الأحد 19 مايو 2024
فن وثقافة

بمناسبة تكريمه بمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة: سمير فريد المتفرد.. شهادة من القلب

 
 
بمناسبة تكريمه بمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة: سمير فريد المتفرد.. شهادة من القلب

عرفته بداية، من خلال كتاباته النقدية الوازنة، قبل أن أتعرف عليه، في مهرجانات سينمائية مغربية ودولية وفعاليات ثقافية مختلفة، وتنشأ صداقة بيننا ملؤها الحب والاحترام.. حب لمقالاته وأبحاثه وكتبه الفريدة المتفردة في البحث والمتابعة والتأريخ للظواهر السينمائية المصرية والعربية، حيث كان يجعل القارئ لا يحس أنه يقرأ، بل يعيش ما يقرأ، لسلاسة الاسلوب وعمق التحليل والقدرة على النفاذ لروح الأفلام وتشريح رؤى المخرجين ووضع الأصبع على مكامن القوة والداء.. كان ناقدا من الطراز الرفيع، يمتلك قدرة هائلة على الإقناع، ومشروعية لا مثيل لها في قول الحق وتعرية القبح ومدح كل ما هو جميل.. كان لا يهادن ولا يختبئ وراء الجمل المضمخة بثقافة النفاق ولوك الكلام، بقدر ما كان يقف شامخا، فوق منصة المعرفة الخارقة، وتحت شعاع نور الحق والوضوح والشفافية، في صحبة الانتصار للبهاء الفني والإبداعي. أما الاحترام فكان ومازال، لشخصيته الكريمة المتمتعة بقدرة هائلة على جرك لعالمها المليئ بالمغامرات الإنسانية والفكرية المثيرة، وتفرض عليك بتواضعها اللامتناهي، الاحترام والسماع لنصائح صاحبها وحكمته القادرة على دعم النفوس المتوثبة الباحثة عن الغد الأفضل في دنيا الفن السابع، وضخ دماء جديدة في عروق كل إنسان يبحث عن التغيير وينشد المسير الصحيح في طريق الفن والنور.

سمير فريد موسوعة سينمائية، وأيقونة فنية سينمائية، خلق لنفسه عالما متفردا من الحضور والمواكبة والمواجهة وتقلد المناصب الرفيعة، والدخول والخروج بكل صدق ومسؤولية في الأفلام التي تعجبه وتمتعه، أو تلك التي لم تنل رضاه، لمستوياتها البعيدة عن التشريف والقول أنها أفلام، خالقا مفاهيم جديدة في الكتابة والنقد، مفاهيم قوامها الانتصار للحداثة ومواجهة البلادة وقيم الدخان والظلام.. فكان لابد أن يصل للقمة وأن يصبح سيد من سادة النقد في العالم. يقول عنه المخرج داود عبد السيد: «كان رمزاً كبيراً ومؤرخاً سينمائياً عظيماً وناقداً مهماً صاحب إنتاج غزير، تميز عن باقي النقاد السينمائيين بأن له أسلوبه الخاص الذى جعله يصل للعالمية، فهو المصري العربي الأفريقي الوحيد الذى وصل للمهرجانات العالمية الكبرى منها برلين وكان». فلا عجب إن كان المؤسس الأساس لجمعية نقاد السينما بمصر، والأستاذ الأصيل لعشرات الأقلام النقدية المصرية والعربية. تقول عنه الناقدة الكبيرة ومديرة العديد من المهرجانات السينمائية المحترمة، ماجدة واصف: "سمير فريد له إسهامات كبيرة، دوره في الحياة النقدية السينمائية المصرية والعربية له تأثير على أجيال كثيرة من السينمائيين بكتاباته، وتأسيس جمعية النقاد يعد من أهم الأدوار التي قام بها، حيث كرس حياته للدفاع عن الثقافة السينمائية والسينما الجيدة بالإضافة إلى التجارب الجديدة، وواكب السينما في فترات ازدهارها وتراجعها وكان صوتاً وقلماً سنشعر بفراغ بعد غيابه".

صحيح أن رحيل سمير فريد سيجعل كل محبي كتاباته وعشاق حضوره و تلامذته النبهاء، هنا وهناك، يشعرون بالحزن والحسرة لغياب هذا العراب السينمائي الكبير، عراب جعل النقد والحياة وجهان لعملة واحدة، حيث الانتصار للحق والتقوى والجمال.. فلا عجب إن كنت واحدا ممن شعروا باليتم بعد وصول خبر رحيله، لأنني فقدت أبا روحيا وأستاذا من الطراز الكبير. نعم، أب وأستاذ، لم يكن يتوانى في مدي بالنصائح القيمة، كلما كنت محتاجا لها، مثلما لم يكن يبخل علي بمؤلفاته الجديدة، التي كان يعمل على أن تصلني، كلما نشر واحدة منها، مؤلفات كانت بمثابة نبراس لي، في كل ما صنعت وأصنع في عالم السينما و التلفزيون.

رحم الله سمير الفريد المتفرد، على ما قدمه لسينمانا العربية، وشكرا لمهرجان خريبكة السينمائي، على تكريمه الموفق، في حفل افتتاح الدورة 20، دورة لها رمزيتها الخاصة بموافقتها للذكرى الأربعون لتأسيس هذه الفعالية السينمائية الهامة. وكل عام وذكرى رجل استثنائي وناقد مبجل حاضرة بيننا، ناقد لن يغيب بكتاباته عن وجداننا النقدي السينمائي العربي، ولن تبلى أفكاره ومبادئه النقدية والإنسانية الموافقة لطموحاتنا الغامرة بالمحبة، طموحات انتصار السينما الجميلة من خلال أفلام عربية رفيعة وبحوث وكتابات متنورة.