الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

كتابات في حضرة العتمة أو حين تصير الأوبئة صهوات للإبداع

كتابات في حضرة العتمة أو حين تصير الأوبئة صهوات للإبداع الكاتبان مريم آيت أحمد وعبد العزيز كوكاس مع صورتي غلافي مؤلفيهما

نتساءل دائما كيف يمكن أن نصنع من العتمة نورا؟ وكيف نجعل الحلم والسعادة مرافقين لنا أينما حللنا وارتحلنا، وكيف نقضي على عزلة اجتماعية اجتاحتنا وما تزال تجتاحنا على الرغم منا، في زمن وباء كوفيد 19؟؟؟ فلا مهرب إلا إلى الكتابات والهوايات، التي نمارسها والأعمال الأدبية... هكذا خرجت إلى العلن كتابات في الزمن الكوفيدي المعتم، لتتسلل إلى الأرواح، لعلها تولد لدينا كقراء الاستمتاع بجاذبية المتن الحكائي والفن السردي، حيث لا تتسلل الظلمة ولا تتعطل الحواس بكل المنغصات الاجتماعية التي تحيط بنا...

 

لاشك أن الوباء تفنن في افتراس ضحاياه تاركا الحسرة في النفوس، لكن مجموعة من الأدباء تفننوا بدورهم في وصف فداحة الوباء ووقعه في النفوس، وفي تراجيديا جلد الذوات وصعوبات التحمل... ومع هذا الوضع الأليم برزت إلى الوجود كتابات يمكن أن نصطلح عليها أدب الأوبئة والكوارث، وجاءت بديلا أو في سياق متكامل مع روايات ضاربة في القدم مثل رواية "دفتر أحوال الطاعون" للكاتب الإنجليزي دانييل ديفو، إذ اعتبر في نظر الكثيرين خير  موثق للطاعون، الذي اجتاح لندن عام 1665.

 

والحديث عن هذا الامتداد الوظيفي والفلسفي المتمثل في استمرار الكتابة على المنهج نفسه، سيجعل المبدعين في خط متواتر مع التأريخ للصدمات والكوارث في كل البلدان مادام الإبداع باستمرار متصل بالتاريخ الإنساني...

 

وفي المغرب نحيل على القراء في هذا الصدد على إصدار "في حضرة الإمبراطور المعظم كوفيد التاسع عشر" للكاتب والإعلامي عبد العزيز كوكاس، الصادر عن دار النشر النورس في 165 صفحة. فكوكاس "يسائل المنفلت منا في هذا الزمن الكوروني العام ويقف عند الأشياء التي كنا غافلين عنها في السابق"؛ ويتساءل "كيف يمكن لفيروس غير المرئي أن يتخذ صفة امبراطور ويجعلنا تحت رحمته نصاب بالذعر والخوف؟"

ويشير إلى أننا "نعيش اليوم مع فيروس معولم يتخطى الحدود بدون حاجة إلى جواز سفر أو جنسية، إذ أدخل العالم في حجر صحي وإغلاق تام، وجعلنا نلتف إلى أشياء كثيرة كان يلزمنا وقتا طويلا لكي نستوعبها". ويقول الكاتب أيضا، إنه ومن خلال كتابه هذا "يحاول أن يتهكم على حالة الحزن العامة التي أدخلنا فيها الفيروس وأن يتفنن في البحث عن سبل الحياة بطرق أكثر شاعرية".

فالكاتب يؤسس بهذا المعنى وهذا الميل الإبداعي إلى تجسير الإحساس بقيمة الحياة، مبديا روحا ساخرة عن الوباء وحالة الحزن والارتباك القصوى التي جعلنا ندخل فيها مذعنين، ذاكرة الكاتب هنا حية قوية زاخرة بالحكي، عن هذا الوباء الفتاك...

 

وهناك نموذج آخر عن هذا النوع من الكتابة عن الكوارث، كتاب أو رواية "تنين ووهان: رحلة حب في جزر كورونا"، للكاتبة والأستاذة الجامعية مريم آيت أحمد، وهو العمل الأدبي الذي يتحدث بدوره عن هذه الجائحة، فالكاتبة استحضرت الضمير أو التفكير الجماعي في زمن مغلق موحد للحدود وفي رصد الخوف والصراع بين الموت والحياة وفقا لأحداث ومشاهد حسية ودرامية.

وحاولت الكاتبة بأسلوبها الخاص أيضا صياغة تأريخ للحدث في المعركة مع كوفيد في سرد متسلسل للأحداث الأليمة التي تصطدم وتختلط فيها مشاعر الفراق واللقاء، والحسرة والأمل، والمغامرة من أجل البقاء، والتي جسدتها شخوص الرواية.

الرواية بوتقة تنصهر وتتداخل فيها عوامل الصراع بين الخير والشر، وتعيش بطلتها مسلسلا بئيسا تتخلله مغامرة الهروب وصراع البقاء والموت داخل مستشفيات ووهان، وتتحدر شخوصها من بنيات اجتماعية مختلفة، حيث التداخل بين قيم الشرق والغرب والتقارب في هشاشة العلاقات الإنسانية والصعوبات والتحديات المفروضة عليها.

 

وتظل التجربتان الإبداعيتان معا تتقاربان من حيث التوجه الوظيفي، باعتبار أن الكتابة لا يمكن أن تكون خارج الطبيعة أو السياق المعيش والضجيج والفوضى، والصقيع والحر، والإنسان عموما هو الأداة التي تتحدى العالم المحيط، كما أن الحياة لا تحلو دون معاناة وصدام، والوباء جزء من هذه الدائرة، فكيف لا يكون الداء بدوره محورا للكتابة وللإبداع؟