الأربعاء 17 إبريل 2024
فن وثقافة

عيطة "بِينْ الجًمْعَةْ وَالثْلَاثْ".. زمن ومكان نشأتها وحضور شعر الغزل في متونها (11)

عيطة "بِينْ الجًمْعَةْ وَالثْلَاثْ".. زمن ومكان نشأتها وحضور شعر الغزل في متونها (11) أيقونة العيطة العبدية الشيخة عيدة تتوسط حسن الزرهوني (يسارا) والزميل أحمد فردوس

تواصل جريدة "أنفاس بريس" فتح شهية علبة مخزون الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني على مستوى فن العيطة المغربية، للخوض هذه المرة في روائع شعر الغزل من خلال ملفنا الإعلامي الجديد في موضوع "شعر الغزل في العيطة العبدية".

يتفق أغلب الأدباء على أن الغزل "هو فنّ من فنون الشعر، وغرض أساسيّ من أغراضه، صنّف على أنّه من أعظم فنون الشعر العربي القديم، يعبر الشاعر من خلاله عن أحاسيسه تجاه محبوبته، واصفاً محاسنها، متغنياً بجمالها، مشتاقاً لرؤيتها، حزيناً على فراقها، مع تركيزه في وصفه لها على مواطن التميّز فيها... وهو يصور خلجات النفس، وفرحتها بلقاء المحبوبة، وحزن الشاعر على فراقها، إذ تميز بقوة العاطفة وحرارتها".

لقد حظي شعر الغزل باهتمام كبير من قبل الشاعر(ة)/ الناظم(ة) لقصائد العيطة المغربية عامة وخصوصا الحصباوية منها، حيث نسوق في سلسلة حلقاتنا مع ضيف الجريدة، نموذجا رائعا لتألق ناظم(ة) قصيدة عيطة "بِينْ الجًمْعَةْ والثْلاَثْ، السًكًةْ حَبْسَاتْ وٌرِيتَاتْ"، والتي نحاول تفكيك بعض متونها الشعرية في الحلقة الحادية عشر، في سياق أحداث تاريخية شهدتها منطقة أسفي و عبدة في الفترة التي تشكلت فيها هذه العيطة الجميلة المتكاملة البنيان.

 

"إِلَاَ كُنْتِ عِيسَاوِي، دِيرْ ﯖُـطًايَةْ وُ جَدًبْنِي فِـ حَالِي..وَاشْ لَبْكَا يْبَرًدْ نَارُو اَلًلهْ يْتُوبْ"

لم يجد شاعرنا العبدي من دواء لعذابات الفراق والعزلة والبكاء "وَاشْ لَبْكَا يْبَرًدْ نَارُو اَلًلهْ يْتُوبْ"؟ في غياب الحبيبة عائشة، إلا اللجوء لدائرة الفرق الموسيقية الصوفية وَاَلطٌرُقِيًةْ التي كانت معروفة في مدينة أسفي خلال تلك الفترة لإرتباطها بالجانب الروحي كبلسم شافي لحالته النفسية ووضعيه الصحية، "إِلَاَ كُنْتِ عِيسَاوِي، دِيرْ ﯖُـطًايَةْ وُ جَدًبْنِي فِـ حَالِي"، من أجل أن يخفف من أحزانه وحسرته وبكائه على الخليلة : "لقد التجأ العاشق/الناظم للمتن العيطي إلى الفرق الصوفية والطٌرُقِيًةْ مثل عِيسَاوَةْ وَحْمَادْشَةْ وَﯖْـنَاوَةْ وَهَدًاوَةْ وَجِيلَالَةْ والتحليق في عالم اَلجًدْبَةْ للترويح عن النفس وفق طقوس تلك المجموعات الصوفية حركيا وموسيقيا وإيقاعيا وغنائيا"، يؤكد الفنان التشكيلي والموسيقي حسن الزرهوني.

