الثلاثاء 19 مارس 2024
سياسة

عصيان علماء السلطان في ترسيم المشيخة العلمية بالتضمين الوهابي-الإخواني!

عصيان علماء السلطان في ترسيم المشيخة العلمية بالتضمين الوهابي-الإخواني! أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية (يسارا) ومحمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي

إن السعي الرسمي لتأسيس المشيخة العلمية، وهي تعتدي على تاريخ البلاد وثوابتها، وعلى مرجعية إمارة المؤمنين، وهي تمكن لتسلل ابن تيمية إليها، وهي تجعل مهمة تبليغ العلماء، متعالية على الثوابت، وهي تنزلق إلى نعت مخالفي رؤيتها من أهل الدار بـ "السوداويين" المبتلين، بـ "المخالفة والوقيعة".

 

هذا السعي قد تجاوز عتبة التنظير إلى ترسيم أولى خطوات تكريس الشمولية الأصولية. حيث تأتي المسطرة الموحدة لتنظيم شهادة التأهيل لمهمة الإمامة أو الخطابة أو الآذان، التي أصدرتها الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، في 26 مارس 2021، لترجمة هذا التوجه الشمولي. وهي المسطرة التي سبق أن بلورت بشأنها إشارة أولية، لما قلت في مادة سابقة عن مؤلفي كتابي، سبيل العلماء والمشيخة العلمية: "وهؤلاء من "الخلية" الأصولية لوزير الأوقاف، وهي تتولى الكثير من مهام الالتباس في هندسة الحقل الديني، آخرها فرض مسطرة ملغومة لتعيين القيمين الدينيين، وفي ضرب واضح للجهوية، وللحكامة الإدارية، ولمن تبقى من "المغاربة" في المساجد، فضلا عن المساس باستقرار وظيفة بيوت الله، وخصوصا في العالم القروي".

 

وهنا سنقف على أمرين، في توجه هذه المشيخة الكلياني، وخلفيتها المتنطعة:

1- إن الذين نظروا لمشيخة العلماء، هم أنفسهم الذين صاغوا هذه المسطرة مع تكنوقراط الوزارة، وبمباركة الوزير التوفيق. ويظهر أن خلية الوزير لا تفقه لا في الأمور النظرية (المشيخة)، ولا في الأمور التدبيرية (المسطرة). وكل هذا يؤثر سلبا على صورة المؤسسة العلمية. وهنا لا بد من الانتباه لأسلوب عمل الوزير، إذ يمكن من جهة للتسيب الأصولي، حتى في وظيفة المؤسسة العلمية. ومن جهة أخرى، يتقدم بـ "مشاريع" لصاحب الأمر، في مسمى التأهيل، وهي في واقع الحال تندرج في سياق التخريب الممنهج للمعمار المذهبي للبلاد، على نهج سيره في سحر قلب الأعيان. وكلما انتقده الديموقراطيون، سارع الأصوليون لانتقاده أيضا لاستغفال حواس الدولة.

 

وأكيد أن شهية الزحف لن تقف عند حد هذه الخطوة. فما كانت تمارسه المجالس العلمية من محو الأمية، وتحفيظ القرآن الكريم، والتكوين الشرعي، كانفلاتات تنظيمية، تزاحم اختصصات مندوبيات الشؤون الإسلامية، سيتم لاحقا من منظور الرهان الأصولي للمشيخة العلمية، تفويت صلاحيات الإشراف على برنامج محو الأمية، والكتاتيب القرآنية، والتعليم العتيق، إلى هذه المجالس، مما يعني أن الانفلاتات المذهبية التي يعرفها تدبير هذه القطاعات، ستتحصن أكثر بحماية المشيخة العلمية.

