الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

خمريش: لماذا في كل مرة يحكم الجزائر رجل خارج من القبر بكفالة؟

خمريش: لماذا في كل مرة يحكم الجزائر رجل خارج من القبر بكفالة؟ محمد عزيز خمريش
الجزائر بلد المليون ونصف شهيد، مساحتها الجغرافية تعادل خمس مرات مساحة فرنسا، كانت إلى غاية 1960 تصدر القمح إلى الخارج، دولة البترول والغاز الطبيعي.
بمرور 20 سنة أنفقت على التسليح وجبهة البوليساريو الملايير من الدولارات، حيث أن العقيدة السياسية للعسكر منذ 1963 إلى اليوم تجسدت في وهم التأسيس لقوة إقليمية مغاربية دون جدوى رغم الاعتمادات المالية المرصودة لهذا الغرض.
وباستنطاق حفريات الوقائع التاريخية، يلاحظ أن هذا النظام المهترئ المتكلس والمحنط، مازال حبيس نظرية المؤامرة والحرب الباردة، إذ نهج الهروب إلى الأمام وتصدير الأزمات إلى الخارج للتنفيس عن الاحتقان الداخلي.
اعتبارا لذلك، ومباشرة بعد حصولها على الاستقلال، وبعد مفاوضات ترسيم الحدود بينها وبين جيرانها قام الرئيس الجزائر «بوخروبة» سنة 1963 بمهاجمة المغرب، فيما عرف آنذاك بحرب الرمال التي تكبدت فيها الجزائر خسائر فادحة في العتاد والأرواح وتم أسر العديد من الجنود. ومباشرة بعد حدث المسيرة الخضراء لاسترجاع الأقاليم الجنوبية واستكمال المغرب لوحدته الترابية وحقوقه التاريخية المشروعة، قامت ليبيا بزعامة الراحل معمر القذافي بمعية الجزائر بتأسيس مولود لقيط يعاني من مجموعة من التشوهات الخلقية والسياسية، والذي عرف آنذاك بجبهة البوليساريو ككائن غريب تم إقحامه غصبا في الجسم المغاربي. وللتعبير عن حقده الدفين قام الهواري بومدين سنة 1975 ليلة عيد الأضحى بطرد 350 ألف مغربي من الجزائر تحت مسمى «المسيرة الكحلة»، ردا على نجاح المسيرة الخضراء، بالإضافة إلى التآمر ضد الجارة موريتانيا والإطاحة برئيسها «ولد دادة» وتسليح مليشيات قامت بمهاجمة تونس في أحداث «كفسة».
ولتفكيك الإشكالية المزعومة القائمة على أن الجيش الجزائري من أقوى الجيوش في العالم، يمكن إبطال ذلك بمجموعة من القرائن الدالة منها:
جميع المعارك التي خاضتها الجزائر بمعية البوليساريو ضد المغرب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا باءت بالفشل، وتعرضوا فيها لهزائم متكررة .
الجزائر في جميع معاركها ضد المغرب كانت مدعومة من قبل: كوبا، الفيتنام، مصر، سوريا، بانما، فنزويلا وبتمويل من ليبيا، لكن الجدار العازل أحبط كل المخططات الهادفة إلى المس بالوحدة الترابية.
أما على مستوى الحرب النفسية، فقد سبق للراحل الحسن الثاني أن بعث برسالة إلى الهواري بومدين عن طريق مبعوثه الخاص «رضى اكديرة «، فتعرض هذا الأخير للإهانة من قبل الرئيس الجزائري، إذ استقبله بشكل جاف فوق كرسي صغير مهترئ لا يليق بالمقام، وأثناء عودته من الجزائر رُفع الأمر إلى ملك المغرب الذي وعده بأنه سيرد التحية بأحسن منها إلى خصومه، وقبل استقباله للمبعوث الجزائري، أمر الملك برش مادة زلقة لزجة قرب السجاد الأحمر، فلما همَّ المبعوث الجزائري بالدخول فقد توازنه، وبدأ يتمايل وكاد أن يسقط أرضا، فكلمه الحسن الثاني قائلا: «قل لرئيسك ملوك المغرب لا يهزمون ولا يهانون».
