الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: ليبيا.. رعاية ملكية نحو الحل السياسي

نوفل البعمري: ليبيا.. رعاية ملكية نحو الحل السياسي نوفل البعمري
عاشت ليبيا منذ انهيار "نظام" القذافي فوضى كبيرة هددتها بالتقسيم وبسيطرة المليشيات المسلحة على أجزاء من ترابها الوطني، ما عمَّق من الأزمة الليبية حدة التقاطبات التي شهدتها مختلف الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة وانقسامها والاحتكام في بعض اللحظات إلى سلطة السلاح المليشياتي لحسم المعركة، وقد ضاعف من حجم هذا الصراع غياب مؤسسات قوية بحيث أن القذافي كان قد بنى دولة ليبية بدون مؤسسات رسمية ولا مدنية ولا حزبية، لذلك فبانهيار نموذجه وجد الشعب الليبي نفسه أمام فراغ سياسي و مؤسساتي خطير، ضاعف هذا الفراغ والتطاحن  من حجم الأطماع الأجنبية في ليبيا وفي مُقدراتها،ثرواتها و خيراتها الطبيعية… 

هذه الحالة من الفوضى جعلت المغرب خاصة مع محاولات بعض التنظيمات الجهادية التكفيرية تحويل بعض المناطق من التراب الليبي إلى قواعد عسكرية تسيطر عليها و تُحولها لمركز مليشياتي لها للإنطلاق نحو شمال إفريقيا مع التهديدات الكبيرة التي أصبحت تُشكلها على المنطقة ككل، لذلك فالمغرب وانطلاقا من مسؤوليته اتجاه المنطقة ولما له من إسهام كبير في حفظ السلم والأمن، و محاربة الإرهاب، عمد إلى تحمل مسؤوليته اتجاه الوضع في ليبيا وانطلق في دعم والدفع بالمسلسل الليبي بشكل تدريجي نحو السلم بين الأطراف المتصارعة على السلطة، والتوافق بيها انتهت هذه التحركات المغربية بتوقيع اتفاق الصخيرات الذي حضي بدعم أممي وأصبح الإتفاق رغم المحاولات التي تم القيام بها من طرف بعض الدول لإجهاضه وإفشال مُخرجاته، مرجعا أمميا للوصول للحل النهائي الذي سيتوج بالاستحقاقات التي ستجري في 24 دجنبر من سنة 2021 وهي الانتخابات التي يُعول عليها الشعب الليبي لبناء مؤسسات ليبية قوية، اعيد توحيد الدولة الليبية وتبني ليبيا ديموقراطية،حديثة، وقد ساعد على المضي قدما في هذا الحل ثلاث عوامل:
حرص العاهل المغربي على إنهاء هذا النزاع، ورعايته الشخصية لكل الحوارات التي تمت، هذا الحرص الملكي أعطى مصداقية لكل العمل الدبلوماسي الذي تم القيام به، وأعطى كذلك قوة سياسية كبيرة لكل اللقاءات التي تمت واحتضنها المغرب، وهو الحرص الذي ظل موضوع إشادة دولية خاصة وأن المغرب من خلال هذه الرعاية الملكية نجح فيما فشلت فيه الأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا من خلال نجاحه في  تقريب وجهات نظر الأطراف، والوصول لتوافق مؤسساتي سينهي الوضعية الحالية. 

ثقة الأطراف الليبية في الملك محمد السادس، بحيث ذهبت جل التصريحات التي تم الإدلاء بها في هذا الإطار إلى إبداء ثقتها في الاحتضان الملكي ورعايته للحوار واللقاءات التي تمت بالمغرب، هذه الرعاية شجعت الأطراف الليبية على المضي قدما لإنهاء النزاع، وقد تجلى ذلك بوضوح في آخر تصريح لعقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي بتأكيده على أن ليبيا “تحتاج إلى الدعم المغربي نظرا لمكانة المغرب في المجتمع الدولي، وحرص الملك محمد السادس على استقرار ليبيا وأمنها”،هذا الحرص وهذه المكانة للمغرب في الجغرافية الدبلوماسية الدولية والثقة التي يحضي بها دوليا وأمميا في صناعة السلام و الأمن بالمنطقة والقارة الإفريقية، و انخراط الملك الشخصي والمؤسساتي في صناعة السلم بليبيا كلها عوامل أدت إلى نجاح المغرب في مهمته، وإلى ثقة الأطراف الليبية في المغرب. 

