رغم ما يمكن أن نقول أو يقال عن حركية النقد السينمائي بالمغرب، من حيث القوة و الحضور والمواكبة للفعل الإبداعي السينمائي المغربي والعالمي، فلا أحد ينكر أن للمغرب أقلام نقدية من العيار الكبير، أقلام أغنت الخزانة النقدية العربية بمؤلفات ومقالات جد محترمة، أسماء نقدية رائدة، نذكر منها: محمد سكري، مصطفى المسناوي، محمد صوف، محمد كلاوي، أحمد سجلماسي، عزالدين الخطابي، محمد الدهان ومولاي ادرس الجعايدي ونورالدين كشطي وأحمد اعرايب ويوسف آيت همو، وغيرهم كثير، وأصوات شابة من الصعب الإحاطة بها كلها في هذا المقام، لكن مع ذلك يمكن أن أذكر، لاعتبارات مختلفة، فؤاد اسويبة وحميد تباتو ومحمد اشويكة وعادل السمار وعبد الجليل البويري وبوبكر الحيحي وعز العرب العلوي ونورالدين البوخصيبي ومبارك حسني ونور الدين محقق وكريم واكريم..، كل هؤلاء وغيرهم، ساهموا في بناء الخطاب النقدي المغربي، من خلال عشرات المقالات والدراسات والكتب الوازنة، كتب كان لها الوقع على ما ينتج من ابداعات فيلمية مغربية وما يخطط له من آفاق لسينما شابة واعدة، تواجه إشكالات عدة ومطبات مختلفة، مطبات وهنات تحاول الحد من انطلاقتها وتطورها في الاتجاه الصحيح.
ويبقى الناقد خليل الدمون، واحدا من بين هؤلاء النقاد المغاربة الذين استطاعوا مواكبة مختلف المراحل وحضور كل المحطات السينمائية بالمغرب، منذ بداية سنوات السبعينات من القرن الماضي، حضور لم يكن على سبيل النزهة والكتابة المؤثثة للخواء والمغذية للوقت الفارغ، بقدر ما كانت كتابات تمدح الجميل وتحرض ضد القبيح وتنتصر للأفلام الرافعة للواء المحبة التقنية والفنية، القادرة على رج الأحاسيس الرهيفة والعقول المنغرسة في دنيا البحث عن الجاد والمفيد.
خليل الدامون أو المناضل السينمائي، خريج حركة الأندية السينمائية بالمغرب، والرائد الذي تحمل المسؤوليات داخل مكاتبها المتعاقبة، أساسا ككاتب عام، لهذا الإطار الوطني العتيد، بين سنتي 1985 و1992، مسؤوليات لم تكن طرقها وأزقتها مفروشة بورود السينما والمشاهدات الجميلة فقط، بقدر ما كانت مزروعة بألغام المرحلة وعسف الزمن المقيت لسنوات الرصاص، لكنه كان كما ظل وإلى غاية اليوم، بالطبع إلى جانب رفقاء الثقافة والنضال، شامخا بحضوره وموهبته في التسيير والتنوير وإدارة دفة منظمة ثقافية عصية على كل ترويض، موهبة سيستثمرها منتصف سنوات التسعينات من القرن الماضي، في تأسيس (رفقة مجموعة هامة من النقاد المغاربة) "اتحاد نقاد السينما بالمغرب"، وبعد ذلك "الجمعية المغربية لنقاد السينما"، جمعية ما كانت لتستمر وتؤسس لحضور وازن في فضاءاتنا السينمائية، لولا حكمة هذا الطنجاوي، الخارج من عباءة المبدعين الطنجاويين الأوائل، وقدرته على خلق التوازنات والتفاهمات التي لا تفسد للود قضية، رغم الاكراهات المتتالية وتصادم الآراء وتضارب الأهواء وهروب البعض نحو المناطق الآمنة بركوب موجة المديح والتصفيق لجهلة العصر، وجهابذة الظلم الفني والإداري.