وعودا إلى السياق، يمكن طرح العديد من الأسئلة المركزية التي تزكي بوضوح أسباب عداء حكام الجزائر للمغرب، والتي يمكن اختزالها كالتالي:
عقدة الإمبراطورية العثمانية التي احتلت الجزائر، ولم تقو على احتلال المغرب.
عقدة «حرب الرمال»، أمغالا الأولى والثانية والثالثة.
عقدة المسيرة الخضراء التي استكمل بها المغرب وحدثه الترابية بدون جيوش.
عقدة «معبر الكركرات»، إذ تمكن الجيش المغربي من طرد عصابات البوليساريو بشكل سلمي، والذي حظي بمساندة دولية واسعة.
عقدة المسار التنموي بالأقاليم الجنوبية، منها ميناء الداخلة، الطريق السيار من إنزكان إلى العيون، كلية الطب والمستشفى الجامعي...
الضربة الموجعة المتجسدة في فتح العديد من القنصليات بكل من مدينتي الداخلة والعيون.
الزلزال الذي أحدثه المرسوم التنفيذي الصادر عن الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب»، والذي نشر بالسجل الفيدرالي، واعتمد كوثيقة رسمية بمجلس الأمن، والقاضي بتكريس سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
تأسيسا على ذلك، ولتزكية هذا الطرح، سبق للرئيس الجزائري أن أكد في إحدى خطبه أمام التجمع العمالي بالجزائر، «لقد استطعت أن أضع حجرة في الحذاء المغربي، ستزعجه للأبد». وبالموازاة مع ذلك، ستظهر هذه السياسة النمطية بشكل جلي أثناء اغتيال الرئيس الراحل «بوضياف» من قبل كبرانات الجزائر، لأنه أجهض حلم البوليساريو، واعتبر تأسيس دويلة بالمغرب العربي أمر مستحيل، وجريمة في حق الشعوب المغاربية. وبعد تنامي التأييد والحشد لمشروع «الحكم الذاتي» تحت السيادة المغربية، أضحت الجزائر تعيش عزلة وغربة قاتلة داخل محيطها، وكرد فعل على هذا الاندحار السياسي، أضحى خطابها يحمل في طياته العديد من التناقضات، نسوق منها على سبيل المثال لا الحصر:
- الادعاء بأن الجزائر لا دخل لها في قضية الصحراء، أمر لا يستقيم ولا يستوي بالشكل الذي استوى عليه، لأن هذه الأخيرة لطالما طالبت بتقسيم الصحراء، وهي التي تأوي وتمول وتسلح وترافع.
- الشغل الشاغل لوزارة الخارجية والإعلام الجزائري هو الصحراء المغربية، حيث أن القناة الرسمية تصور ألعاب نارية كارطونية وتسوقها كحرب، ضد الجيش المغربي لتضليل الرأي العام العالمي.
- في قضية «جزيرة ليلى» الجامعة العربية ودول الاتحاد الأوروبي، ساندت المغرب ضد إسبانيا، ما عدا الجزائر التي اعتبرته بلدا محتلا.
-الحراك الاجتماعي الذي طالب بدستور ديمقراطي ودولة مدنية، فرض على العساكر الاستغاثة بالمناورات العسكرية على الحدود المغربية، لإلهاء الشعب الجزائري عن قضاياه المصيرية.
- مؤسسة رئاسة الدولة بالجزائر لا قيمة لها، مادام الرئيس السابق «عبد العزيز بوتفليقة» الذي نصبته المؤسسة العسكرية كرها، حكم البلد لمدة أربع سنوات وهو مقعد لا يحرك ساكنا، يسري الأمر ذاته على الرئيس الحالي، الذي لا شرعية له، ويقضي معظم أوقاته متنقلا بين المستشفيات الأوروبية، لتتجسد بذلك مقولة حاسمة في النسق السياسي للجارة الجزائر؛ لماذا في كل مرة يحكمها رجل خارج من القبر بكفالة؟!
محمد عزيز خمريش، رئيس شعبة القانون العام كلية الحقوق بسطات