الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

مسطرة تأهيل الأئمة تكشف رعاية وزير الأوقاف لتنطع مشيخة الأصولية لعلماء السلطان!

مسطرة تأهيل الأئمة تكشف رعاية وزير الأوقاف لتنطع مشيخة الأصولية لعلماء السلطان! أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية (يمينا) ومحمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى

كما وعدنا في مادة: "بشأن القيمين الدينيين.. وزير الأوقاف يجعل جند أمير المؤمنين يتامى في لعبة مشيخة الأصولية"، سنخصص وقفة اليوم، لسياق مسطرة تأهيل الأئمة والمؤذنين والخطباء، وخلفيتها الراجحة.

 

إلا أنه تجدر الإشارة، في مسكوت هذه المادة، إلى أن إخراج مرور وزير الأوقاف بمجلس المستشارين في البرلمان، قد يهم المشتغلين بالعلوم السياسية، من مدخل أن صاحب سؤال الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، والمعروف بنبرته النقدية، كان بصيغة طرح السؤال، في موقع توطئة الأكناف لصولة وزير الأوقاف، فخرج سؤاله عن مقتضى فلسفة فصل السلط وتوازنها، وهو ما يجعل من البرلمان منصة لتبادل الخدمات البينية. فضلا عن الانخراط غير المباشر لحزبنا العتيد هذا، من خلال هذه النازلة، في مخطط خلخلة المعمار المذهبي للبلاد، لصالح مشيخة الأصولية، والطعن العرضي في موقف مستضعفي الحقل الديني.

 

فما هو، بعد هذه الإشارة/ الاستدراك، سياق وخلفية مسطرة تأهيل القيمين الدينيين؟ للجواب عن ذلك، لا بد من كرونولوجيا هذا المسرد:

 

1- في 30 يناير 2020، بعثت الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، مذكرة إلى رؤساء المجالس العلمية المحلية، في موضوع: "إيقاف تنظيم اختبارات التزكيات وتسليم الشهادات"، جاء فيها: "قد تقرر إيقاف جميع العمليات المرتبطة باختبارات التزكية بجميع فروعها، إلى إشعار آخر، بما في ذلك تنظيم الامتحانات وتسليم الشهادات". وقد جعلت المذكرة هذا الإجراء مندرجا "في إطار مشروع تطوير عمل المؤسسة العلمية، وتحسين آلية اشتغالها، في سياق مقاربة شمولية للتدبير الإداري والعلمي".

ولعل هذه المذكرة وقد تم بعثها بصيغة : "مستعجل"، تثير التساؤل عن سياق هذا الاستعجال؛ حيث يجد هذا التساؤل تفسيره، بالعودة قليلا إلى تاريخ 21 يناير 2020، وقد تم في الرباط تسجيل احتجاج الأئمة المجازين، بمحاولة تنظيم وقفة أمام ضريح محمد الخامس وصومعة حسان إلا أنه تم منعهم، ليتم تنظيمها أمام المجلس العلمي المحلي. وقد أصدرت الوزارة بيانا كشفت فيه عمن أسمتهم بالمحرضين، واعتبرت هذا المسلك منافيا للضوابط القانونية، في باب السلوك والتظلمات. وبهذا يظهر أن محاولة الاستجارة بضريح محمد الخامس، والاحتجاج أمام مؤسسة علمية، كانت قاتلة بالنسبة للوزارة. فكان رد فعلها الفوري والعنيف. ولا يختلف بيانها هذا بالأمس، عن بيانها اليوم، في 11 ماي 2021، وهو يتوعد "التشويش على الأئمة"، من قبل "بعض المواقع الالكترونية". في حين يفترض الآن أن تدافع الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، عن اختيار مسطرتها.

فهذا السياق الأمني والرمزي تم توظيفه، وباستغفال حواس الدولة من أجل تدشين أولى خطوات شمولية المشيخة العلمية. ذلك أنه بعد أكثر من سنة، مع ضياع مصالح المرتفقين المفترضين، سيتم الإفصاح عن هذه الخلفية بأهداف وتبريرات، هي ما زالت محط نقاش.

 

2- في 26 مارس 2021، تم الإعلان عن مسطرة تأهيل القيمين الدينيين. وقد أطرتها مذكرة: "في شأن شهادة التأهيل لممارسة المهام الدينية"، بهدف "وقاية للمساجد وتنمية لها". كما أطرها "تقديم"، اعتبر مسطرة التزكية المعمول بها سابقا، "بحاجة إلى إعادة النظر فيها شكلا وجوهرا، مما اقتضى تشكيل لجنة علمية ذات خبرة ودراية، تولت النظر فيها، وانتهت إلى وضع صيغة بديلة يرجى أن تكون -إن شاء الله- خالية من الملاحظات الموجهة لسابقتها".

