الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

حسناوي: "النموذج التنموي المغربي" يعاني من نقط ضعف رئيسية وجب القطع معها

حسناوي: "النموذج التنموي المغربي" يعاني من نقط ضعف رئيسية وجب القطع معها رشيد حسناوي
أكد ذ.رشيد حسناوي، خبير اقتصادي وأستاذ جامعي، بكلية الاقتصاد والتدبير- القنيطرة، أنه لا يوجد نموذج تنموي آسيوي يمكن نسخه وتطبيقه بالمغرب، لأنه لكل بلد خصوصياته وثقافته ومشاكله وتاريخه.  مضيفا أن  عناصر  مشتركة يمكن العثور عليها في عدد كبير من الدول الآسيوية يمكن للمغرب أن يستفيد منها. وأوضح محاورنا أسباب اعتماد ميزانية المغرب على القروض في بنيتها منذ عقود.
 
*في سياق توصيات اللجنة الوطنية للنموذج التنموي البديل، لماذا نهضت دول صغيرة في شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وسنغفورة، مقارنة مع المغرب؟
**يتم الحديث كثيرا عن النموذج التنموي لكن دون أن يتم التعريف به والتطرق إلى المقصود به. في النظريات الاقتصادية، النموذج التنموي هو مجموعة منظمة من القواعد التي كان من الممكن وضعها بطريقة آلية "systématique" في مجموعة من البلدان، ثم إعادة إنتاجها في بلدان أخرى، و تهدف نماذج التنمية إلى تبيان آليات النمو و شرح كيفية تطور الإقتصاد. 
اسمح لي بداية، أن أؤكد على أنه لا يوجد شيء اسمه نموذج تنموي آسيوي يمكن نسخه وتطبيقه بالمغرب. لأنه لكل بلد أناسه وخصوصياته وثقافته ومشاكله وتاريخه. ومع ذلك هنالك بعض العناصر  المشتركة يمكن العثور عليها في عدد كبير من الدول الآسيوية كالتي ذكرتموها والتي يمكن للمغرب أن يستفيد منها. في طليعة هذه العناصر مايسمى "القيم الآسيوية" التي لها جذور  شعبية وتعد من المعتقدات الأساسية عند الدوائر الحاكمة. هناك مثلا قيمة أساسية مفادها أن التنمية الاقتصادية يجب أن تسبق التطور الديمقراطي وأن الدمقرطة في حد ذاتها خطر على التنمية الاقتصادية. هذه الفلسفة تم تطبيقها في كوريا الجنوبية عام 1988، في تايوان عام 1991، وحتى حدود الساعة في ماليزيا وأندونيسيا وسنغفورة. على المستوى الاقتصادي، هذا النموذج يميل في أغلب الأحيان إلى الاعتماد على الصادرات كمحرك أساسي للنمو ويشجع إقامة المصانع الأجنبية على أراضي هذه الدول ويحفز العنصر البشري على الابتكار والإبداع.
ففي عالم الأعمال ينصب التركيز كثيرا على الثقة والعلاقات الشخصية أكثر من الإجراءات والمساطر المقننة. وهنا يبدو أن شبكة العائلة هي المجال الطبيعي للعثور على شركاء اقتصاديين. مثلا هناك في بعض الدول الآسيوية بنوك عائلية تمنح قروض ضخمة بدون ضمانات على أساس الروابط الشخصية.
بالمغرب، الوضع مختلف تماما، فلأزيد من ستين سنة لم نستطع بناء اقتصاد قوي تسوده المنافسة الحرة والشفافية، بل انشغلنا كثيرا في بناء تحالفات قوية بين ماهو اقتصادي وماهو سياسي للاغتناء السريع ولتنمية اقتصاد الريع. فالكل تقريبا يقر بفشل السياسات الاقتصادية بالمغرب والإقرار بالفشل صادر من حتى أعلى سلطة ببلادنا أي ملك المغرب، لأن القضية الكبرى تتعلق باسترجاع ثقة المواطنين في المجال السياسي و الأولوية القصوى تهم إحداث تحولات عميقة في المؤسسات والعقليات وإسقاط الفساد.
