في مقال لرشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية وخبير في القانون الدستوري، توصلت به "أنفاس بريس"، حول إحالة الملك، مؤخرا، ملف مشروع منارة المتوسط بالحسيمة على المجلس الاعلى للحسابات بعد اطلاعه على خلاصات تقرير لجن التفتيش لكل من وزارتي الداخلية والمالية، ندرجه لقرائنا كما يلي:
"مشكل الحسيمة عرف تطورا مطردا خلال ولاية ثلاث حكومات كلها مسؤولة سياسياً، وشهدت الفترة خلالها تعطل آليات المراقبة البرلمانية تجسدها كثرة المشاحنات السياسية ولم يستطع البرلمان بغرفتيه الوصول إلى خلق لجنة تقصي الحقائق في مشروع الحسيمة "منارة المتوسط"، بفعل المزايدة السياسية في الملف الذي تورطت فيه الأغلبية والمعارضة ممثلة في حزب الأصالة والمعاصرة الذي يسير الجهة.
فبنكبران، باعتباره رئيسا للحكومة، تنصل من المسؤولية السياسية بدعوى أنه لا يعرف المشروع إلا من خلال التلفزيون وأن وزراءه الذين كان هو رئيسهم وقعوا أمام الملك في تطوان 28 أكتوبر 2015 لم يخبروه بكل التفاصيل، وهو تنصل فاضح من طرف بنكيران اتخذه دون مناقشة مدلول المبرر الذي كان يستوجب من بنكيران الاستقالة أو إقالة الوزراء المعنيين ما يعتبر عذرا أقبح من الذنب.
ولا يمكن أن يختلف اثنان في كون مشكل الحسيمة خلخل سير المؤسسات بفعل الحركة الاحتجاجية، فإن شروط أعمال الفصل 42 لا لبس فيه لتدخل الملك بالنظر لتقاذف المسؤولية داخل الأغلبية، مما جعل الملك في مجلس وزاري يأمر كلا من وزيري الداخلية والمالية بتكليف لجن للتفتيش، وتتم بعد خلاصاتها إحالة الأمر إلى مجلس الأعلى للحسابات باعتباره هيئة دستورية تتوفر على صلاحيات التدقيق مع الوزراء المعنيين.
أما تأويل البعض إحالة الملف من طرف الملك إلى المجلس الأعلى للحسابات للدراسة والموافاة بنتائج ذلك في أجل 10 أيام، بأن هذه الإحالة لا يمكن أن تتم إلا من قبل رئيس الحكومة أو الوكيل العام للملك لدى المؤسسة نفسها، فقد كان هو نفسه قد تلقى إحالة من رئيسي غرفتي للبرلمان أو وزير الاقتصاد والمالية، أو الوزراء المعنيين بدعوى احترام الشكليات والمساطر، فإن أصحاب هذا الرأي يقرؤون النص دون الموضوع.. فمن الناحية التراتبية يعتبر الملك هو السلطة الأصلية، وهو من يملك سلطة تعيين رئيس المجلس الأعلى للحسابات، وبالنظر لكون رئيس الحكومة مسؤوليته السياسية ثابتة، أما البرلمان فتم تعطيل آليات الرقابة فيه بمجلسيه، طوال 6 أشهر.. وهنا لم يعد بد من تدخل الملك بموجب الفصل 42 لضمان حسن سير المؤسسات، أما الفريق المتمسك بالشكليات وبمبدأ توازي الشكليات، فإنه موقف مردود عليه لأنه يجب أن يعلم أنّ مبدأ توازي الشكليات هو مبدأ قانوني عام لا يرتقي إلى مرتبة الدستور، وبالتالي فإنّ قرار الملك هو رئيس الدولة والسلطة الأصلية التي تخول منح تفويض عام للمجلس الأعلى للحسابات من أجل القيام بأعماله".