التسيير الإداري والنضال اليومي على كل الواجهات، لم تحرم الساحة السينمائية المغربية من صوته الهادر وتحليلاته، رفقة ضيوفه، للقضايا والأفلام السينمائية المغربية، من خلال برامج إذاعية على أمواج إذاعة طنجة، ما بين سنتي 1980 و1998، برامج كان يسهر على إعدادها وتقديمها في أوج تألق هذه الإذاعة المغربية الأنيقة، وتهافت كل المثقفين المغاربة على تتبع برامجها العديدة المتنوعة، والاستفادة من جلسات كانت مضمخة بعطر المحبة للفن السابع ورجالاته ونسائه الساعين لصنع سينما وطنية حقيقية.
الكتابة النقدية بالنسبة لخليل، ليس كتابة مسترسلة فائرة وفاترة، بقدر ما هي كتابة متأنية وبحث أصيل في الأصول قبل الفروع، وتكريس مفهوم مقال واحد مثمر دال، خير من عشرات المقالات المدبجة بنار الجهل والحقد والعض على مؤخرات الآخرين..، فلا عجب أن وجدناه ورغم مساره النقدي الطويل لا يصدر غير مؤلف نقدي واحد بعنوان "أشلاء نقدية"، كتاب جمع فيه مجموعة من المقالات التي كتبها ما بين 1985 و2014، مقالات تتوزع ما بين قراءات للمتون الفيلمية المغربية والعربية، ومقاربة بعض الظواهر والقضايا السينمائية، وتسليط الضوء على الأسماء الفاعلة في الحقول الإبداعية للسينما المغربية. إلى جانب هذا المؤلف الهام، لا يمكن أن ننسى دوره الفاعل في ظهور مجموعة مجلات سينمائية مغربية، مجلات يشهد لها بالدور الرائد في فتح العيون وشحذ الهمم لتلقي الإرساليات الفيلمية، بعقول يقظة متمردة على التجارب الكلاسيكية في السرد والقول والتركيب وإدارة الممثل، مجلات نذكر منها: "دراسات سينمائية" (التي كان يرأس تحريرها رئيس جواسم آنذاك، الناقد عمر آيت المختار) و"سين. ما" و"المجلة المغربية للأبحاث السينمائية" التي يتحمل لغاية الساعة رئاسة تحريرها،. طبعا إلى جانب وقوفه وقفة ناقد حق ورئيس لجمعية النقاد، في إخراج مجموعة كتب للوجود، كتب جاءت كحصيلة للأيام الدراسية واللقاءات النقدية التي نظمتها جمعية النقاد على مدار سنوات، بمختلف المدن المغربية، كتب تمحورت حول تجارب مجموعة هامة من المخرجين وهم: سعد الشرايبي ومصطفى الدرقاوي وعبد القادر لقطع وداود أولاد السيد وحكيم بلعباس ونبيل عيوش وفوزي بن السعيدي والجيلالي فرحاتي وفريدة بليزيد..
كل هذا وغيره، جعل هذا الناقد المشبع بثقافة النضال السينمائي، أن يكون الأخ الأكبر لنا، أخ نختلف معه مرة ونتفق معه مرات، كل ذلك في إطار دائرة الحب والمودة والتقدير لرجل أنذر حياته للسينما والعمل الثقافي والجمعوي الخلاق.. حياة ما كان أن تكون لها معنى، دون حب الفن وبهاء الشاشات السينمائية المشعة بنور المعرفة الخلاقة.. معرفة قادته لكي يصبح، وبالإجماع، رئيسا لنا ورئيسا "للفدرالية الإفريقية للنقد السينمائي"، الفيدرالية أو البوابة الفنية الثقافية المغربية للحضور الدائم و الوازن بين أدغال المهرجانات والقاعات الإفريقية، والتقرب أكثر من معاني التسامح والتسامي الإفريقي الهادف إلى تكسير الحصار المضروب حولنا جميعا كنقاد وسينمائيين أفارقة، سينمائيون يحلمون بسينما أكثر إبداعية وحرية فوق أرضنا الأبية السمراء.
شكرا خليل على نباهتك وسجيتك وحبك للسينما والوطن.. وشكرا على حضورك بيننا كأخ أكبر.. وكل عام وأنت مكرم بتواجدك الوازن بيننا..