وبهذا يظهر من خلال هذه المذكرة وهذا التقديم، أن وقاية المساجد تحتاج إلي توضيح في ظل هيمنة الأصولية علي المجالس العلمية، مع إخضاع القيمين الدينيين لعبث مسطرة التأهيل مجددا عند كل عملية تغيير للمسجد. كما أن تقييم المسطرة السابقة، بقي حبيس صدور البعض، غير معروف، كما أن خلية الوزير الأصولية التي تم نعتها بـ "لجنة علمية ذات خبرة ودراية"، التي تولت إعداد هذه المسطرة البديلة، تجهل (بضم التاء) مشروعية تشكيلها، وهي تندرج في سياق معادلة مغايرة.

 

3- ومع أن مذكرة الأمانة العامة طلبت من رؤساء المجالس العلمية الالتزام بما ورد في مسطرة التأهيل، و"العمل بما نصت عليه ابتداء من تاريخه"، فإنها بقيت، للثغرات التي تعتورها، تراوح لحظة الميلاد.

وقد تمت بشأن هذه المسطرة، اجتماعات المجالس العلمية الجهوية بالمناديب الجهويين يوم الثلاثاء 6/4/2021. وهي اجتماعات بدون وظيفية. هي فقط لامتصاص المواقف الرافضة لها أو المتحفظة عليها. وبإطلالة بسيطة على هذه الاجتماعات، ستتم ملاحظة أن معظمها كان متوازنا، وهناك من تعاطى فيها، بحس نقدي معها . لكن الاجتماعات التي أطرها أفراد الخلية التي تقف وراء هذه المسطرة، فإنها أصرت على "قولوا العام زين"، حتى "ولو طارت ماعزة". ويمكن أن نخمن في هذا، حصاد اجتماع المجالس العلمية بجهة الشمال، التي يردد فيها منسقها الجهوي الأستاذ محمد كنون جهارا مقولة "إنما العاجز من لا يستبد". إذ من الطبيعي أن يسوق في كل الاتجاهات، انطباعات ومواقف ومحاضر غير مطابقة للواقع، تندرج في باب التدليس.

 

4- وجاءت مذكرة الوزارة في 8/4/2021 حول "التدابير المواكبة لمسطرة تنظيم اختبارات شهادة التأهيل"، لتؤشر على الشروع العملي في التطبيق. ذلك أن تزكية الوزارة لهذه المسطرة، وبعيوبها أمر طبيعي. فمع الخلية الأصولية لوزير الأوقاف، كانت هناك مساهمة لتكنوقراط الوزارة، الذين عملوا منذ سنوات خلت وبالتنسيق مع بعض رموز الأصولية في المؤسسة العلمية، للتمكين لمشيخة الأصولية ،وللجمعيات الأصولية في تدبير الحقل الديني.

ولا بد في هذا المسرد، من الإشارة إلى درس الوزير التوفيق في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، يوم الأربعاء 7/4/2021، تحت مدخل: "وشم التبليغ: التربية الخاصة لمادة الإرشاد"، بهدف حثهم على مباشرة الوعظ وفق هذا الوشم. حيث كنا أمام أحد تعابير المشيخة العلمية، بتناص مفاهيم التبليغ والتوحيد والحرية، الواردة في هذا الدرس، مع تلك التي وردت في كتاب "سبيل العلماء"، إنجيل تنطع المشيخة الأصولية لعلماء السلطان...

 

أما بعد، فقد ظهرت معالم "مشروع المؤسسة العلمية"، كما خطط له وزير الأوقاف، ونفذه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى .. وهذا العطب، حتى لا نلقي كامل المسؤولية على العلامة سي محمد يسف، يرجع في جانب منه إلى بعد مؤسساتي، وهو أن دسترة المؤسسة العلمية، لم يغير من وضع الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، ككاتب عام ثان لوزارة الأوقاف، بصرف النظر عن تسمية الأمين العام. هذا بالرغم من كون هذه الدسترة لا تسمح للوزير، لا بافتتاح الدروس الرمضانية، ولا بختم صحيح البخاري في حضرة مقام أمير المؤمنين. لذلك فوزير الأوقاف، هو في موقع السهر على هذه الفوضى "الخلاقة"، في الحقل الديني، وفي تجاوب تام مع مخطط "عسكرة" الظاهرة الأصولية في البلاد. ولا نملك أمام هذه العقلية الانقلابية على التأطير القانوني والمذهبي لتحملات مرجعية إمارة أمير المؤمنين -روح القدس معه- إلا الدعاء: "رب اجعل هذا البلد آمنا"!