 

وبهذا، فإن مشيخة العلماء، بالتضمين الأصولي كوصي على ضمير الأمة، تريد الخروج من نطاق التوجيه المعنوي الروحي، إلى ممارسة السلطة الإدارية، وقد نسي أصحاب هذا التنظير، أن ممارسة السلطة الإدارية قد يجر هذه المشيخة إلى القضاء، في حال الشطط في ممارستها. فأي اعتبار سيبقى للعلماء؟ لكن مع الأسف، فأصحاب المشيخة الأصولية، يسكنهم "هوس" السلطة. وهذا سينال من مقام العلماء... وعلى فرض سلامة الطوية في هذا التوجه المحموم للمشيخة العلمية، فإن الجميع، مع مشيخة علمية ربانية، من منطلق ثوابت البلاد كما هي، تتمتع بسلطة روحية، وليس إدارية... وأكيد أن في هذا الفصل، وصلا لتوازن السلط في الحقل الديني، بين المجالس العلمية، ومندوبيات الشؤون الإسلامية.

 

2- أما فيما يخص الإحاطة بمضمر القصد من خطاب "مشيخة العلماء" حاليا، فيستحسن العودة إلى مقال للباحث محمد المرابط، في "الاتحاد الاشتراكي" في غشت 2001، تحت عنوان: "علماء السلطان والمشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي"، اعتبر فيه أن ترجمة هذا المشروع لخطاب العرش يومئذ، تتوقف على ثلاثة مطالب:

أ- تفكيك حزب وزير الأوقاف.

ب- تغيير الصورة السلبية التي تطارد علماء السلطان.

ج- إعادة الانسجام لرؤيتنا للذات وللعالم من خلال فقه المقاصد.

حيث جاء في بيان مطلب تغيير الصورة السلبية التي تطارد علماء السلطان، أن "المقري الجد، يعتبر أن شر العلماء، علماء السلاطين. وله تشخيصه في هذا الباب. لذلك من مصلحة هذا المشروع تغيير هذه الصورة. وللدولة كما للمجتمع، ما يكفي من العلماء ذوي المصداقية. ويتطلب هذا، القطع مع المؤلفة قلوبهم ومع الخوارج عن مذهب البلاد في مواقع الخطط الدينية. فقد جعل هؤلاء وأولئك الدولة في موقع التخريب الذاتي لأسس بيتها الداخلي. كما جعلوا المجال الديني مرتعا للفساد والدسائس والإرهاب.."

 

طبعا هذا المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي أطلق عليه الوزير التوفيق رصاصة الرحمة بتجريم الحداثة دينيا، في درس رمضاني، محتفيا بمقدم "الحكومة الملتحية". وهو الذي حاول باسم المشيخة العلمية تجريد أمير المؤمنين من اختصاصه الدستوري في تعيين أعضاء المجالس العلمية المحلية، سنة 2020. لكن يقظة المجتمع والدولة أفشلت هذا التجلي الواضح، لمخطط الانقلاب الأصولي في الحقل الديني.

 

ولفهم ما يجري الآن يمكن القول، بأن الأصوليين أصبحوا يمثلون علماء السلطان. وبما أن هذه الصفة تحرجهم، لأنهم من قبل كانوا ينتقدون علماء السلطان، فإنهم ينحتون مصطلح مشيخة العلماء بدل ذلك، بالمضمون الوهابي/ الإخواني، مع تأسيس علاقة الندية بالسلطان. لذلك كان تركيز حديثهم على انبناء إمارة المؤمنين على البيعة "الشرعية"، وليس على بيعة المغاربة، مع احتكار تحديد مواصفات هذه الشرعية للابتزاز...

 

بهذا يمكن تفسير سلوك الأستاذ أحمد الريسوني لما طعن في أهلية أمير المؤمنين، بعد أن ألقى درسا في حضرة مقامه.. ذلك الطعن كان لإبعاد المعنى القدحي فيما يعتبرونه معرة علماء السلطان.. لذلك فالمعارضة العلنية لبعض القرارات الرسمية التي يمارسها بعض وجوه الحقل الديني، إنما تجد إعرابها في هذا المسعى. وهكذا أصبح هؤلاء، يأكلون النعمة، ويلعنون الملة.

 

أما بعد، فالتأسيس الرسمي لمشيخة العلماء، هو لا ينفصل عن مفارقة كبيرهم أحمد الريسوني.. فوجب تفكيك خائنة الأعين في هذا الباب، لإبطال سحر قلب الأعيان. "قل كل متربص فتربصوا.. فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى"...