في سياق متصل، إن الفرق الصوفية (عِيسَاوَةْ وَحْمَادْشَةْ وَﯖْـنَاوَةْ وَهَدًاوَةْ وَجِيلَالَةْ) قد ورد ذكرها في أحد متون عيطة "اَلْعَمًالَةْ" أو "اَلشًاوِيًةْ" حيث يتغنى شيوخ العيطة بـ "عِيسَاوَةْ و هَدًاوَةْ وحْمَادْشَةْ وﯖـْنَاوَة".

ويمتاز نمط وأسلوب الطريقة العيساوية التي وظفها الشاعر في المتن العيطي أعلاه: "إِلَاَ كُنْتِ عِيسَاوِي دِيرْ ﯖُـطًايَةْ وُ جَدًبْنِي فِـ حَالِي"، (يمتاز) بإيقاع صوفي وأشعار صادرة عن إحساس ملموس يؤثر ويتفاعل مع العوامل النفسية والعقلية لدى المتلقي/العاشق، بتوظيف الآلات اَلنًفْخِيًةْ اَلْغَيْطَةْ /اَلْـﯖَصْبَةْ والطْبَلْ والْبَنْدِيرْ.

 

ومن المعروف أن أفراد المجموعة "اَلْعِيسَاوِيةْ" كانوا يعملون على حلق شعر رؤوسهم ويتركون خصلة من الشعر وسط الرأس تَنْسَدِلَ على الكتف وتشكل ما يسمى بـ "اَلْـﯖُطًايَةْ"، أي شعر طويل يستعملونه أثناء "اَلجًدْبَةْ" مع رفع إيقاع اَلْحَضْرَةْ اَلْعِيسَاوِيًةْ، التي تبدأ بحلقات الذكر على شكل استغفارات وابتهالات روحية يستحضر فيها شخص شيخ الطريقة محمد بن عيسى الملقب بـ "اَلشٍيخْ اَلْكَامَلْ"، ثم يليها العزف على الآلات النًفْخِيًةْ وأدوات الإيقاع بإصدار ضربات بطيئة، ثم ترتفع ضربات ضابط الإيقاع في تناسق مع نغمات الموسيقى، حيث تهتز مشاعر الحاضرين مع الارتقاء بمستوى الموسيقى إلى حالة اَلجًدْبَةْ /اَلْحَضْرَةْ وقوفا على الأقدام وتتمايل الأجساد بحركات جماعية مضبوطة و متناغمة في تناسق تام مع الإيقاع اَلْحَضًارِي تحت إشراف لمعلم/لمقدم الذي يتعامل بإشاراته ورسائله المشفرة لتنظيم مجموعته العيساوية.

 

علاج الأزمة النفسية والتحلل من عذابات النفس وضغوطاتها في حضرة طقوس وأجواء نمط و أسلوب مجموعة عيساوة، تجعل المتلقي/ الحبيب يفقد توازنه بين الذات والروح -كما يصفها المهتمون بالطريقة العيساوية- بفعل النغمات الموسيقية الصوفية حيث تسمو الروح على الجسد وتتحرر منه، وعند بلوغ هذه الحالة قد يستعمل "اَلْعِيسَاوِي" آلات حادة (ساطور، سكين، سلسلة، زجاج) أو يُقْدِمْ على شرب الماء الساخن (اَلْمَا طًايْبْ) أو يضع على جسده أشواك ألواح الصبار وغير ذلك لجلد الذات وهو في حالة لا شعورية.

 

هذه الطقوس الغرائبية كانت حاضرة بقوة في عادات عيساوة أثناء الجدبة وتمارسها طائفتها بطريقة تفزع النفوس، وعلى إثر ذلك فقد كان السلطان المولى يوسف قد أصدر سنة 1920، ظهير يمنع هذه السلوكات الغريبة، وأصبحت الطائفة العيساوية تنظم لقاءاتها وجلساتها (الليلة) في الزوايا وبعض الأضرحة والأماكن المغلقة كل سنة من السابع من عيد المولد النبوي في أسفي بالمدينة القديمة بدرب الريش.

