الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بنمبارك: الأزمة في الأردن.. محاولة لفهم ما جرى (2/2)

محمد بنمبارك: الأزمة في الأردن.. محاولة لفهم ما جرى (2/2) محمد بنمبارك

في الوقت الذي كانت فيه اهتمامات حاكم الأردن، منصبة حول البحث عن حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وإكراهات جائحة "كورونا" فضلا عن استمرارية حراك الشارع وتظاهراته لتحسين الأوضاع المعيشية، برز على السطح احتجاج مغاير لاح من داخل أسوار القصر إنه "انتفاضة أمير" تظهر أن هناك خلافا بين أحد الأمراء والملك، وهو أول نزاع صريح من نوعه داخل الأسرة الهاشمية الحاكمة، ومحاولة استغلال جهات خارجية لهذه الأوضاع لتنفيذ أجندات سياسية مهددة لنظام الحكم.

 

الحادث جلب أنظار العالم ودفعه دون تردد إلى التعبير عن دعمه وتضامنه مع المملكة، فيما الأردنيون تفاعلوا مع الأزمة بهدوء وسكينة، واكتفوا بمتابعة الأخبار واضعين ثقتهم في الملك عبد الله الثاني، لمعالجة الأزمة بالطريقة التي تؤمن استقرار البلاد وتقيها من مآسي وكوارث ما تعيشه شعوب دول الجوار.

 

أخطر ما في انتفاضة الأمير حمزة، لما كشفت السلطات الأردنية عن أن هذه المؤامرة تقف وراءها أطراف خارجية، لم تفصح عنها على الأقل في انتظار استكمال التحقيقات، ورغبة من النظام الأردني التركيز، في هذا الظرف العصيب، على معالجة تداعيات هذا الحدث محليا، بغاية تحصين الجبهة الداخلية والتمكن من الإلمام بالقضية بكل خيوطها وتفاصيلها. لاسيما بعدما تبين أيضا أن لبعض العشائر علاقة ما بالمخطط، مما يؤشر إلى تشعب القضية، وما قد تخلفه من تداعيات على العلاقة بين القصر والعشيرة التي تمثل صمام الأمان للنظام الملكي.

 

ويبدو أن احتجاج الأمير حمزة، ولي العهد السابق، على سوء تدبير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتفشي الفساد والمحسوبية بالبلاد، والإعراب عن تضامنه مع مطالب الشارع وتحركاته بين العشائر والإدلاء ببيانات، فاجأ الرأي العام المحلي والدولي بالطريقة التي لجأ إليها للعبير عن آرائه، عبر الاحتجاج العلني على أشرطة فيديو وكأنه مواطن عادي، متغافلا وضعه كأمير وأخ للملك وأحد أعضاء الأسرة الحاكمة بالبلاد في تعارض صريح مع القواعد الدستورية المنظمة لتحركات ونشاطات أفراد الأسرة الحاكمة. فلم يقدم مشروعا إصلاحيا بديلا يلجأ من خلاله إلى أخيه الملك عبد الله الثاني، للتداول معه في قضايا الشأن العام في إطار المشورة وتبادل الرأي والنصيحة إن اقتضى الحال بما يخدم مصالح البلاد.

 

وقد ذهب بعض المراقبين في تفسيراتهم إلى اعتبار أن الموقف لا يعدو فورة بركان غضب كان خامدا لسنوات بعد قرار تنحيته من ولاية العهد سنة 2004، فقد قال الأمير حمزة صراحة: "أنا كنت وليا للعهد بأمر من والدي.." الملك الراحل الحسين بن طلال، فكتم غيضه منذ ذلك الحين ليعبر عنه اليوم بالطريقة التي وضعت الأردن اليوم في قلب الحدث، هددت أركان الحكم في البلاد وسلطت الضوء على مشاكل من طبيعة أخرى مسكوت عنها تتعلق بخلافات داخل الأسرة الحاكمة.

