الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

سارة الضعيف: بطلة المغرب لنهائيات الدورة 5 ل"تحدي القراءة العربي"

سارة الضعيف: بطلة المغرب لنهائيات الدورة 5 ل"تحدي القراءة العربي" سارة الضعيف
باعتزاز كبير، ووعي عميق بثقل المسؤولية التي أصبحت تتقلدها بعدما انتزعت عن جدارة واستحقاق شرف تمثيل المغرب في نهائيات الدورة الختامية لمسابقة "تحدي القراءة العربي"، تتحدث الشابة سارة الضعيف، منتشية بهذا التتويج الذي يحلم كل شخص، ذكرا كان أو أنثى، "ابتلي" بمتعة القراءة أن يحصل عليه.

باتت هذه الشابة المتحدرة من مدينة تارودانت، "حاضرة سوس العالمة"، أكثر وثوقا من نفسها، وبعيدا عن أي شكل من أشكال الغرور، لكونها تمكنت من بلوغ الهدف الذي رسمته لنفسها، والذي كرست له كل ما أوتيت من جد واجتهاد، لتعطي البرهان القاطع على صحة المقولة العربية المأثورة "كل من سار على الدرب وصل".

لم يكن هذا التتويج المذهل الذي حققته سارة الضعيف وهي في ربيعها الخامس عشر محض مصادفة، بل ترعرع ونما معها منذ فترة الصبا حين كان والداها يقرآن على مسامعها قصص الأطفال قبل أن تخلد لنوم هادئ، وهي تصغي بإمعان لمضامين مفعمة بالعبر، والصور الجمالية التي صيغت بأسلوب يواتي سنها وقدراتها العقلية التي ما فتئت مع مرور الوقت تكسب مقومات ذاتية لتطوير القدرة على الاستيعاب، والرقي به إلى مستويات أرفع.

ذلك ما كشفت عنه هذه الشابة اليافعة، التي تتابع بالثانوية التأهيلية "ابن سليمان الروداني" في تارودانت، وهي المؤسسة التعليمية التي تحتفي السنة الجارية بمرور قرن كامل على تأسيسها في 1921، حيث أصبحت سارة رقما إضافيا في قائمة الأسماء التي تألقت على الصعيد الوطني في مجالات العلوم والآداب والقضاء والإدارة... ، والتي كانت في يوم ما تنتسب لهذه المؤسسة التعليمية الرائدة التي كانت تستقبل تلامذة من مختلف مناطق الجنوب المغربي.

وأكدت الشابة سارة الضعيف، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنها لم تبق حبيسة مطالعة، أو الاستماع لما يقرأ على مسامعها من قصص الأطفال، بل وجدت نفسها تنجذب نحو تنويع قراءاتها مع مرور الوقت، والانفتاح على مطالعة مؤلفات ذات اهتمامات ثقافية وفكرية متعددة ومتنوعة، وهذا ما ولد فيها ملكة التأمل ثم التحليل الذي يتيح فهما أعمق لمضامين الكتب التي تطالعها.

كانت أول مشاركة لها في مسابقة "تحدي القراءة العربي" للمرة الأولى عندما كانت تلميذة في السنة الثانية من التعليم الثانوي الإعدادي، أعقبتها بمشاركة ثانية في السنة الدراسية الموالية، لتقرر على إثر ذلك الاعتكاف على تقييم هاتين المشاركتين بعدما تبلورت لديها قناعة رفع التحدي، وبلوغ مرتبة أعلى في هذه المسابقة الثقافية، فكانت أولى المبادرات التي اتخذتها، علاوة عن الاستمرار في قراءة واستيعاب مضامين الكتب، هو تتبع أخبار الأشخاص المتوجين في هذه المسابقة، والوقوف على أسباب تألقهم.

ذلك ما أذكي في نفس التلميذة المجدة سارة قوة متنامية على الكد من أجل كسب الرهان الذي ركبته، إقليميا ثم جهويا. وهذا ما أهلها لتحظى بتشجيع منقطع النظير من طرف وسطها الأسري، وكذا من طرف الإطار التربوي الذي تولى بنجاح مهمة مواكبتها.