 

أما في هذه المتون التي أنشد فيه الشاعر قوله:

اللًه يَا الْعَالِي، مَا ظْلَمْتْ حَدْ، هُمَا اَلٍلي ظَلْمُونِي

أَيْلِي أَيْلِي..اَلٍلي غَادْيَاتْ، اَلٍلي جَايًاتْ ، اَلًلهْ يْصَاوَبْ اَلزْمَانْ حَبِيبِي

خَلٍيتْ لُمًلْفَانِي وُتَبًعْتْ لَمْتَلْفَانِي

أَيْلِي أَيْلِي..اَلٍلي غَادْيَاتْ، اَلٍلي جَايًاتْ، اَلًلهْ يْصَاوَبْ اَلزْمَانْ حَبِيبِي

 

فقد ركز الناظم في هذه المتون الشعرية على إبراز القطيعة وتوقف صلة الرحم وأسبابها، بين عائلة المكي والد عائشة/ الحبيبة، وعائلة العاشق الولهان والحزين على فراق محبوبته "عَايْشَةْ بَنْتْ اَلْمَكٍي"، والتي تسببت له في معاناة وعذابات نفسية ومعنوية وصحية، ترتب عنها سلوكات نفسية ولا إرادية للتخفيف من حدة لوعة الفراق، والبحث عن بديل للملمة جراحه، ومحاولته العودة لحياته الطبيعية والإستقرار العائلي والنفسي عن طريق الزواج من امرأة أخرى لنسيان عائشة، لكن كل محاولاته باءت بالفشل، إذ لم يجد مواصفات الجمال والرقة والرشاقة التي كانت تتميز بها "عايشة بنت المكي" التي شبه جمالها بالخيل والحمام والورد .

 

"بِينْ جَمْعَتْكُمْ وَبِينْ ثْلَاثْكُمْ، تَمًةْ زْهَاوْ وْلِيدَاتْكُمْ، وَاشْ لَبْكَا يْبَرًدْ نَارُو، اَلًلهْ يْتُوبْ"

عمد الناظم في هذا المتن العيطي إلى استحضار الظرفية التاريخية التي شهدتها منطقة عبدة بعد توالي فترات الجفاف والمجاعة مستعملا التحول الذي عرفتها العلاقات الاجتماعية وتحرر الشابات و الشباب من سلطة مراقبة الأب داخل المجتمع القبلي الأبوي: "إن المجتمع المغربي مجتمعا قبليا أبويا ، مما دفع أرباب العائلات وأولياء أمورهم إلى النزوح بعيدا عن منازلهم للبحث عن مصادر العيش الشيء الذي أتاح الفرصة لأبنائهم وبناتهم إلى رعي الماشية وتوفير الكلأ والمياه ومتطلبات أسرهم". في هذا السياق كان "أبناء الدواوير المجاورة والمتواجدة بين منطقتي جمعة سحيم وثلاث بوﯖدرة ينظمون أمسيات وليالي السمر في غياب سلطة الآباء وأولياء أمورهم، ويقدمون عروضهم الفنية وأغانيهم العيطية للاستئناس وقضاء فترات الفرجة والتنافس فيما بينهم على مستوى العزف والإيقاع والغناء".

