الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الإلاه حبيبي: الفعل الإيجابي هو الإنجاز الممكن

عبد الإلاه حبيبي: الفعل الإيجابي هو الإنجاز الممكن

حركة المجتمع ومساره التاريخي تتحكم فيهما عوامل متعددة، منها ماهو إرادي، أي مرتبط بالوعي البشري وإرادة الفرد وتدخله في توجيه الأحداث وصناعة رأي حولها، إضافة إلى ظهور الزعامة الكارزمية التي بفضل مهارات أبطالها تستطيع التأثير في النفوس والجموع، مما يسهل عملية التحول والانتقال الذي ليس بالضرورة مضمون العواقب، وهناك عوامل أخرى موضوعية، أي مرتبطة بالمعطيات الإقتصادية والجغرافية والطبيعية التي لها دور أساسي في تسريع أو تأخير المنجز التاريخي.

لكن وعلى الرغم من كون المجتمع في عمقه هو نتاج تفاعل وصراع بين قوى سياسية وفكرية، وتقاطبات إيديولوجية، ونزوعات دينية وأخلاقية، يبقى الفعل الإيجابي والممكن في أغلب الحالات هو الفعل الذي بإمكانه التأثير في مسار الأحداث، من خلال خلق شروط نوعية قد تقفز بالوعي الجمعي من حالة الانقياد والسلبية إلى حالة الفعل والمسوؤلية، نقصد بالفعل الإيجابي التخلي المرحلي عن كل حلم طوباوي كلي المنزع، وعن كل رغبة  ذاتية تقوم على نفي ماهو قائم بشكل مطلق، وإحلال محله ماهو في حكم المتخيل، بمعنى آخر وفي سياق التدافع والصراع يبقى من الضروري تلقيح الواقع بعمل ملموس، تغذيته بفكر فعال، برؤية واضحة تنير الطريق، وتفتح الوعي على ماهو ممكن في سياق التطور الذاتي للواقع الموجود. فالحقيقة الاجتماعية هي قوة مادية، لها مقوماتها الثقافية وأسسها الإيديولوجية، تعمل في خفاء، توجه في صمت، تعيد إنتاج نفسها عبر وسائل وتقنيات خاصة، قد تبدو لنا سلبية، مناوئة للقيم التي ننشدها، بل ومتواطئة مع الجمود والقوى المحافظة التي تتحرك بمهارة فائقة لكنس كل العناصر التي قد تحمل جدة أو جديدا من شأنه تغيير بوصلة الوعي واتجاهه، لكنها، رغم ذلك، تظل في العمق قابلة للترويض، للتعديل، في حالة إذا توفر وعي إيجابي له أصوله الفكرية طبعا، لكنه يمارس الفعل المضاد في عمق وجوهر الظاهرة الإجتماعية، بحيث لا ينبغي له أن يظهر في صورة قوة خارجية مهددة للكيان القائم، لأن مثل هذا الظهور قد يسهل عملية عزله من خلال شيطنته ووسمه بالغريب الذي يريد اقتلاع جذور الأصيل وتفكيك المتلاحم.

هكذا سيغدو دور الفعل الإيجابي هو الانخراط في اليومي، التشابك مع الراهن، الحضور في تفاصيل اللحظة، على أساس أن يكون الهدف هو إبراز فشل بعض عناصر الظاهرة الاجتماعية حينما تكون في مواجهة الواقعي، وبيان عجزها عن تفسيره، وفهم إوالياته، بحيث يتم هاهنا اقتراح عناصر جديدة من منظومة عقلانية لها قوة وصلاحية الإحاطة بالواقع وفهم التباساته وتضاريسه المعقدة، دون إصدار أحكام قيمة على العناصر السلبية التي تم عزلها، بل تركها تحتضر لتموت من تلقاء ذاتها. إن صلاحية الفعل لا تتحدد من القيمة الفلسفية للفكرة التي يستند إليها، بل من قدرته على إضاءة الملتبس، وتسهيل عملية الإمساك بخيوطه الدقيقة.

الخطأ الكبير هو عندما نتموقع في رحاب الفكرة، ونكتفي بإصدار أحكام الإدانة والتبخيس، في حين أن الظاهرة الاجتماعية تمتلك ما يكفي من مقاومة لإزاحة هذه الأحكام وتسفيه أصحابها، بل والسخرية منهم بأساليب بسيطة لكنها فعالة في تحقيق شروط بقائها ، أي الإستمرار في إعادة إنتاج نفس الأنماط والأذواق والميولات وكأنها حالة طبيعية وليست من صنع البشر.