مايسمى "بالنموذج التنموي المغربي" يعاني من نقط ضعف رئيسية وجب القطع معها بسرعة.فالمشكل الحقيقي في نظري يهم الافتقار إلى ميكانيزمات الضبط الاقتصادي الفعال Regulation économique efficace وإلى ضوابط المساءلة السياسية أمام المجتمع المدني، مما يطلق العنان لجميع الانتهاكات الاقتصادية والإدارية والسياسية.
وحتى اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي لم تتمكن في اعتقادي من بلورة بدائل حقيقية وناجعة للتغيير وتشخيصها لم يتعمق في الاختناقات المتعلقة بالتنمية. فالوثيقة لاتقول أي شيء ولاتقترح شيء لتغيير مجموعة من الخيارات والطابوهات و"القيم السلبية" التي كانت سائدة ببلادنا منذ الستينات والسبعينات. لذلك فنحن الآن نسير في منطق الاستمرارية مع نفس الممارسات ونفس النمط الاقتصادي والسياسي الذي لا يمكن له إلا أن يؤدي  إلى استنزاف الموارد وتفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية وتكريس الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمالية.
*تحدثتم عن الأزمة المالية، لماذا ظلت ميزانية المغرب تعتمد على القروض في بنيتها منذ عقود؟
**للإجابة عن سؤالكم، يجب أولا معرفة طبيعة العلاقة بين الديون وعجز الميزانية. فعجز الميزانية هو الرصيد السالب للميزانية العامة للدولة، ونكون بصدد عجز حينما يفوق مستوى النفقات مستوى الإيرادات، لذلك فالحكومة لها أن تمول هذا العجز إما بزيادة الضرائب على الأفراد والشركات وإما عبر الاقتراض. وهنا يجب التمييز بين الديون الداخلية التي تدين بها الدولة لمواطنيها ولمؤسساتها، وبين الديون الخارجية والتي يمتلكها الأجانب. فحسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية بلغ مستوى الدين الخارجي سنة 2019، 34.1 مليار درهم، في حين سجل الدين الداخلي 558.3 مليار درهم، أي أن "المغاربة" يملكون الجزء الكبير من ديون بلادهم، والبلد في النهاية مدين لنفسه بشكل كبير. ولكن المشكلة الأساسية هي مايصطلح عليه في علم الاقتصاد بالمزاحمة أو Crowding out أي قيام الحكومة بمزاحمة القطاع الخاص لدى البنوك من أجل الحصول على قروض في مقابل إصدار سندات الخزينة ذات معدل الفائدة المرتفع والمستفيد منها بطبيعة الحال هو الأبناك التي تفضل الاستثمار في سندات الخزينة تجنبا لمخاطر إقراض القطاع الخاص، والنتيجة هو إحلال النشاط الاقتصادي الحكومي محل النشاط الاقتصادي الخاص.
مؤشر المديونية المرتفع يدل على عدم قدرة الحكومة على تعبئة موارد مالية إضافية تستجيب لتطور النفقات مما يجعلها على حافة السكين.
ومن أسباب اللجوء المستمر للاستدانة هناك ضعف أداء الاقتصاد الوطني وارتفاع نفقات الموازنة وضعف إنتاجية العنصر البشري بسبب القلاقل التي تعرفها منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي...مما يجعل عبء المديونية بالمغرب مستمرا خاصة بعد أزمة كوفيد 19 التي تركت ندوبا في الاقتصاد المغربي وتطرح الحاجة إلى ميزانية عمومية قوية لتغطية مختلف نفقات الاستهلاك والاستثمار وتكاليف المديونية نفسها.
أيضا في هته السنة 2021، جميع المؤشرات تتوقع استمرار ارتفاع الدين العمومي تحت تأثير الأزمة الصحية التي ستؤدي إلى انخفاض الموارد الضريبية والاستثمارات الأجنبية الصناعية والخدماتية والتصدير.