الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

في الحاجة إلى قامة وطنية لإدارة قناة العيون بمهنية عالية تخرس الخصوم

في الحاجة إلى قامة وطنية لإدارة قناة العيون بمهنية عالية تخرس الخصوم الإعلامي محمد الداه
هي خسارة كبيرة في المشهد السمعي البصري، حيث لم يمهل الموت الإعلامي محمد الداه الأغضف، مدير قناة العيون الذي فارق الحياة بدولة الهند بعد رحلة علاج لم تكلل بالنجاح. الراحل الذي كرس حياته لخدمة هذه المؤسسة الإعلامية التي تعتبر أول تجربة جهوية في إفريقيا والعالم العربي، حيث انطلق المرحوم بفريق صغير من الصحافيين والتقنيين كلهم حماس وحيوية لإخراج هذا المولود الجديد إلى حيز الوجود.
حدث ذلك بتاريخ 6 نونبر من سنة 2004 الذي يصادف ذكرى المسيرة الخضراء، وما لهذه المناسبة من دلالة تاريخية لدى الشعب المغربي. «أشهر معدودة كانت كافية للسهر على تكوين مجموعة من الشباب المنتمي للأقاليم الصحراوية في مختلف تخصصات المشهد السمعي والبصري من طرف أطر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، وقد سهلت قابلية هؤلاء الشباب لدخول عالم الصورة والصوت المهمة على المكونين الذين كانوا في مستوى هذه اللحظة التاريخية». يقول مصدر «الوطن الآن».
في شهادة موثقة في كتاب (أعلام) للإعلامي محمد الغيداني يقول فيها الصحفي محمد الداه الأغضف، مدير قناة العيون عن مرحلة تأسيس وانطلاق القناة: «كانت هذه التجربة فعلا ناجحة، ولا يمكن المرور دون الإشادة بشكل كبير بأطر الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، أي « RTM» سابقا. كان لهم الفضل الكبير في إنشاء هذه القناة وفي تكوين سريع لعدد من الأطر الشابة المنتمية كلها للأقاليم الجنوبية في ظرف قياسي لم يتجاوز ستة أشهر. فأصبح بإمكان هذه الأطر الشابة الصحراوية التي وظفت عن طريق وكالة أنابيك  للتشغيل والكفاءات، كلها أصبحت الآن أطرا تسير القناة، إن على مستوى التقارير الصحفية أو على مستوى التغطية التلفزية، وكذلك على مستوى الإنتاجات. وخلقت نسيجا من شركات الإنتاج بجانب التلفزيون وبدعم منها ليساهم في إغناء برامج هذه القناة».
وشدد الإعلامي محمد الغيداني في شهادته على أنه «منذ إنشائها أثارت هذه القناة حفيظة دول الجوار، حيث أنشئت بعدنا بسنوات قليلة ثماني قنوات تنافسنا على نفس الحوض الذي نبث فيه والذي يقارب حوالي (5 ملايين نسمة) ينطقون باللهجة الحسانية وينتمون لنفس النسيج الإثني والقبلي، فرقهم الاستعمار وهم موجودون في كل تراب المملكة المغربية وفي الشقيقة موريتانيا وفي الشمال الغربي للجزائر وفي الشمال الغربي لمالي..»
 لذلك يعتبر المتحدث نفسه أن أكبر مسؤولية تنتظر المدير الجديد الذي سيخلف الراحل الإعلامي محمد الداه الأغضف هي «تصحيح الأخطاء التي ارتكبت في وقت ما، وفِي ظروف معينة، خاصة أن ملايين الدراهم تصرف على العديد من البرامج والسهرات والمسلسلات دون أن يكون لها وقع  إيجابي على المتلقي الذي يهاجر أحيانا للتلفزيون الموريتاني الذي خلق منافسة قوية لقناة العيون بعدما كان المواطن الموريتاني سنوات 2004/2005/2006 يقتني الصحون لالتقاط برامج قناة العيون لما لها من برامج حوارية متميزة وبرامج وثائقية وفنية وثقافية وجلسات الشعر الحساني والأغنية الحسانية وسهرات فنية متنقلة بين  الداخلة والسمارة وأسا الزاك وكلميم وطرفاية وبوجدور». وأوضح في سياق حديثه عن التجربة بأن الثقافة الحسانية كان لها «حضور وازن في اللقاءات سواء السياسية أو الثقافية أو الرياضية أو الفنية».
 ويرى ضيف «الوطن الآن» أن «انفتاح قناة العيون على شركات الإنتاج الخارجية لتشجيع الشباب على تأسيس مقاولات إعلامية صغيرة ومتوسطة وتوفير فرص شغل جديدة للطاقات التي لم يحالفها الحظ للاندماج داخل القناة، خطوة لم يتم توظيفها توظيفا عقلانيا».
