على الرغم من كم وحجم قضايا الأخبار التي تأتينا بشكل متواصل من الدولة الفرنسية على كافة المستويات، إلا أن لا صوت يعلو ،حاليا، فوق صوت مشروع قانون محاربة الإرهاب الطاغي على كل النقاشات. لا لشيء سوى لكونه يتضمن بنودا حرية بالتفصيل والمتابعة في ظل ما تشهده بقاع العالم من غليان تفجير هنا، ودموية دهس هناك، أو طعنات غادرة تجهل مواقع الترتيب لاقترافها، أو حتى مصدر آليات تنفيذها.
وفي هذا الإتجاه، أجمل المشروع هويته في التنصيب مكان الحالات الطارئة وإن كانت عادية. إذ خول للسلطات الأمنية إمكانية التدخل من غير الرجوع إلى إذن أهل القضاء. مما يمنحها صلاحيات واسعة من أجل التصدي لأي خطر تحسبه مهددا لاستقرار الأوضاع، قد تذهب إلى حد فرض الإقامة الجبرية على مشتبه فيه لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، ولو لم تتوفر حجج أكيدة تثبت فعل التورط.
بل الأكثر من ذلك، هو أن المشروع الجديد يتيح لرجال الأمن جواز إرفاق سوار المراقبة للمتهم علما أن هذا الأمر كان معمولا به في حالة الطوارئ فقط، ويا ما خلق تجاذبات متباينة حول دستوريته، ليصير الآن مسموحا به في جميع الأوضاع وبدون حرج. كما عرفت مسألة التحقق من الهوية بعدا آخر، عقب أن تجاوزت ما بداخل محطات القطارات والمطارات إلى ما يضم محيطها بمسافة تصل إلى 20 كيلومترا بدعوى أنها مواقع حساسة ومثيرة للارتياب بكثرة أسباب استهدافها.
ومن جهة أخرى، وضع مشروع القانون السالف الذكر إطارا قانونيا لغرض استسراق ما يدور عبر الاتصالات اللاسلكية، مقابل توسيع مدار هذه المراقبة في المناطق الحدودية. هذا إلى جانب طبعا فرض قيود صارمة على التظاهرات الإحتجاجية في الشارع العام، وكذا تحديد المواقع التي يحظر فيها التجوال من أصله. وما إلى ذلك من مداهمة البيوت والأماكن المثيرة للتخوف والشبهات.
وبما أن العديد من العمليات الإرهابية تم القيام بها فعليا أو أجهضت في طريق محاولتها كانت تحت يافطة الدين الإسلامي، لم تسلم معالمه وأولها المساجد من قيود المشروع، بحيث أعطيت كامل الإمكانيات لاقتحامها من غير إذن السلطة القضائية، فضلا عن مختلف المراكز العقائدية كما هو حال ما كان معمولا به في قانون الحالات الإستثناء، بمبرر ما يحتمل أن يشاع فيها من خطابات عدائية وعنصرية تحث على العنف والكراهية. ليس فقط اتجاه بلد الأنوار وإنما باقي دول القارات الخمس.
بعد كل هذا، ومن منطلق قياس مضامين المشروع بتاريخ فرنسا المرصع شعارات حقوقية، ونياشين ذات قيم إنسانية، متوجة بحرص أزلي على حماية الحريات الشخصية. بل وسعي هذا الوطن الأوروبي الدائم لأن يكون نموذجا وقدوة لغيره من الدول على صعيد تلك الحقوق، سواء من خلال الإفتخار والدعاية لخصوصياته أو عبر الدعوة الصريحة بواسطة منظماته المترامية الأطراف إلى بلدان العالم الثالث تحديدا حتى تسير في النهج ذاته. (بعد كل هذا)، ألا يحق لنا أن نتساءل عن حالنا لو تعلق المشروع عينه بمغربنا؟ وهل سيكون بالإمكان بداية كبلد سائر في تثبيت الحقوق الفردية تبني نظير ذلك القانون، والتعامل به مع الأجانب قبل أبناء البلد، ومنهم الإسلاميين والأصوليين والأكثر تشددا وتعصبا؟ وكوجهة لا تخطؤها كذلك أجندة الإرهابيين، كل حسب خططهم، وسبل إذكاء فتيل نعراتهم؟.
سياسة