 

ما هو غرض الشاعر من ذكر هذه الأحياء الشعبية بأسفي في رائعة "بِينْ اَلجًمْعَةْ وَالثْلَاثْ"

تْرَابْ اَلصٍينِي جَانِي بْعِيدْ

 اَلْكُوتْشِي يَدٍينِي

 وَاشْ لَمْحَبًةْ وَلًاتْ عْدَاوَةْ، اَلًلهْ يْتُوبْ

حَلْفَتْ بَيًاضَةْ عْلَى تْرَابْ اَلصِينِي

 حْتَى تْرٌدٌوا قُوسِينِي

 وَاشْ لَمْحَبًةْ وَلًاتْ عْدَاوَةْ

 اَلًلهْ يْصَاوَبْ اَلزًمَانْ

يعتبر حي تْرَابْ اَلصٍينِي من أقدم الأحياء بمدينة أسفي، وأطلق عليه هذا الاسم لأنه شيد فوق طبقة جيولوجية رسوبية ذات تربة حمراء تستعمل من طرف النساء في بيوتهن لتلميع الأواني المنزلية، وخصوصا الأواني المعدنية الفضية والنحاسية (اَلْبَرًادْ، اَلْمُقْرَاجْ، اَلْبَابُورْ، اَلصٍينِيَةْ، عْمَاْيْرْ، حَسْكَةْ..)  ويتربع حي تراب الصيني المطل على المحيط الأطلسي فوق ساحل آموني حيث يمتد إلى حي الصقالة الذي تعرض جزء منه للهدم بسبب قربه من أمواج البحر عن طريق التعرية الميكانيكية للأمطار، وعامل الجاذبية.

 

لقد أعطت فرنسا أهمية لتوسيع العمران بتراب الصيني وتنظيم شوارعه، وأزقته، إذ أصبح هو النواة المركزية لمدينة أسفي لموقعه الاستراتيجي وتوفره على المرافق الاجتماعية والتجارية والترفيهية والإدارية  وغيرها.. إذ نجد بهذا الحي محطة القطار، ومعامل تصبير السمك، وبعض الحانات والمقاهي وكنيسة اليهود ومدرسة النهضة والقنطرة الحديدية ومستودع بيع الحبوب.. حيث عرف تراب الصيني تعايش عائلات يهودية ومسيحية ومسلمة وأجانب من جنسيات فرنسية وإسبانية وإيطالية وروسيين.. وتحديدا خلال النصف الأول وبداية النصف الثاني من القرن العشرين. وشهد حي تراب الصيني في هذه الفترة إحداث محطة لعربات النقل المجرورة بالخيول، (اَلْكُوتْشِي)، والتي تتنقل عبر مجموعة من الخطوط خصوصا في الجهة الشمالية حيث توجد محطة حي وادي الباشا و حي بَيًاضَةْ.

 

حي بَيًاضَةْ الذي ورد ذكره في هذا المتن العيطي فقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى الهضبة لتي شيد فوقها والمكونة من تربة بيضاء كانت تستعمل في البناء في تلك الفترة التاريخية بأسفي، وعرف هذا الحي توافد عدد كبير من العائلات المنتمية إلى قبائل أولاد زيد على إثر الهجرة القروية إلى المدينة بعد دخول الاستعمار الفرنسي للبحث عن فرص العمل في المشاريع الكبرى التي قامت بها فرنسا كمشروع الميناء والسكك الحديدية وقطاع البناء في إطار تهيئة حاضرة المحيط وتنظيم عملية التعمير العمودي. حيث شهد حي بياضة نهضة عمرانية تضاهي الأحياء العريقة كحي تراب الصيني والصقالة والمدينة القديمة وحي رْحَاتْ اَلرٍيحْ.

 

لماذا وظف الشاعر في هذا المتن صيغة القسم والتحدي عندما أنشد قائلا: "حَلْفَتْ بَيًاضَةْ عْلَى تْرَابْ اَلصِينِي، حْتَى تْرٌدٌوا قُوسِينِي" وما هي أسباب نزول هذا المتن العيطي؟

