الخميس 28 مارس 2024
خارج الحدود

عثمان لحياني: الجزائر..  بلد عالق ودولة معلّقة

عثمان لحياني: الجزائر..  بلد عالق ودولة معلّقة مسيرات احتجاجية شعبية بالجزائر -ارشيف-
الأجواء التي تعيشها الجزائر في الوقت الراهن،  لا تعطي الإنطباع بأنّ البلد بصدد انتخابات برلمانية هي الأولى بعد حراك شعبي سلمي مبهر، وتتطلع السلطة والأحزاب لأن ينبثق عنها برلمان سيّد. 
التضييق الحاصل على أي تحرك مطلبي للمكونات السياسية والنقابية والمدنية، وإفراط السلطة في استخدام الشرطة والملاحقات القضائية، بحيث لم يبق طرف في الجزائر لم ينل نصيبه من العصي أو الاعتقالات؛ من نشطاء الحراك والطلبة والمعلمين والقضاة والأطباء والصحافيين وجنود الجيش المتقاعدين وأخيراً أعوان الدفاع المدني، نتجت عنه حالة من الاحتقان الذي قد يتحوّل إلى انفجار شعبي جديد،  تضاف له الأزمات الإجتماعية الحادة.  وقد أفرز هذا التضييق حالة من اليأس التام في مجموع الأوساط الشعبية من إمكانية حدوث تغيير سياسي فعلي. كل ذلك، لا يدفع فقط إلى طرح سؤال كبير عن تبشير السلطة للجزائريين قبل الإستفتاء الماضي بأنّ دستور نوفمبر/تشرين الثاني 2020، سيكون قفزة كبيرة إلى مناخ الحريات،  لكنه يضع الإنتخابات البرلمانية المقررة في 12 يونيو/حزيران 2021 كذلك أمام امتحان نسبة التصويت والمشاركة،  ذلك لأن استدعاء أجواء القلق الاجتماعي والتوتر السياسي والتصعيد الأمني،  تنفّر الجزائريين من صناديق الاقتراع، وتدفع المواطنين إلى الاستمرار في العزوف الإنتخابي. 
أكثر وصف يمكن أن يصدق على الجزائر، والحالة القائمة، أنها بلد عالق، لا هو في أرض قفر ولا هو حلّق عالياً في سماء التطوروالنمو. 
بلد تجري من تحته أنهار من النفط وله  تربة خصبة، وفوقه مدن يصطف فيها الناس طوابير لاقتناء كيس حليب.  والجزائر بالأساس دولة معلّقة ومتوقفة لا تسير في أي اتجاه؛ لا إلى مسار ديمقراطي يحترم القواعد الأساسية لتركيز مؤسسات التحول الديمقراطي، ولا هي عادت إلى نظام الحزب الواحد. لا هي دولة ديمقراطية بالمعنى ولا هي دكتاتورية في الشكل،  لا هي دولة مؤسسات ولا هي دولة فرد، لا هي بلد حريات ولا هي بلد شمولي. 
الجزائر بلد يعيش حالة من التردد الذي وضعها قيد الركود،  وضيّع عليها سنوات من النمو، فلا هي حددت خيارها الاقتصادي في نهج الرأسمالية ولا هي ظلّت بلداً اشتراكياً بحيث ما زالت الدولة الوحيدة التي تسيّر فنادق. لا هي دولة اجتماعية وفت باستحقاقات الجزائريين واحتياجاتهم، ولا هي دولة اقتصاد سوق حررت المبادرة الاقتصادية، حتى في التعليم، وهو أكثر القطاعات حيوية وتأسيساً للمستقبل. 
الجزائر دولة معلّقة لأنّ النظام القائم منذ عقود،  يعلن في كل مرحلة عن مشروع تغيير سياسي،  لكنه يرفض أن يتغيّر أو يغيّر قواعد الحكم. 
الجزائريون انتخبوا 20 مرة منذ بدء التعددية السياسية عام 1989، دون أن يكون الحاصل مؤسسات تمثّل السيادة الشعبية والإرادة الحقة للجزائريين، ودون أن يكون نتاج ذلك مؤسسة للديمقراطية وتعديلا في السياسات.  وبين أربع مراحل يحددها المنظرون للانتقال الديمقراطي،  لم تخرج الجزائر منذ ثلاثة عقود من المرحلة الأولى الوسيطة بين مرحلة الحزب الواحد والتعددية. تعطّل المسار هناك لأن النظام الذي صنع كل خيبات البلد القاسية وأزماته يصر على البقاء. 
 
 
" عثمان لحياني  صحيفة " الوطن الجزائري