الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد البالي: تلاعب سياسي (2)

محمد البالي: تلاعب سياسي (2) محمد البالي
البرلمان مؤسسة في منظومة الديمقراطية التمثيلية، والانتخابات آلية هذه التمثيلية، إذا ما صادقت عليها المجموة البشرية، واعترفت بمصداقيتها. ومن نافل الاستنتاج، أنه لا يجوز جنوح/ خروج الآلية خارج مبادئ المنظومة.
لكن البرلمان المغربي، بمناقشته مقترح احتساب القاسم الانتخابي بناء على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية، صوتوا أو لم يصوتوا، أثار التساؤل حول مشروعية اعتباره مؤسسة ديمقراطية؟ ذلك أن الآلية الديمقراطية تنظم بقوانين ديمقراطية، تمنح الناس حق المشاركة وتضمن حق المقاطعة وتحمي حرية اختيار ممثليهم. وبعد أن صادق على مشروع القانون التنظيمي رقم 21.04، المتعلق بمجلس النواب، يطرح سؤال تبعي: هل يتحول برلمان المغرب مؤسسة ضد الديمقراطية؟ لا نريد إطالة أوتفصيلا، لكننا نشير إلى أن فتح باب السطو على الديمقراطية بتسخير مؤسسة تشريعية، قد يصيرها مؤسسة واجهة ساترة لنظام لا ديمقراطي أو شمولي أو استبدادي، يسطو حتى على شكليات ديمقراطية.
لذلك تعتبر هذه المصادقة انحرافا سياسيا. ولا يتشخص الانحراف قوانين خارج بنية رافضة للانحراف،وخارج بيئة متآلفة مع ثقافة الانحراف، بل وخارج سلطة هذا الانحراف. وبحسب الظروف، قد يجرف الانحراف حتى حقوقا فوق سياسية: طبيعية كالتغذية والتزاوج، أو حضارية كاللباس والذوق، أو اجتماعية كالتطبيب والتصاهر أو ثقافية كالتعليم والاعتقاد والإبداع... ويبسط الانحراف سلطته المستعارة من سلطات أخرى، عبر خطاب يتعمد إقامة الفواصل بين المبادئ والمنافع العامة، مستندا إلى اللامعقولية والمغالطات.
لنتابع هذه القضية: هل يتعارض احتساب غير المصوتين مع مبادئ الديمقراطية؟
إشارة: جاء في نص المادة 84 من قانون 04/ 21: توزع المقاعد على اللوائح بواسطة قاسم انتخابي يستخرج عن طريق قسمة عدد الناخبين المقيدين في الدائرة الانتخابية المعنية على عدد المقاعد المخصصة لها...
- يوم 17 فبراير 2021 أودعت لدى مكتب مجلس النواب مشاريع القوانين المتعلقة بالانتخابات: مشروع قانون تنظيمي رقم 04.21 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب؛ مشروع قانون تنظيمي رقم 05.21 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين؛ مشروع قانون تنظيمي رقم 06.21 يقضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية؛ مشروع قانون تنظيمي رقم 07.21
يقضي بتغيير القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية؛ مشروع قانون رقم 10.21 يقضي بتغيير وتتميم القانون
رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال
الحملات الانتخابية والاستفتائية؛ مشروع قانون رقم 11.21 يقضي بتغيير القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات وتنظيم
مراجعة استثنائية للوائح الانتخابية الخاصة بالغرف المهنية.
- أحيلت هذه المشاريع على لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة في 18 فبراير2021، التي اجتمعت يوم 23 فبراير 2021 لتقديم هذه المشاريع، ومنها مشروع قانون 04/ 21 الذي أثار جدلا حجب الالتفات إلى الباقي.
- وافق عليه مجلس النواب، يوم 05 مارس 2021 بالأغلبية (الموافقون: 162، المعارضون: 104.
الممتنعون: 01). ووافق عليه مجلس المستشارين، يوم 12 مارس 2021 بالأغلبية (الموافقون: 83.