 الشاعر أقسم بأن "حي بياضة" سيحول "حي تراب الصيني" إلى مستودع كبير للودائع (CONSIGNE)، مثل قبو وخزان محاصر من جميع الجهات. لقد تحدثنا عن تراب الصيني والنهضة التي عرفها هذا الحي في مجموعة من القطاعات، بقي أن نتناول تعريفا موجزا عن ساكنته، وهم الوافدون من الناحية الجنوبية خصوصا قبائل الشياظمة أي اَلْبْحَاتْرَةْ الجنوبية وقبائل رَتْنَانَةْ، للبحث عن مصادر العيش وفرص الشغل، في هذه الفترة التاريخية ، حيث استقر بتراب الصيني عدد هائل من رواد العيطة العبدية، وهي فترة نهضة فن العيطة، خصوصا عند دخول آلة الكمان مع الاستعمار الفرنسي .

 

ذاكرة رواد فن العيطة حسب الروايات الشفهية

من بين رواد فن العيطة العبدية الذين استقروا بحي بِيًاضَةْ نذكر الشيخة اَلْبُوﯖَدْرَاوِيًةْ، وهي عازفة متمكنة على آلة الكمان وآلة لوتار، (اَلْـﯖَـنْبْرِي)، وتنتسب لأصول زاوية سيد مبارك بوﯖدرة، اشتغلت كفنانة/شيخة في حي تراب الصيني مدة معنية، واحترفت الغناء بعد انتقالها لمدينة الدارالبيضاء وكونت فرقة موسيقية نسائية .

 

الشيخة الحسناوية، كانت تشتغل مع صاحب الكمان الشيخ مصطفى الذي كان بدوره يقطن بتراب الصيني بجانب البحر، ويحكى عنه أنه كان نحيف الجسم، وأنيقا بلباسه التقليدي (القفطان، والقندريسي، ولمضمة، ولحزام، ودليل الخيرات، ورزة/عمامة طويلة من ثوب بوسليم)، وكان شبيها (نسخة طبق الأصل) للجنرال دوﯖول، وكان يمتاز بعزفه الطربي وصوته الشجي، وكان صارما في صنعته، إلى جانب أخيه المسمى "اَلْـﯖَايْزَةْ" ضابط إيقاع الطعريجة. وتعرض بيته فوق جرف بحي تراب الصيني للسقوط والهدم جراء تآكل جنباته بفعل أمواج البحر والجاذبية.

 

الشيخة الستاتية، كانت تشتغل مع شيخ الكمان قدور "لَمْرِيمْرِي"، أصله من سيد المختار بالشياظمة قرب سَكْيَاطْ، وهو مسقط رأس الشيخ عبد الحق ولد الحلاوي ، واشتغلت معه أيضا كل من الشيخة أرقية "بَشْنَةْ اَلْبُونْ" وعلي الطعارجي المعروف بجسمه النحيل وخفة رشاقته، أصله من "مْعَايْلْفَةْ" بأولاد زيد، ويحكى عنه أنه حينما ترتفع حرارة جسمه بالطرب والنشاط كان يقف فوق آلة الطعرجية بتوازن مبهر .

 

الشيخة اَلرٍيوِيَةْ، التي كانت تقطن بحي تراب الصيني، أصلها كذلك من الشياظمة، واشتغلت مع الشيخ مصطفى وَلْدْ اَلضًوْ، الذي تقلد منصب أمين رواد العيطة بأسفي، وكان يتقن العزف على آلة الكمان ببراعة، واشتغلت معه كذلك الشيخة اَلزًرٌوقِيَةْ والشيخة لَمْرِينِيًةْ.

 

الشيخة العيساوية، وأصلها من منطقة سيدي عيسى قرب جمعة سحيم، كانت تشتغل مع صاحب الكمان الشيخ سيدي محمد الناصري، أصله من سيدي رحمون، أحد صلحاء الزاوية اَلْبُوسُونِيًةْ بأحمر، وكان يشتغل معه أخاه سيدي كبور ضابط إيقاع الطعريجة.