 

كل ذلك،  يطرح أكثر من استفهام لسبر غور ما خفي في ردة فعل الأمير حمزة، وفيما إذا كانت نواياه صادقة تعبر عن وجهة نظره بشأن الأوضاع في البلاد؟، أم هي أوهام وطموحات عبثية غير محسوبة العواقب؟، أم أن الموقف له علاقة بمؤامرة مرتبطة بأجندة خارجية مناوئة لسياسة وتوجهات الملك عبد الله الثاني، حول مواقفه بشأن مستقبل المنطقة ومشاريع التسوية المطروحة، التي تعكس تطلعات اللاعبين السياسيين الجدد بالمنطقة ومن يقف خلفهم، كانت بصدد التحضير لإحداث انقلاب من داخل الأسرة الملكية دون أن يمس جوهر النظام؟

 

بالتأكيد لن يقف الأردن مكتوف الأيدي إذا ما تبث لديه، من خلال التحقيقات الجارية، خلفيات تدخل خارجي في شأنه الداخلي. لكن وحتى لا نستبق الأحداث، سيظل ملف القضية مفتوحا إلى حين تمكن الأجهزة المختصة، التي حسب التجارب تتمتع بمهنية وكفاءة عالية، من الكشف عن كل التفاصيل "مؤامرة، مخطط، فتنة، محاولة انقلاب..." التي كانت تستهدف تقويض الحكم في البلاد. إلى ذلك الحين لن تنقطع تساؤلات الأردنيين بالدرجة الأولى التي تتطلع إلى معرفة نتائج الحقيق ومن هي الجهات الخارجية التي  تقف وراءها، لأنه سيكون من الصعب ترك الحادث دون إطلاع الرأي العام المحلي ومعه الدولي على مدى حقيقة تهمة المؤامرة. وهل هي داخلية صرفة أم خارجية أم مترابطتان مع بعض، لذلك سيظل الموقف مشوب بالغموض إلى حين.

 

ومن غير المنتظر أن يكشف الأردن عن كل ما يتوصل إليه من نتائج أو استنتاجات بحكم عدة عوامل ضاغطة، بل قد يكتفي باستخلاص الدروس والعبر مما حصل وتوجيه إنذارات مبطنة إلى "من يهمه الأمر" لطي هذا الملف، وبغية عدم الدخول في متاهات وصراعات تزيد من تعقيد الأوضاع وتشنج العلاقات مع طرف ما. والاتجاه يركز حاليا لدى القيادة على إعادة ترتيب البيت الهاشمي وتحصينه ومحاولة تطويق هذه الأزمة.

 

ولا أدل على ذلك من ظهور الأمير حمزة إلى جانب الملك عبد الله الثاني رفقة أفراد من الأسرة الهاشمية، بمناسبة مئوية تأسيس الدولة الأردنية، بعد الأزمة التي هزت الأردن مؤخرا، بما يفيد طي ملف هذا الخلاف، وكأن فورة الأمير لا تعدو "زوبعة في فنجان". وهذه إحدى نقاط القوة التي تنفرد بها الأسرة الهاشمية، وهو ما جعل المملكة محصنة منيعة متماسكة من الداخل رغم كل المحن والأزمات والمؤامرات التي حيكت ضدها.

 

منذ اندلاع ثورات الربيع العربي تعيش البلدان المجاورة للأردن، كسوريا، لبنان، مصر، العراق صراعات وأوضاع متقلبة ومتردية، فضلا عن الوضع المأساوي للفلسطينيين بالأراضي المحتلة، فليس من مصلحة الأردنيين والخليج وباقي دول الجوار وغيرها، أن يتم العبث بأمن واستقرار الأردن، لما يخلفه ذلك من متاعب جديدة على الأوضاع في المنطقة، التي لا تحتمل هزة أخرى.

 

فالأردن الآمن المستقر بفضل دهاء وحنكة قيادته، وبراغماتية طبقته السياسية وواقعية شعبه الذي حصر مطالبه في الحراك في تحسين الأوضاع المعيشية دون أن يذهب أبعد من ذلك، كل هذه المكونات تعي جيدا المصاعب المترتبة عن العبث بمصير ومستقبل البلاد، لذلك تجدهم يتوحدون خلف شعار "الأردن أولا" حفاظا على كيانهم وانطلاقا من تجربتهم الغنية على مدى سنين طويلة، في التعاطي مع المشاكل التي تتخبط فيها المنطقة وما يعتريها من مخاطر ومهالك.

 

- محمد بنمبارك، دبلوماسي سابق