Monday 7 July 2025
سياسة

قانون مكافحة الإرهاب يعيد فرنسا إلى واجهة السجال الحقوقي

قانون مكافحة الإرهاب يعيد فرنسا إلى واجهة السجال الحقوقي

أقر البرلمان الفرنسي مشروع قانون لمكافحة الإرهاب أول أمس الثلاثاء، يثبت أن "الدولة العظيمة تحرسها دائمًا خرافات عظيمة"؛ والخرافة هذه المرة هي "الديمقراطية وحقوق الإنسان" التي دأبت فرنسا على الترويج لها وتقديم نفسها كحارس أمين لها. فهذا المشروع ينزع في كل بنوده تقريبا إلى تقييد حريات المتدينين، ولو على سبيل "الإشتباه". ذلك أنه يعزز صلاحيات ولاة الشرطة في مجال المراقبة، ويسهل إغلاق أماكن العبادة التي يشتبه في أنها تحض على الكراهية.

وبموجب هذا التشريع الجديد، الذي يؤبد "حالة الطوارئ"، ستتمكن وزارة الداخلية الفرنسية، دون الحصول على موافقة القضاة، من إقامة مناطق أمنية وإقرار نظام انفرادي للمراقبة عندما تستشعر خطرا، وتقييد حركة الناس والمركبات منها وإليها، وستكون لها سلطة التفتيش داخل هذه المناطق، وسيكون لها سلطة أكبر على إغلاق دور العبادة إذا اعتقدت أجهزة المخابرات أن الزعماء الدينيين يحرضون على العنف في فرنسا أو خارجها أو يبررون أعمال الإرهاب.

وستكون للشرطة كذلك سلطات أوسع لمداهمة الممتلكات الخاصة إذا حصلت على موافقة قضائية، وستزيد قدرتها على فرض قيود على حركة الناس بما في ذلك عن طريق المراقبة الإلكترونية إذا رأت أنهم يشكلون خطرا على الأمن القومي. كما أن بإمكانها أن تفرض على المشتبه بهم الإدلاء بأرقام هواتفهم وتسهيل الولوج إلى بريدهم الإلكتروني.

وبرر وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولوم أسباب إقرار فرنسا لهذا التشريع، الذي لاقى معارضة شديدة من طرف الجمعيات الحقوقية، بأن بلاده «لا تزال في حالة حرب»، وأن السلطات تجد صعوبة كبيرة في التصدي للتهديد الذي يشكله المتشددون الأجانب والمحليون. وعليه، فإن حقوق الإنسان في فرنسا هي التي توجد على المحك. ذلك أن "تهديد الأمن القومي من قبل هؤلاء الإرهابيين تسقط الجانب الحقوقي لهم باعتبار أنهم لم يحترموا حيوات الآخرين"، حسب ما تراه حكومة "ماكرون" التي تضع الأمن في مقدمة انشغالاتها على حساب حقوق مواطنيها المسلمين؛ وهو ما يشي باهتزاز شديد في المنظومة الحقوقية الإنسانية على المستوى الفرنسي.

وبالعودة إلى توصيات الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، سنجد أن "الدفاع عن حقوق الإنسان شرط مسبق لكل جانب من جوانب أيّ استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب، ومن هذا المنطلق فإن أيّ جهود تتم في إطار مكافحة الإرهاب دون الأخذ بعين الاعتبار حماية وتعزيز حقوق الإنسان ستكون هدرا للجهد والأموال، بل إنها قد تؤدي إلى نتائج عكسية بتوسع دائرة الإرهاب وزيادة ناشطيها نتيجة لهدر الحقوق وانتهاك الحريات"، هذا ما ورد في الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب التي أقرتها الجلسة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 99 بتاريخ 8 شتنبر 2006. لكن فرنسا اختارت التوجه نحو التمترس خلف "تشريعات الطوارئ" بدل التركيز على الجوانب التعليمية والثقافية والتنموي التي تعتبر خطا ثالثا يمكنه أن يحقق الأمن المرجو دون المساس بحقوق الإنسان، ودون المساس بتاريخ فرنسا المنتصرة دائما الحرية والمساواة والإيخاء.

وقالت "هيومن رايتس ووتش" في بيان لها بالمناسبة، "إن فرنسا أدمنت حالة الطوارئ بشدة لدرجة أنها تضم عددا من هذه الإجراءات التي تنطوي على انتهاكات إلى القانون".

وللإشارة فقد، أقرت المشرعون في الجمعية الوطنية (المجلس الأدنى في البرلمان) المشروع بأغلبية 415 صوتا مقابل رفض 127. وتعمل الآن لجنة برلمانية على التوصل إلى حل وسط بِشأن التعديلات التي طرحها كل من مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية قبل قراءة ثانية وتصويت حاسم متوقع في منتصف أكتوبر الجاري.