التحرك المغربي وبتأكيد مختلف الأطراف الليبية وعلى عكس التحركات التي كان يتم القيام بها من طرف بعض الدول التي  تنظر لليبيا سوى كونها  دولة تم تدميرها و تحتاج لإعادة الإعمار مع ما يصاحب ذلك من استثمارات لهذه الدول في ليبيا، وترى فيها كذلك وفي أرضها مجرد حاضنة الثروات الطبيعية التي تتمتع خاصة النفط الليبي، على عكس كل ذلك التحرك المغربي ظل محكوما من منطلق حرصه - على عكس طبيعة التحركات التي تم الإشارة إليها سابقا-على استقرار وأمن ليبيا و شعبها، والمساهمة في بناء مؤسسات ليبية قوية تحضى بدعم الشعب الليبي وبالمصداقية أمامه، هذا التحرك الغير النفعي في العلاقة مع الأزمة الليبية جعلت تحركات المغرب مع الأطراف الليبية تحضى بإجماعها وثقتها فيه، و جعل كذلك من المبادرات المغربية تحضى كذلك بالدعم السياسي من هذه الأطراف التي لم تتوحد إلا في المغرب وعلى أرضية الصخيرات، الشيئ الذي زكى هذه الثقة هو استمرار الحرص المغربي الخالِ من كل الأطماع هو تأكيد رئيس البرلمان الليبي في تصريح له على “نحن نقول من هنا من المغرب إننا في ليبيا قادرون على إصلاح شؤوننا، لا نريد أي قوى أجنبية تتواجد في بلادنا، ولذلك نطالب بخروج كل القوى الأجنبية والمرتزقة من بلادنا”، لذلك فالمشروع المغربي هو مشروع تحرري في ليبيا، لإستكمال وحدتها واستقلالها. 

هذه العوامل كلها دفعت بالخارجية الألمانية بمعالجة خطئها السياسي اتجاه المغرب السابق ذلك بدعوة المغرب للقاء برلين 2،حيث  أكد وزير خارجيتها على حرص ألمانيا على إيلاء حرصهازالشديد لحضور المغرب في برلين2، بحيث حرصت الخارجية الالماني على التاكيد في تصريح لها على أن “المغرب يُشارك منذ فترة طويلة في لجنة المتابعة الدولية لليبيا، ولذلك فطبيعي أن يدعو وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، والأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريش، وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا”، وإذا كان المغرب لم يجب بالموافقة على هذه الدعوة لحين استجماع كافة العناصر السياسية والدبلوماسية من هذا اللقاء، فما يهم اليوم هو تأكيد الأطراف الليبية على كون الحل لا يمكن أن يكون إلا من خلال المخرجات التي تمت بالمغرب خاصة منها اتفاق الصخيرات،و أن أية لقاءات دولية سيحكمها الفشل في حال قفزت على الدور المغربي و على ما تم تداوله و الاتفاق بشأنه في الصخيرات،بوزنيقة و آخرها ما تم تداوله مع رئيس البرلمان الليبي ورئيس مجلس الدولة الليبي بالمغرب بتاريخ 4 يونيو 2021 مع رئيسي مجلس النواب المغربي ومجلس المستشارين، ثم وزير الخارجية المغربي انطلاقا مع التوجيهات الملكية التي أعطاها في هذا الإطار، وحرصه الشديد على نجاح الأطراف الليبية في الإتجاه نحو التوافق المؤسساتي ثم انتخابات حرة، ديموقراطية.