الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: الجزائر ووقت التغيير.. التسويف سلعة بائرة

كريم مولاي: الجزائر ووقت التغيير.. التسويف سلعة بائرة كريم مولاي
جمعة جديدة من المظاهرات الشعبية العارمة في أغلب المدن الجزائرية، والشعار واحد لا تبديل فيه ولا تغيير: "نريدها دولة مدنية لا عسكرية".. لم تفلح كل الاستعدادات الأمنية وقبلها كل رسائل التخويف والترهيب سواء تعلق الأمر باعتقال قادة الحراك وعناصره الفاعلين، أو من خلال الترويج لمشروع سحب الجنسية من بعض رموز المعارضة، أو عبر بطاقات الجلب الدولية، بل والتفاهم مع فرنسا على تفعيل اتفاقيات التسليم الخاصة بالمطلوبين.. لم تفلح رسائل الترهيب هذه في دفع الجزائريين إلى البقاء في بيوتهم ووقف المظاهرات المطالبة بالتغيير..
ما لم يفهمه قادة النظام العسكري في الجزائر، أن الجزائر عام 2021 لم تعد جزائر التسعينيات، ليس فقط لأن وسائل الاتصال أصبحت سلاحا مشتركا بين الشعب والنظام على حد سواء، وإنما لأن جدار الخوف الذي أرهب الجزائريين أيام العشرية السوداء قد سقط.. في العاصمة الجزائر ووهران وبجاية وسكيكدة وتيزي وزو، تعالت الأصوات مجددا بأن مطلب التغيير لم يمت..
الجديد في المظاهرات التي تحدت كل الاستعدادات الأمنية، فضلا عن أن وباء كورونا لازال يطوف بالعالم حاصدا الأرواح من دون أن يتمكن العلماء في الوصول إلى لقاح مانع للوفاة بسببه.. أنها تأتي بعد إعلان الرئيس عبد المجيد تبون خارطة طريق قال بأنها كفيلة بتحقيق الإصلاح السياسي المنشود، والوصول إلى مؤسستين تشريعية ومحلية منتخبة، يمكنها أن تضطلع بواجب التغيير..
يعرف الجزائريون قبل غيرهم من شعوب القارة السمراء والعالم العربي، أن لغة التسويف لم تعد تجدي، وأن الثقة في وعود العسكريين، لا سيما إذا كانوا من النوع الذي يأخذ تعليماته من أطراف خارجية، لا معنى لها، ولذلك قالوها صراحة: لن نعود إلى ديارنا إلا إذا تمكنا من إعادة العسكريين إلى ثكناتهم وتمكين المدنيين من إدارة دولتنا..
لم أستغرب من طلب القضاء في الجزائر من الأنتربول أن يسلمه عددا من النشطاء الجزائريين في الخارج بتهمة الإرهاب.. فقد صدرت بحقي أيضا بطاقة جلب لا تختلف في أسبابها وأهدافها عن تلك التي تم إصدارها بحق الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت والإعلامي الاستصائي أمير دي زاد والضابط السابق هشام عبود والعسكري محمد عبد الله، فهؤلاء جميعا هم جزء من أصوات جزائرية أدركت أن الحرية مطلب ضروري لبلادنا، وأنها تستحق التضحية..
قد لا يكون هؤلاء الذين تم الإعلان عن أسمائهم هم المطلوبون فعلا للعصابة الحاكمة في الجزائر، فهنالك ضباط عسكريون وأمنيون نافذون فروا من جحيم المحرقة التي يعرفها صناع الأجنحة في المؤسستين العسكرية والأمنية، وإنما هم جزء من خطة أشمل للتغطية على الفشل الذريع الذي تعرفه المؤسسة العسكرية في فرض حكمها على شعب استوت في نظره الحياة والموت، لا سيما في أعقاب الجائحة التي أبانت بوضوح عن عجز كبير في حماية أرواح الناس.. وغدت الجزائر الغنية بنفطها وغازها تتسول اللقاحات على أبواب موسكو وبيكين بعد أن أدارت فرنسا ظهرها إلى مستعمراتها وهي تواجه الموجة الثالثة من الجائحة.
ما يجب أن يدركه الفاعلون في إدارة الشأن الجزائري اليوم، أن سياسة التسويف التي تم اعتمادها طيلة العقود المنصرمة من عمر ما سمي زورا وبهتانا بـ "دولة الاستقلال"، لم تعد تجدي نفعا، وأنه حان الوقت للشعب الجزائري ليتحمل حقه في تقرير مصيره، فقد بلغ سن الرشد ولم يعد في حاجة لا إلى الوصاية العسكرية، ولا إلى الولاية بالإنابة عن الاستعمار..
 
كريم مولاي، خبير أمني جزائري / لندن