هذا ما سمح لسارة الضعيف بأن تتوج على الصعيد الوطني كبطلة للدورة الخامسة من مسابقة "تحدي القراءة العربي "، التي شارك في تصفياتها الثلاث الأولى المنظمة على صعيد جميع المؤسسات التعليمية والمديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، حوالي مليون و600 ألف تلميذ وتلميذة من مختلف الأسلاك التعليمية، من بينهم التلميذات والتلاميذ في وضعية إعاقة، إلى جانب مرتفقي التربية غير النظامية.

وتميزت الدورة الخامسة من هذه المسابقة أيضا بمشاركة حوالي 10 آلاف مؤسسة تعليمية، بالإضافة إلى الإقصائيات الوطنية التي تم تنظيمها "عن بعد"، خلال الفترة الممتدة من يوم 22 أكتوبر إلى يوم 27 أكتوبر 2020، وذلك جراء انتشار جائحة كورونا، م ما أهلها لانتزاع المرتبة الأولى وطنيا من بين 83 ألف متسابق ومتسابقة شاركوا في هذه المباراة على مستوى مختلفة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.

ويعكس هذا التتويج بجلاء الطموح الذي يسعى المغرب لتجسيده والمتمثل في " تغيير واقع القراءة بالمغرب وبالوطن العربي عموما" كما عبر عن ذلك وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، السيد سعيد أمزازي، في كلمة له خلال حفل الإعلان عن تتويج سارة الضعيف وطنيا.

وأشار الوزير بهذه المناسبة إلى أن مشروع "تحدي القراءة العربي" يتقاطع مع مشاريع وطنية رائدة أخرى تم استنباتها في منظومة التربية والتكوين بالمملكة، من أهمها مشروع القراءة من أجل النجاح، أو تحسين التعليم المبكر للقراءة الذي يأتي في إطار دعم الأوراش التربوية المفتوحة لتنزيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015- 2030 ، الرامية إلى الارتقاء بمستوى إتقان اللغات بشكل عام واللغة العربية على وجه الخصوص.

وقد تأتى لهذه المشاريع أن تؤتي أكلها، ولو جزئيا، كما يتجسد ذلك، وبشكل جلي، من خلال تطور المشاركة المغربية في هذه المسابقة التي أضحت مجالا للفخر والاعتزاز، حيث أن الأرقام تشير إلى نمو متزايد في أعداد المشاركين من تلميذات وتلاميذ ومؤسسات تعليمية في هذه المسابقة وغيرها من المسابقات المماثلة، مما يعكس نجاح هذه التجربة وتملكها من لدن معظم الفاعلين التربويين والشركاء الاجتماعيين في المغرب.

ولعل الشابة سارة الضعيف تمثل نموذجا مثاليا للطموحات التي تحذو وزارة التربية الوطنية من خلال إطلاق مختلف المشاريع التي تتقاطع مع مسابقة "تحدي القراءة العربي"، وفي مقدمة هذه الطموحات تغيير واقع القراءة في المغرب.

وبهذا الخصوص تقول سارة: " قصتي مع القراءة قصة عشق لم ولن تنتهي ... فقد تعودت على هذا الامر حتى أني اعتبرته طقسا من الطقوس الأساسية التي لا يمكن التخلي عنها... حيث أصبحت أسبح في بحر الكتب، واكتشف كنوزه من سير ذاتية تشركك في الاحداث بشكل كبير، كما لو أنك كنت في عين المكان رفقة البطل، ومسرحيات تجعلك تتقمص أكثر من شخصية بمختلف أطوارها وتركيباتها... كتب توزعت ما بين الفلسفة، والتاريخ والعقيدة و...، كتب تنمي العقل وتوسع المدارك، بالإضافة الى الروايات التي كانت الأقرب إلى قلبي...".

وزادت قائلة، " ولن أغفل عن ذكر مدى محبتي للنصوص الشعرية أكثر منها النثرية نظرا لما تتميز به من جمالية الأسلوب الساحر... فالقراءة علاوة عن كونها تنمي قدراتي وتسيعها، وتغني رصيدي اللغوي، فهي كذلك تتيح لي الحصول على المتعة عن طريق الإبحار في عقول العظماء والمبدعين".