المعارضون: 13، الممتنعون: 4).
- اعتبرت أحزاب موالية، ممثلة في الحكومة وغير ممثلة فيها، أن هذا القانون الذي تتبناه، سيوسع مساحة الديمقراطية التمثيلية، لأن من بين مزاياه وصول أحزاب صغرى إلى مؤسسة البرلمان.
- رأى حزب العدالة والتنمية، وهو أيضا من الموالاة، ويرأس الحكومة، أن المشروع، الذي أعدته وزارة الداخلية، وقدمته باسم الحكومة يفرغ العملية الانتخابية من أي محتوى ويجعلها بعيدة كل البعد عن احترام الديمقراطية لإفراز مؤسسات تتمتع بالمصداقية كما جاء في موقع مجلس النواب (https://www.chambredesrepresentants.ma/ar)، من مقتطع تصريح رئيس فريق
العدالة والتنمية، الذي أضاف: يخالف المقتضيات الدستورية والمنطق الانتخابي السليم، ويعاكس التجارب المقارنة الفضلى، وسيشكل تراجعا وانتكاسة خطيرة على الديمقراطية التمثيلية التي حققت فيها المملكة أشواطا معتبرة، ومكاسب مهمة.
- جاء في بيان تنسيقية ممثلي الأحزاب المغربية بالخارج: هذا التصويت يتعارض بشكل تام مع التعليمات الملكية التي تضمنها خطابا 6 نوفمبر 2005 و 6 نوفمبر 2007، وفيه خرق سافر للفصل 17 من الدستور الذي ينص على أن المغاربة المقيمين في الخارج يتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. وأضاف: أملنا كبير في التحكيم الملكي للملك محمد السادس، الساهر على احترام الدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات.
وتجدر الإشارة هنا، أن هذه التنسيقية تتكون من أحزاب: العدالة والتنمية، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الاتحاد الدستوري والتقدم والاشتراكية. وهي الأحزاب التي صوتت ببرلمانييها لصالح المشروع، باستثناء حزب رئاسة الحكومة.
- أحال رئيس الحكومة هذا القانون التنظيمي على المحكمة الدستورية التي من اختصاصاتها الأصيلة مراقبة دستورية القوانين، بعد أن صوت برلمانيو الحزب، الذي هو أمينه العام، ضد مشروعه.
- يوم 07 أبريل 2021 قررت المحكمة الدستورية أن القانون التنظيمي رقم 04.21 بتغيير وتتميم القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، ليس فيه ما يخالف الدستور، وأنه لا يندرج ضمن صلاحياتها التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع في شأن اختيار التدابير التشريعية ما دامت لا تمس بأحكام الدستور.
- ويوم 21 أبريل 2021 وقعه، بالعطف، رئيس الحكومة.
وصدر بالجريدة الرسمية يوم 17 ماي 2021.
توضيح جمل هذه القضية:
أتكفي 16 يوما مدة بين إيداع ستة مشاريع قوانين انتخابية ومناقشتها والمصادقة عليها؟
هل يتعلق الأمر بسلطة مؤسسة البرلمان وحدها؟
أتكون الحكومة غير منسجمة، أم بين مكوناتها تعارض وتناقض في قضايا دون أخرى؟
لماذا يثير مشروع قانون تنظيمي جدالا، بين المكونات، أكثر مما أثاره الدستور؟
هل تمتد أبعاد القضية إلى علاقة الدستور بمقتضيات الديمقراطية ومبادئها؟
كيف يرأس حزب العدالة والتنمية الحكومة، ويذيع خطابا معارضا لمشاريع الحكومة؟
ألا يعرف رئيس الحكومة ورئيس حزب العدالة والتنمية اختصاصات المحكمة الدستورية؟
بعد هذه الاستخلاصات التساؤلات، يمكن الوقوف على تلاعبات في مواقف أطراف هذه القضية.
ويصطلح على هذه التلاعبات خطابيا بالمغالطات.
(يتبع)

 باحث في الخطاب المغربي المعاصر