جدال حاد أثير بخصوص الأستاذة المتعاقدين أو الذين فرض عليهم التعاقد وبالرجوع إلى التاريخ يتضح جليا للمهتمين بالمسألة التعليمية انه ومنذ الاستقلال فشلت الحكومات المتتالية على تدبير الشأن العام في إصلاح التعليم رغم أنها قدمت ما يزيد عن 11 برنامجا للإصلاح وكل برنامج كان ينطلق من فشل سابقه والقاسم المشترك بين هذه الإصلاحات ككل هو التخلص من عبئ التعليم العمومي ومن كلفة أجور رجال ونساء التعليم رضوخا لإملاءات المؤسسات الدولية الدائنة وبالرغم من أن محاولات الإجهاز على الحق في التمدرس لأبناء الشعب قوبلت وعلى الدوام بمواجهة عنيفة ترجمت على شكل احتجاجات عارمة هددت السلم الاجتماعي في 23 مارس 1965 مثلا حين منع العديد من أبناء الشعب من الولوج إلى التعليم الثانوي لمواصلة الدراسة تحت مبرر السن المحدد لذلك والذي قرره وزير التعليم آنذاك. وما نراه حاليا يشبه ما وقع بالأمس حيث مازالت شوارع مختلف المدن تشهد العديد من الاحتجاجات تطالب بإسقاط التعاقد لان التعاقد ليس له من معنى سوى تبضيع وتسليع منظومة التعليم ككل بعد أن تم تفويت العديد من القطاعات المرتبطة بالتعليم إلى شركات المناولة وتحديدا البستنة والنظافة والحراسة والإطعام وحتى مربيو ومربيات التعليم تم تفويتهم لجمعيات تتحكم فيهم وفيهن وفق هواها حيث لا تسري عليهم وعليهن مقتضيات قانون الشغل فلا حد أدنى للأجور ولا تعويض عن العطل ولا هم يحزنون بمعنى أن هذا التفويت كرس للهشاشة بشكل مطلق للعاملين في مختلف القطاعات ذات الارتباط بالتعليم.
وبالإضافة إلى هذا كله فقد كرست الدولة طبقية التعليم ومكنت العائلات الكبرى من الولوج إلى معاهد البعثات الأجنبية لإنتاج نفس النخب المتحكمة في دوائر الاقتصاد والمال ثم تمكن آخرون من الولوج إلى التعليم الخصوصي حسب درجاته وكأنه فنادق مصنفة فالتعليم العمومي الذي شيء له أن يكون حاضنا لأبناء وطن متخلى عنهم والنتيجة طبعا كارثية فحسب الإحصائيات الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط فإن 30% من المغاربة لازالوا أميين مع العلم أن الأمية تعني تفكيك الحروف وليس العلم والمعرفة، ثم جودة التعليم، حيث يصنف المغرب في المراتب الدنيا بخصوص التحصيل العلمي والمعرفي للعلوم الحية والرياضيات فمن أصل 79 دولة اختيرت لذلك احتل المغرب المرتبة 75.
فالتعليم، إذن، لا يمكن أن يكون محط تبضيع أو تسليع، وبالتالي فإن إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية هو الحل والتعليم الخصوصي في المغرب وصل إلى مستويات قياسية حيث تجاوز 15%متفوقا حتى على الولايات المتحدة الأمريكية الذي تعتمد في توجهها الاقتصادي على الليبرالية المتوحشة ورغم ذلك سقط في أول امتحان، حيث أبانت جائحة كورونا عن ضعفه وعن نهم وجشع أصحاب المدارس الخصوصية.
خلاصة القول، إذا كان بنكيران قد صرح في قبة البرلمان، أنه آن الأوان أن ترفع الدولة يدها على التعليم والصحة، فإن الجواب عليه متضمن في عنوان كتاب "حرب الأغنياء على الفقراء تبدأ من المدرسة" لبيير بورديو.
عبد العزيز الداودي، فاعل حقوقي ونقابي / وجدة