من جهة أخرى يستحضر محاورنا كيف «سخرت الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة كل الوسائل التقنية والبشرية لإنجاح هذه التجربة وقد تأتى لها ذلك من خلال النجاحات التي حققتها هذه القناة على مستوى الأخبار أو (إنتاج البرامج) الداخلية منها على وجه التحديد، وكل ذلك تم في زمن قياسي غير مسبوق خاصة أن المساحة التي تغطيها القناة جد شاسعة وتقترب أن تعادل نصف مساحة المملكة كلها، ذلك أنها تغطي ثلاث جهات وهي جهة كلميم واد نون، جهة العيون الساقية الحمراء، وجهة الداخلة وادي الذهب بالإضافة إلى إقليم طاطا أحيانا .»
وأكد المصدر ذاته أن الراحل الإعلامي محمد الداه الأغضف استطاع أن يخلق مجموعة من «التوافقات الإيجابية مع مختلف المكونات السياسية والحزبية والقبلية بالمنطقة للوصول إلى الأخبار التي يتطلع إليها المتلقي بالأقاليم الجنوبية بالنظر لحساسية المنطقة ونظرا لتجربته الصحفية في الإعلام المكتوب، والعلاقات التي نسجها مع عدد من الفعاليات المؤثرة في صناعة الرأي العام الصحراوي من أحزاب ونقابات وجمعيات المجتمع المدني»، ليخلص في حديثه عن الراحل أن «كل ذلك أهله ليقود السفينة بأمان رغم بعض الارتدادات التي كان لها تأثير سلبي على  توازن السفينة لكن حنكة وفطنة ربانها الراحل الإعلامي محمد الداه الأغضف ونظرته الاستباقية كانت بالمرصاد» حسب رأي ضيف الجريدة.
وعن المسؤول الجديد الذي ينتظر أن يدير القناة بعد رحيل مديرها الأغضف قال مؤكدا «بالطبع لن يجد الأرض مفروشة بالورود، بل تنتظره تحديات كبيرة». وعن هذه التحديات شدد على ضرورة «القطع مع أساليب الماضي والاستعداد لمقاومة لوبيات لها علاقات متشعبة عمرت لسنوات طويلة وذاقت حلاوة (فلوس) القناة وفوتت على شباب المنطقة فرصا حقيقية للشغل وقتلت مبدأ المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص».
وأشار موضحا إلى أن «أغلب البرامج الخارجية للقناة من سهرات وبرنامج الطبخ والبرامج الدينية وحصص الأمداح النبوية وغيرها يطبق عليها قانون تمديد العقود، أي الخلود في شبكة البرامج لسنوات وتقتصر طلبات العروض على ثلاث أنواع من الإنتاجات التلفزيونية، وهي الوثائقيات والمسلسل والسيتكوم كما هو مبين في طلبات العروض الأخير».
واعتبر مصدرنا أن «تعيين مدير جديد للقناة حديث سابق لأوانه، لأنه خارج عن اختصاصات الرئيس المدير العام فيصل العرايشي، لأن المهنية بمفردها لا تكفي لتسيير قناة العيون، فحساسية المنطقة تستدعي مسؤولا له القدرة على تحقيق التوازنات السياسية والقبلية وله قدرة أكبر على مواجهة إعلام البوليساريو والجزائر».
وبالعودة إلى كتاب (أعلام) للإعلامي محمد الغيداني وشهادة الراحل عن مهنية قناة العيون يقول «كنا نعكس رسالة المغرب الحضارية التي تقول ـ يمكننا أن نغير الأشياء سلميا ـ وخصوصا مع مجيء الملك محمد السادس الذي أعطى دفعة كبيرة للديموقراطية والانتقال الديمقراطي الذي أصبح يغيض الأعداء الذين يحكمهم نظام عسكري سواء في العاصمة الجزائر او ذيلهم البوليساريو في تندوف». على اعتبار أن إدارة القناة ـ حسب نفس الشهادة ـ «كنا نعطي في التلفزيون الكلمة لكل المعارضين (السجناء المعتقلين السياسيين السابقين) حيث تزامن افتتاح التلفزيون مع بداية مسلسل الإنصاف والمصالحة والذي كانت تجسده جلسات الإستماع التي عقدت في مراحل المسلسل من بدايته ونحن استمرينا في جلسات استماع أسبوعية، كنا نعطي فيها الكلمة لمعتقلي قلعة مكونة وأكدز ليعبروا بكل حرية و كل ديموقراطية عن آرائهم و همومهم حتى أصبحنا هدفا دسما لانتقاد عدد من الأعيان الذين حاولوا إسكات هذا المنبر ولكنهم لم يستطيعوا، أولا لأنها إرادة ملكية في إرساء إعلام جهوي حقيقي إعلام القرب من المواطن و بالتالي كانت تجربة رائدة أصبحت الآن حتى الجهات في نسختها الجديدة تريد أن تحاكيها، وثانيا أن المواطن يريد أن يرى على شاشته ما يمكن أن يشاهده من نافذته، يعني أن نتحدث عن مشاكل مدينته ومشاكل الصحة مشاكل الصرف الصحي ومشاكل التمدرس...أقرب إلى قلبه عن ما نتحدث عن ما يجري في العراق أو سوريا..»