السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد كزغار : غزوة "مجلس النواب"

محمد كزغار : غزوة "مجلس النواب" محمد كزغار
أُعلن النفير العام، وتداعت جموع القناديل، فخيبر قد حل زمنه بعد تربص طويل، وجاءت القومة، والحاجة إلى تشييد البنيان المرصوص، فقد أذنت الأمانة العامة بالحج إلى مجلس النواب، رغم أن الزمن، زمن التباعد والإجراءات الاحترازية التي أعلنتها هي بنفسها، فالرئيس رئيسهم، وإن كان رئيس حكومة لم يبق من أغلبيتها سوى جماعته...
تقاطرت الوفود، من كل صوب وحدب، فوجوه لم يُرى لها أثر منذ السنة الماضية، عاودت الظهور، و"جيش الاحتياط" تمت دعوته، فالزمن زمن حرب وغزو ... والجبهة لم تعد في الآفاق، بل إن مركزها يوجد في قلب عاصمة البلاد، والمناسبة، رد العدوان، ودحر دعاة "القاسم الانتخابي" هذه البدعة التي لا يُعرف لها مثيل في بلاد العرب والعجم، والمتعارضة مع دستور الأمة، لا سيما ثابته "الديمقراطي" ...
فوجئت رئاسة المجلس وباقي الفرق والمجموعات، بهذا "الإنزال" الذي يشبه "إنزال النورماندي"، في خرق "للاتفاق الودي" الذي بمقتضاه قلصت نسب الحضور ... إن الحرب خداع، وعنصر المفاجأة محدد في مكرها وكَرها، والجماعة مطلوبة فيها، والنصرة واجب شرعي وتكليف لا يعفى بالإنابة والكفاية ... لذا لم يتخلف أحد، فالجزاء مكلف دنيا وآخرة ...
تساءل جمهور المواطنين، عن سبب هذه الهبة، وهذه الاستجابة التي لا يُعرف لها مثيل، فالغياب تكرر في الصفوف بمناسبات أهم، وفي قضايا أكبر، وفي ملفات برهانات وطنية ودولية، فإلى ماذا يعزى كل هذا التجييش؟ عن كلمة السر في الموضوع؟ لا يحتاج الجواب إلى حصافة وذكاء خاصين، فالجواب يُختزل في كلمة بسيطة هي "المناصب"، فالحساب الجديد للقاسم الانتخابي، سيُقلص من حجم امتداد ضوء القنديل، ويقلص مداه، وسيُضعف وهجه، وسيجعل بالتالي المرتبين ثانيا وثالثا، في قوائمه، يعاودون الرجوع إلى صفوف العطالة والبطالة ... وسيغادرون دون رضى حياة "الدعة"، والترف والريع ...
إن الديمقراطية، لا تستقيم مع الإنزالات، وثقافة المظلومية، وهي ليست مجرد إجراءات تقنية، إنها جوهر، وجزء من جوهرها يكمن في المحافظة على التعددية، تعددية الآراء والمشاريع والرؤى، إن كل نظام انتخابي يقود إلى التوحيدية والإجماعية وإلى الهيمنة، يؤسس للتسلطية وللدكتاتورية، ويحمل مخاطر جمة على الديمقراطية المجني عليها، فنموذجنا الديمقرطي قد أسس منذ بداياته الأولى على فكرة التعددية السياسية، هذه الأخيرة توجد اليوم في خطر، وجزء من مدخل الإصلاح والتحصين يمر عن طريق تغيير قواعد احتساب الأصوات، لإزالة وهم تمثيل المغاربة وأن المغاربة صوتوا علينا، وأن صوته "همزة لنا" ...
إن "الحزبية الضيقة" تعني "العزلة"، والبقاء وحيدا، لقد جرب القنادل هذه الوضعية في أعقاب أحداث الدار البيضاء الأليمة، وإن كانت "الحكمة" هي التي أبقت على تنظيمهم، وأبعدته عن مقصلة "الحل"، فعليهم أن يردوا الجميل عبر نصرة "التعددية" عوض الاستقواء عليها، وليتذكر "القوي" قوله عز وجل اتعاظا "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً"، صدق الله العظيم.
 
محمد كزغار ، دكتور في الحقوق ، ومحامي بهيئة الدار البيضاء