 

وعرف حي بَيًاضَةْ بدوره نهضة موسيقية كبيرة مع استقرار عدد من رواد فن العيطة بهذا الحي، مثل الفقيه والشيخ إبراهيم حْمِيْمَةْ، الذي كان يعتبر من الرواد الكبار في فن العيطة الحصباوية بعزفه على آلة لوتار، حيث اشتغل معه الفقيه الشيخ لْبَيٍضْ ضابط إيقاع الطعريجة، وهو والد الشيخ الجيلالي بَلْلَبْيَضْ، الذي كان يجمع بين شخصية الفقيه الحافظ للقرآن الكريم وشخصية الشيخ الفنان الشعبي باعتبار أن صوته كان جد متميزا حيث كون فرقة مع الشيخ اَلْخُمًاِري التي تركت بصماتها على مستوى تراث فن العيطة العبدية بآلة لوتار.

وأسماء أخرى مثل الشيخ عبد السلام البحري، والشيخ أَبًا عَيٌوشْ، والشيخ بوشعيب وَلْدْ خْدِيجَةْ، و الشيخة اَلْبٍيحِيًةْ التي اشتغلت مع الشيخ فْلِيفْلَةْ، والشيخ اَلسٍي جَلٌولْ ، والشيخة اَلرْبَاِطِيًةْ التي اشتغلت مع الشيخ وَلْدْ ﯖَرًدْ .

وعرفت ضواحي بِيًاضَةْ كدرب مولاي الحسن استقرار كل من الشيخة اَلْبُوعْنَانِيًةْ زوجة الشيخ الهاشمي لَجْوَادِي وأصله من "جْوَادَاتْ" رفقة أخيه شيخ الكمان محمد لَجْوَادِي، الذي تتلمذ على يده الشيخ الدًعْبَاجِي...

 

أيقونة العيطة، الشيخة عيدة كآخر رائدة من رواد الغناء العيطي التي استقرت بدورها بدرب مولاي الحسن، والشيخ الكبير إبراهيم لَبٍيهِي العازف على آلة لوتار (الـﯖنبري) وكان متمكنا وحافظا لجميع العيوط العبدية خصوصا تلك التي تعد في دائرة المنسي (عيوط ميتة) ضاع منها عدد كبير من المتون مثل عيوط (كَاسِي فْرِيدْ، شْرِيفِي سِيدِي حَسَنْ، وَالزٍيدَانِيًةْ، وَلِيلِي،...).

 

إن استقرار هذا العدد الهائل من النخبة الموسيقية من رواد العيطة العبدية (لم نذكر أسماء أخرى) بحي بَيًاضَةْ، فقد استطاعت محاصرة رواد العيطة المقيمين بحي تراب الصيني من الظهور على الساحة الفنية بسبب المنافسة الفنية لتمكنهم من العيطة العبدية عن طريق ألة لوتار بدل آلة الكمان. لذلك أقسم الشاعر/الناظم وتحدى المستمعين في جلسة فنية حضرها شيوخ تراب الصيني بأن يحول الحي إلى "قوسيني  (CONSIGNE)، ومحاصرتهم من الظهور في الساحة الفنية بمدينة أسفي بسبب المنافسة الفنية وتمكنهم من أداء العيطة عزفا على آلة لوتار، وإقبال العائلات على الاستمتاع بهذا النوع الجديد من العزف على آلة لوتار بدل آلة الكمان التي دخلت مع الاستعمار الفرنسي.

 

هذا هو المغزى من حمولة المتن العيطي، الذي تم وضعه وإنشاده من طرف أحد الشيوخ وهو يؤدي عيطة "بين الجمعة والثلاث" في إحدى المناسبات التي حضرتها بعض الفرق الموسيقية القاطنة بحي تراب الصيني، وأعلن تحديه بالقسم على أن حي بياضة يتوفر على نخبة فنية وموسيقيين وشيوخ متمكنين من الصنعة وسيحاصر حي تراب الصيني بآلة لوتار.