، لأن الكتاب عندما يكتب يصبح في متناول وملك الجميع"، وتجعله القارئة "شريكا في عملية الكتابة". واستشهد في هذا السياق بقولة الناقد سعيد بن كران حين ناوله مجلة تتضمن دراسة عن الرواية حيث قال له :"خذ، أنا أحاول أن أساعدك في معرفة نفسك". لذلك اعتبر أن دور الناقد "هو أن يقوم بعمل المرآة/ المتصوفة التي تكشف للنفس عن بعض مكنوناتها بكيفية لا شعورية...الناقد يدلني على مواطن أجهلها في نفسي".

 

وعن سؤال هل رواية "حبس قارة" هي جزء من سيرة ذاتية للكاتب، أوضح بأن "هناك صلة بين الرواية عند الروائي وبين السيرة الذاتية. الشخصية تظل ملازمة له. فيها جانب من الذاتية، لأنه يرجع في الكتابة للتربية والأسرة ومقاطه معينة من حياته". إلا أنه أقر بأن "الوالد لم يكن دليلا سياحيا مثل بطل الرواية، كان أستاذا من خريجي القرويين، وأثر في شخصيتي و أعترف أنه داخل الأسرة كان أكثر من طيف قوي حاضر..."

 

"من المعايير الأساسية التي لا يرغب الروائي أن لا تفقده الرواية هو معيار الإمتاع" -يقول ضيف مدارات- فالروائي "قد يكون مؤرخا فاشلا، لأن الروائي ليس مؤرخا، والمؤرخ يتوسل بالرواية". لأن الروائي الناجح هو "اَلصْنَايْعِي" مثله مثل "اَلجْلَايْجِي" و"اَلْحَدَادْ" الذي قوم بعمل يدوي إلى حد ما. حسب تعبيره.

 

عن سؤال مدينة مكناس قال الدكتور سعيد بنسعيد، "سأسلك السي التهاني عن ماذا تمثل لك مراكش، فأجاب معد ومقدم البرنامج بأنها تمثل عمق الوجدان"، فكان التأكيد على نفس الجواب بأن مكناس هي فعلا عمق الوجدان.

 

بخصوص سؤال مشاهد وصور عاقلة في الذاكرة تحدث ضيف الزميل التهاني بنبرة متأثرة حيث قال: "حدث ذلك سنة 1953، وعمري لا يتجاوز 7 سنوات، عشنا ليلة فزع، كنا نخاف من الفرنسيين، و "لَالِيجُو" و المرتزقة (اَلشَكَامَةْ)... تلك اللية لن أنساها بعد أن علمنا بأن صديق الوالد قد تم اعتقاله (الفقيه المانوني). الوالدة في تلك الليلة تقف دامعة العينين، والوالد لبس (اَللَبْدَةْ) واَلْجِلْبَابْ الأول واَلْجِلْبَابْ الثاني، ووضع اَلشَدْ واَلسِلْهَامْ استعدادا للاعتقال ، وكلما سمع طرقات الباب هم لفتحه. كان ينتظر اعتقاله... ظلت الصور/ المشهد تلازمني دائما... صورة امتزج فيها الوطني بالعائلي بالشخصي، واعتبرها أوقى صورة تسترجعها ذاكرتي. كان ذلك بعد نفي الملك محمد الخامس طيب الله ثراه".

 

وعن سؤال تفضيله لصفة المفكر أم صفة الروائي شدد على: "سأقصي صفة المفكر". بعد أن لاحظ انتحالها من طرف كل من هب ودب وأضحت حالة مرضية في زمن مواقع التواصل الاجتماعي.

 

ضيف "مدارات" يعشق ألوان وأنماط موسيقية متنوعة "العيطة" و"الدقة المراكشية" و"باخ" و"موزار" و"هيت المغرب الشرقي" و"الأندلسي" و"الموسيقى الكلاسيكية". كما أنه يعشق "الأناشيد التي تلقى في الكنائس".

 

وعن المبدأ الصارم الذي يؤمن به هو "أن أكون صادقا مع نفسي. لا أكذب على نفسي". أما بخصوص الكتاب الذي يحلم بكتابته هناك "أحلام روائية". بالغرم من أن النفس تشتهي الكتابة عن تقابل شخصيات "الفقيه والفيلسوف والمفكر السياسي". فضلا عن مسألة "الحداثة في فكرنا العربي الإسلامي ومسالك التحديث ومسألة العيش المشترك".

 

وبالنسبة لأسماء شخصيات فكرية مغربية قال الدكتور سعيد بنسعيد العلوي إن "محمد عابد الجابري أستاذ جميل أشرف على رسالتي الجامعية وأطروحة الدكتوراه، سافرنا جميعا، حيث عرفته زميلا في نفس الشعبة وفي نفس الكلية". أما عبد الله العروي فهو "شخص أجله كثيرا واحترمه، وهذا رجل تنطبق عليه صفة المفكر". أما محمد عزيز الحبابي "أخذت منه دروس كثيرة في الحياة... الدرس العلمي في الفلسفة".