في سياق الدخول السياسي المقبل الذي يتميز بضبابية بحكم عدم معرفة ما سيؤول إليه مؤتمر الإستقلاليين والبيجيديين، وما إذا كان فعلا سيتم تثبيت نزار بركة على رأس حزب علال الفاسي خلفا لحميد شباط؟، ثم هل سيمنح عبد الإلاه بنكيران ولاية ثالثة لقيادة حزب "المصباح" من جديد؟. في هذا الإطار، تفتح "أنفاس بريس" النقاش مع فاعلين سياسيين وجامعيين حول توقعاتهم للمرحلة القادمة من هذا الدخول السياسي. وضمن هؤلاء محمد المموحي، الكاتب الجهوي لحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي أغنى معطيات التفاعل بهذه المساهمة:
"شكرا على الدعوة الكريمة للمشاركة في النقاش المفتوح بخصوص موضوع الدخول السياسي و تطورات المشهد الحزبي.
و للمساهمة من جانبي في إثراء الحوار العمومي المواكب لما تشهده الأحزاب السياسية الوطنية من تطورات و تجاذبات، و حتى من صراعات وصدامات و علاقة كل ذلك بالدخول السياسي الحالي، وانتظارات المواطنين المتعددة و المتراكمة من هذه الحكومة، وسياساتها العامة في مختلف مجالات حياة المواطنين.. فإني أود إثارة الملاحظات التالية:
من نافلة القول أن صورة الأحزاب السياسية، وحتى النقابية، و هيئات المجتمع المدني، هي صورة أصبحت في منتهى السوء لدى مختلف شرائح المجتمع..!!
وما زاد في هذه الصورة القاتمة هو واقع الإختلالات العميقة التي أصبح يعيشها حزبين أساسين في المشهد السياسي، و هما حزب العدالة و التنمية و حزب الإستقلال:
- حزب العدالة و التنمية الذي عجز أمينه العام في مهمة تشكيل الأغلبية الحكومية بعد التكليف الملكي و إعفائه من هذه المهمة، و استبداله بالرجل الثاني في الحزب الأستاذ العثماني الذي نجح في مهمته في ظرف قياسي بالمقارنة مع الزمن الذي أهدره سلفه، والذي كانت له كلفته السياسية الباهظة الأمر الذي جعل الحزب يدخل في صراعات داخلية غير معلنة لكنها محمومة و عميقة شلت أجهزة الحزب، و أظهرت أن هذا الحزب لا يملك الآليات و الثقافة الديموقراطية التي تمكنه من التجاوز الإيجابي لتعقيدات العمل السياسي المؤسساتي، في لحظات الإنتقال العسير.. وبقي أسيرا لمنهج البلوكاج الداخلي لاسترجاع وهم الزعامة التاريخية الذي سكن دماغ الأستاذ بنكيران..!!.
و هو النهج الذي جعل الحزب يفشل حتى في عقد مؤتمره الوطني في الآجال القانونية التي ينص عليها قانون الأحزاب السياسية، والتي يحددها الفصل التاسع والأربعون في أربع سنوات، وهو الأمر الذي دفع بوزارة الداخلية إلى توجيه إشعار بذلك إلى مسؤول الحزب دون جدوى.. ما يعني أن هذا الحزب لن يستفيد من الدعم المالي الذي تقدمه الدولة للأحزاب و سيحرم من أكثر من مليار سنتيم..!!.
و في تقديري، أن السبب الرئيس في ما آل إليه وضع هذا الحزب هو الصراع على الزعامة بين جناح يرى أن دور ومهمة بنكيران قد انته،ت و عليه أن يتنحى هو و تياره لصالح التيار الصاعد الذي يمثله الأستاذ العثماني ومجموعته البراغماتية و العاملين على فك ارتباط الحزب بالحركات الدعوية و السلفية التي حاول بنكيران الإستقواء بها في الإنتخابات التشريعية (حالة المرشح السلفي في مراكش )..!!.
- حزب الإستقلال الذي دخل و منذ الإنتخابات الجماعية و الجهوية في أزمة داخلية غير مسبوقة بسبب النتائج المخيبة للآمال التي حصل عليها، وهجوم الكثير من رموز الحزب على الأمين العام و مطالبته بالإستقالة من قيادة الحزب، وتوالي مظاهر التخبط في الأداء السياسي للأمين العام، وصل إلى حد تأزيم العلاقة السياسية بين المغرب و موريتانيا بشكل مجاني اضطرت معه الدولة إلى التدخل الفوري و القوي لتجاوز الأزمة..!!.
في خضم هذه الأزمة، يلاحظ أيضا أن حزب الاستقلال عجز عن عقد مؤتمره الوطني في الآجال القانونية التي ينص عليها قانون الأحزاب، وحرم الحزب مثل سابقه من الحصول على الدعم المالي السنوي و خسر ما يقارب مليار سنتيم..!!.
إن هذه المعطيات بالطبع ليست جديدة على متتبعي الشأن السياسي، والكل يعرف العديد من الحقائق المرة و المقلقة. ومن المعطيات السلبية التي يتعين أن نوضح بشأنها أمرين مهمين في هذا السياق:
- الأمر الأول:
هو أن حزبين أساسين في المشهد الوطني، الحزب الأول هو من حاز على أكثر من مليون ونصف من أصوات الناخبين في آخر اقتراع. والثاني هو حزب الإستقلال، و ما أدراك ما حزب الإستقلال، ودوره في مختلف مراحل الحياة الوطنية، لا يملكان الآليات القانونية للتدبير الديموقراطي الداخلي.. وهو ما يثير العديد من الأسئلة المشروعة في قدرتهما على ترسيخ الديموقراطية والحكامة والنزاهة في الدولة وفي المجتمع، هو الإشكال الدي يجعل الراهن السياسي في حاجة حقيقية و موضوعية إلى جيل جديد من السياسيين غير منافقين يفعلون ما يقولون..!!.
- الأمر الثاني:
في تقديري، إن تحليل أزمة المشهد الحزبي الوطني لا ينبغي لها أن تتم خارج تحليل أزمة المجتمع المغربي ومعيقات الإنتقال الديموقراطي. لأن الأزمة في المستوى الأول هي فقط جزءا من الأزمة العامة لتطور المجتمع المغربي وتطور النظام السياسي العام. فرغم أن الخطاب الملكي التاريخي لـ 9 مارس الذي أعقب حراك 20 فبراير الذي كان حراكا لكل أطياف المجتمع من أجل تجاوز الجمود ولإطلاق دينامية الإصلاح الحقيقي لاستدراك الزمان الذي ضاع من التناوب التوافقي، وتحقيق شعار دمقرطة الدولة و دمقرطة المجتمع. و رغم كل ما يمكن أن يسجل من إخفاقات واختلالات مقلقة شخصها الخطاب الملكي في عيد العرش الأخير، فإن الوعي الديموقراطي والتاريخي الذي هو على النقيض من الوعي المتأخر الذي نسمعه هذه الأيام من بعض المحللين الذين يقولون كل شيء ولا شيء ويقولون الشيء ونقيضه في الأحزاب و في السياسة و في الإنتخابات، ويخلطون بين اليسار كما في مخيلتهم و بين قيمه الإنسانية النبيلة و تضحيات مناضليه من أجل الإنتقال إلى المجتمع الديموقراطي الذي لا يمكن أن تصنعه إلا الأحزاب الديموقراطية القوية، والنخب المؤمنة بالديموقراطية و بشروطها التاريخية و بقضايا الشعب التي هي دائما:
-الخبز.
- الوطن.
- الديموقراطية.".