الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الالاه حبيبي: ثقافة السوق تطارد نبضات الكينونة العابرة للعصور

عبد الالاه حبيبي: ثقافة السوق تطارد نبضات الكينونة العابرة للعصور عبد الالاه حبيبي
ثقافة السوق تختزل الكائن الى رقم، اي إلى كم أصم، سلعة، بضاعة، موضوع للتداول، وسيط لقضاء غايات غير إخلاقية، من هنا كان النصب والاحتيال من جملة الظواهر المقيتة التي تبررها ثقافةالسوق السائدة ... قديما كان هناك حضور لبعض مسوغات هذه الثقافة الكاسحة عندما يقول السمسار المغربي لجمهوره البليد: "الله إجعل الغفلة بين البايع والشاري" " القانون لا يحمي المغفلين" بمعنى أن التجارة هي خديعة والضحية هو الزبون، والضامن هو القانون...
يقول الفيلسوف إريك فروم أن ثقافة السوق تنتج نمطا من السلوك الاجتماعي تختصره عبارته الشهيرة "الشخصية التسويقية" ، أي الإنسان الذي يكون في خدمة المنتوج، والسوق والتبادلات المختلفة، بمعنى أن الإنسان هو وسيلة لكل انواع البيع واشراء، وإذا ابتعدنا قليلا عن الحياء الاجتماعي سنرى أن كل اشكال الوساطة بين البائع والمشتري تدخل في مهام هذه الشخصية، حتى القوادة والمتاجرة في أجساد البشر لها مكانة في المهارات التي تستدعيها الشخصية التسويقية...
في مقابل الشخصية التسويقية نجد الشخصية الإنسانية، أو الكونية، التي  تنهض بمهام مقاومة  ثقافة السوق  بأساليب فكرية وأخرى عملية... يلعب المثقف المستنير دورا مهما في تعزيز هذه المقاومة والرفع من منسوبها الأخلاقي في السلوك الاجتماعي و القيمة الرمزية والتداول الخطابي...لهذا فاضمحلال المثقف هو المدخل الطبيعي لانتصار قيم ثقافة السوق...
حينما يحل ليل الاتجار في كل الوسائل المدمرة للإنسان والحيوان والهواء والماء والحشرات والديدان الحامية للتربة من التلوث المعدني، والبحار التي تبتلعها أساطيل البلاستيك، والقاذوارت العابرة للقارات، والتسمم الغذائي غير الطبيعي واللحم الاصطناعي والتغيير الجيني لجوهر النباتات والخضر والفواكه، حينما تعم وتسيطر بلادة السوق  على العقل والعرائز  ينتشر الجنون بكل اشكاله، تصبح الجريمة المنظمة دولة موازية، واللوبيات وزارات خفية، والعصابات جماعات استشارية، والقوادون حكماء يقترحون أفضل الوسائل لحماية الملذات والشهوات، والإعلام واجهات لترسيخ الصور النمطية لأشخاص وصلوا دون ذكاء وحققوا ثروات دون مجهود وغرباء عن الثقافة والفن والعلم والسياسة يتسابقون لإعطاء النصيحة والمشورة و التوجيهات حتى، ساعتها نكون قد انتقلنا من ثقافة السوق إلى سلطان السوقية....