الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

فتيحة لمسلك: حديث عن الأزمة بين المغرب وإسبانيا

فتيحة لمسلك:  حديث عن الأزمة بين المغرب وإسبانيا فتيحة لمسلك
من وجهة نظري، فالأزمة بين المغرب وإسبانيا هي نتاج لعلاقة تشبه صداقة بين شخصين، أحدهما كان دائم العطاء وإظهار الدعم والولاء من أجل الحفاظ على تلك الصداقة في الوقت الذي يقتصر فيه الطرف الآخر على الأخذ فقط وفي بعض الأحيان على المطالبة باتخاذ بعض القرارات وهو متأكد من تلبيتها. بعبارة اخرى، يمكن القول أن هذا الطرف تعود على تلك الثقة الزائدة ولكن العلاقة السليمة لا يمكن أن تكون على هذا المنوال وخصوصا في المجال الدبلوماسي. فالمغرب جار وصديق وفي وأحد أصدقائه "إسبانيا" التي طالما كان وفيا لها في جميع التزامات التعاون في عدة مجالات كمكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات...
سأغتنم الفرصة للتذكير بمثالين حديثي العهد يثبتان دعم المملكة المغربية اللامشروط لإسبانيا:
أولهما: على الصعيد الاقتصادي في سنة 2012 حينما كانت اسبانيا تمر بأزمة اقتصادية خانقة قام المغرب، ذلك البلد الجار الذي يوصف اليوم بالابتزاز والتحدي بفتح أبوابه للشركات الإسبانية من أجل الاستثمار بجميع ربوع المملكة وفي شتي المجالات بل أكثر من ذلك قام الوزير السابق السيد نزار بركة بإتاحة فرص الحصول على قروض لشركات إسبانية صغرى وبهذه الطريقة أصبحت إسبانيا تحتل مرتبة المستثمر الأول بالمغرب متفوقة في ذلك على فرنسا الشيء الذي سبب مشاكل تعامل معها المغرب بكل مسؤولية وحنكة. وكل ذلك من أجل تأمين متنفس للجارة والصديقة إسبانيا وإظهار الدعم اللامشروط في الظروف الصعبة.
ثانيهما: في المجال السياسي، عندما عزم زعيم الانفصاليين الكتلان بودجيموند على الهرب من إسبانيا، كانت الوجهة الأولى التي فكر فيها هي المغرب ولكن الرد المغربي الرافض كان قاطعا وصريحا. وحتى في قضية استقلال الإقليم الكتالوني كان موقف المغرب دائما داعما للوحدة الترابية للبلد الجار الصديق.
ولكن بماذا كافأت إسبانيا المغرب وكيف تصرفت؟
أول ما قامت به إسبانيا هو التشكيك في الوحدة الترابية للمغرب مستخدمة في ذلك ترسانتها الدبلوماسية والإعلامية، الشيء الذي بدا جليا عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، بل ذهبت إلى حد مطالبة هذه الأخيرة بمراجعة موقفها وقرارها. فإسبانيا تؤسس تبريرات موقفها على ما يسمى بالدين تجاه الشعب الصحراوي، متناسية لديونها اتجاه المغرب وشعبه، الشيء الذي لن أقف عنده تفاصيله لأن هناك من الأصدقاء من قام به معتمدا على براهين تاريخية دامغة، وكل ما يمكن أن أقوله هو أن الأزمة في الصحراء هي نتاج للاستعمار الإسباني.
ولكن النقطة التي أفاضت الكأس كانت استقبال زعيم جبهة البوليساريو على التراب الإسباني دون علم المغرب ولا استشارته، وهذا التصرف لا يمكن التساهل فيه وتركه يمر مرور الكرام.
"مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس" المغرب بلد حر ذو سيادة ويجب التعامل معه من هذا المنطلق، وأي تجاهل لذلك سيسبب مشاكل حقيقية. كما يجب التذكير على أن المغرب في العشر سنوات الماضية تحول إلى قوة إقليمية في أفريقيا وحلقة مهمة في سلسلة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وباقي دول المنطقة، في نفس الوقت الذي فتح فيه المجال للتعاون مع دول غير أوروبية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، الهند وروسيا حتى لا يعتمد على جهة واحدة وليظهر أن لديه قدرة ذاتية.
"عندما تتغير الظروف يجب علينا أن نتغير ونتأقلم مع السياق الجديد. فهذا مشكل يجب علينا حله". على حد تعبير وزير الخارجية الإسباني الأسبق خوسي مانويل مرغايو.
ما حدث في سبتة كشف عن حقيقة لطالما تم تجاهلها لتفادي عرقلة المصالح المشتركة بين البلدين، كما كشف أيضا عن موقف إسباني يتسم بالتعالي والعجرفة التي يعامل بها السيد عبده.
ان إجماع الحكومة ووسائل الإعلام الإسبانية على إدانة المغرب ومهاجمته بكل قوة، لم يكن شيئا مفاجأ.
لكن الشيء الذي يثير الدهشة ويحز في النفس هو أن بعض المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج ركبوا الموجة وبين عشية وضحاها تحولوا إلى مدافعين عن كل الحقوق باستثناء ذلك الحق المتعلق بسيادة وكرامة بلدهم الأم، البلد الذي قد لا يكون قد وفر لهم كل ما يحلمون به ويتطلعون إليه، ولكن منحهم هويتهم.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن النخبة السياسية المغربية أبانت عن فشلها وضعفها وهشاشتها في تدبير جميع المجالات الحيوية وخصوصا الاجتماعي منها الذي ظهر جليا أنه في حاجة إلى معالجة مستعجلة، إذ أنه ليس من المعقول أن يختار 8000 من المواطنين الرمي بأنفسهم في البحر من أجل الهروب والهتاف "تحيا إسبانيا".
ولكن الضرورة الأخلاقية تحتم علينا في هذه الظروف إظهار الدعم والمساندة لبلدنا الأم كما يقوم بذلك الإسبان تجاه بلدهم.
سيكون هناك مجال لمحاسبة النخبة السياسية وليست هناك فرصة للقيام بذلك أحسن من فرصة الانتخابات المقبلة ولكن الى ذلك الحين.... يبقى الوطن فوق كل الخطابات الشعبوية.