إن وقوف القوى السياسية والأحزاب المعارضة مسافة بعيدة عن الحزب الحاكم وخلق هوة بينها وبينه دليل على الاختلاف الكبير التي تتمتع بها تلك الأحزاب مع النظام الحاكم أو الحزب الحاكم، ووقوف الكثير منها بمسافة واحدة من النظام الحاكم هو دليل آخر على الضعف الذي تعاني منه تلك الأحزاب والقوى السياسية في منظومتها الفكرية والشعبية، وهذا يعود لأسباب متنوعة منها داخلية تتمثل في خلايا التنظيمات وعدم إيمانها بالديمقراطية داخل منظومتها الحزبية، وثانيا - إيمانها بقيادة الزعامات السياسية وهذا ظهر جليا ليس في اطر الأحزاب الإسلامية فحس، بل حتى الأحزاب العلمانية أو التي تدعي الليبرالية.
وعلى الرغم من مطالبة تلك الأحزاب بمفهوم الديمقراطية التي تمثل العدل والمساواة وتوزيع الثروات توزيع عادل على أبناء المجتمع، وبما أن الأحزاب المعارضة تمثل نبض الشارع الوطني باعتبارها الوصية على مقدراته والمعارضة لتوجهات النظام الحاكم، إلا أنها تعاني من الخلافات والانشقاقات الداخلية بسبب ممارستها التعسفية لمفهوم الديمقراطية داخل الحزب، من خلال سيطرة مجموعة من الرموز أو القياديين على هرم قيادة الحزب وجعل طوق أو حزام امني يصعب اختراقه من قبل القواعد الأخرى، وهذا مما يجعل الأمل مفقود في تجدد الدماء الشابة والواعدة، وللوصول إلى سدة القيادة في تلك الأحزاب.
وهذا مما يجعل الأحزاب تكهل وتتعكز على رموزها وطروحاتها القديمة غير آبهة بكل مظاهر التجديد، وهذا مما يجعلها تفقد قواعدها الجماهيرية في الشارع وانشقاق البعض عن صفوفها . وهناك أحزاب معارضة دينية بنيت على أسس تقليدية جامدة لا تؤمن أصلا بمبدأ الديمقراطي كمنهج أو مفهوم ،فقد قامت على زعامات دينية أو طائفية أو قبلية أو مناطقية أو أثنية تحمل بين طياتها روح التفرد والإقصاء لمكونات الشعب الأخرى نافية بذلك روح العمل الديمقراطي . كما أنها تعتمد في العادة على قيادات تاريخية أو زعامات اجتماعية ودينية دون أن تمارس الديمقراطية داخلها.
وإن غياب الديمقراطية في اغلب صفوف أحزاب المعارضة العربية جاءت نتيجة غياب عامل التثقيف بين كوادر الحزب وعدم الإيمان بالتعددية الفكرية والسياسية وهذا ما أثبتته الكثير من التجارب في صفوف المعارضة بأنها لا تستطيع التعايش والتوافق فيما بينها ضمن جبهة واحدة وهذا من ابرز عوامل الضعف الذي تمتاز به المعارضة حيث أصبح هذا التناحر والتنافر ظاهرة سياسية تستمر باستمرار الإهمال والجهل والتجاهل لمفهوم أسس الديمقراطية حيث أن غياب الديمقراطية تدل على النضوج الغير متكامل لعقلية القوى السياسية والتشوه الفكري الذي تعيشه كيانات الأحزاب . وكذلك غياب الديمقراطية في الدولة (النظام الحاكم ) من ناحية وفي المجتمع من ناحية أخرى ساعد على تصدع مفهوم الديمقراطية في المنظومة السياسية للأحزاب العربية المعارضة.