الثلاثاء 23 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: لماذا قام جنرالات الجزائر بمناورات عسكرية في جنوب تندوف؟

محمد بوبكري: لماذا قام جنرالات الجزائر بمناورات عسكرية في جنوب تندوف؟ محمد بوبكري
لقد قرأت الكثير من التفسيرات حول أسباب المناورات التي أجراها الجيش الجزائري، مؤخرا، في هذه المنطقة المحادية للمغرب، ويبدو لي أن التفسير الأكثر منطقية هو تفسير الاستخبارات الغربية الذي يرد ذلك إلى الصراع على السلطة داخل المؤسسة العسكرية، ويرى أن جناحا من الجنرالات يريد أن يستولي على السلطة في الجزائر ويحاول خلق ظروف داخلية وخارجية لتسويغ ذلك. وما جعلني أميل إلى هذا التفسير هو أنه الأكثر استنادا إلى التاريخ وإنصاتا لتطور الأحداث وتفاصيلها، حيث سبق للجنرالات توفيق وخالد نزار والعربي بلخير وآخرين أن اعتمدوا الأسلوب نفسه في نهاية ثمانينيات القرن الماضي وخلال تسعينياته للاستيلاء على السلطة، وما يزال جنرالات الجزائر يعتمدون هذا الأسلوب نفسه للسطو على الحكم ونهب عائدات البترول والغاز الجزائريين والاستفادة من عائدات رخص استيراد المواد الأساسية...
فقد قام هؤلاء الجنرالات بالضغط على الشاذلي بنجديد ليتحمل مسؤولية الرئاسة، لكن اختيارهم له كان لتساهله وعدم صرامته، حيث يمكنهم أن يجعلوا منه شاشة من دخان يستطيعون إدارة البلاد من خلفها حتى لا يكونوا، في أعين الرأي العام، مسؤولين عن أي شيء. وقد عاثوا فسادا في أموال الشعب الجزائري. ولما اشتدت أوضاع الفساد في البلاد، ارتأوا أن يتخلصوا منه مع أنهم هم الذين جاؤوا به إلى السلطة، فاخترقوا جماعات الإسلام السياسي الإرهابية وبعض تنظيمات المجتمع للاحتجاج ضد الحكومة، ما تسبب في أحداث دامية، كما فرضوا على الشاذلي نفسه قراءة خطاب كتبوه له يحمل حكومته وحزبه مسؤولية ما حصل من فساد، ثم انقلبوا عليه، وأرغموه على تقديم استقالته.
ونظرا لكونهم يهابون الرمزية التاريخية للمرحوم محمد بوضياف وسمعته ونقاءه، فقد استقدموه إلى الجزائر ليتولى رئاسة ما كانوا يسمونه بمجلس الرئاسة، حيث كانوا يعتقدون أن المرحوم بوضياف كان بعيدا عن الجزائر، وليس على علم بما يحدث داخلها. ونظرا لأن المرحوم بوضياف كان مثقفا، فقد اصطدموا به منذ البداية، حيث كتبوا له خطابا ليقرأه، إلا أنه تركه جانبا، وارتجل خطابا مخالفا، وهذا ما امتعضوا منه. كما شكل لجنة من الضباط للتقصي في أحوال الفساد، فاشتد الصراع بين الجنرالات وبين الراحل، فتم قتل كل أعضاء لجنة التقصي هذه، ثم دبر الجنرالات عملية اغتيال المرحوم بوضياف، حيث كلفوا ضابط صف بإطلاق النار عليه، وبعد لك اتهموا هذا القاتل بكونه إرهابيا إسلامويا.
هكذا، فالتاريخ يعيد نفسه اليوم في الجزائر، حيث تمت تبرئة الجنرال توفيق وآخرين من التهم الموجهة إليهم، وأطلق سراحهم، بعد أن كانو ا يقبعون في سجن "الحراش". كما عاد الجنرال خالد نزار من منفاه الإسباني على متن طائرة رئاسية بعث بها إليه الجنرال "سعيد شنقريحة". وبعد ذلك، تم اغتيال الجنرال المكلف بمديرية القضاء العسكري الذي وجد مقتولا في سيارته، وقد يتم اغتيال جنرالات آخرين، على عادة عسكر الجزائر...
ومن الأكيد أن كل هذا قد تم باتفاق بين الجنرال توفيق ونزار وشنقريحة الذين يسكنون جنبا إلى جنب في نفس الحي بالجزائر العاصمة، حيث اتفق الثلاثة على تصفية تركة الجنرال "القايد صالح" والتخلص من آثاره انتقاما منه ومن أتباعه.
تفيد هذه المعطيات أنه من المحتمل جدا أن يكون "الجنرال القايد صالح" قد تم اغتياله انتقاما منه لمحاكمته لهؤلاء الجنرالات واعتقاله لهم. وبما أن "عبد المجيد تبون" من مخلفات "القايد صالح"، حيث هو من فرضه "رئيسا" ، فقد تم إبعاده إلى ألمانيا بدعوى العلاج نتيجة إصابته بوباء "كورونا". ولما طال غيابه عن الجزائر، روجت المخابرات الجزائرية إشاعة مفادها أنه قد توفي.
ويبدو لي أن هذه الإشاعة توحي بأنهم ربما سمموه، وأرسلوه إلى الخارج ليموت هناك، لأنهم متأكدون من إصابته بمرض قاتل. ونظرا لكون "عبد المجيد تبون" كان قريبا من " الجنرال القايد صالح"، فمن المحتمل جدا أن الجنرالات يشكون في أنه قد أطلعه على جزء من أسرارهم. لهذا، فهم يخافون منه أن يفشيها. ولذلك أحاطوه بمخابراتهم التي تلازمه أينما حل وارتحل، وتطبق عليه حراسة مشددة أزعجت إدارة المستشفى الألماني وأطره ونزلاءه وزوارهم إلى حد أن ممارساتها التعسفية قد تسببت في ترحيله من ألمانيا إلى فرنسا. وهذا ما يدل على أن جنرالات الجزائر يخافون من أي تصريح أو بوح يمكن أن يقوم به "عبد المجيد تبون". ومن المحتمل ألا يعود هذا الأخير إلى الجزائر، لأنه قد يموت هناك، جراء تسممه، فلا يعود إليهم أبدا.
تؤكد هذه المعطيات وغيرها أن المؤسسة العسكرية مصابة بأمراض الحقد والغدر والخيانة والقتل التي جعلت بعض جنرالاتها يفتك بالعض الآخر باستمرار، حيث انعدمت الأخلاق والثقة بينهم، فصاروا يغتالون بعضهم بعضا.
وإذا أخذنا هذه المعطيات وتأملنا فيما قام به جنرالات الجزائر من مناورات جنوب تندوف، يمكنا أن نستنتج أن التاريخ يعيد نفسه في الجزائر، وأن هناك تحالفا بين الجنرال "سعيد شنقريحة" من جهة، والجنرال خالد نزار وتوفيق وأتباعهما، من جهة أخرى، حيث اتفق هؤلاء على الانقضاض على خصومهم وتصفيتهم ليتيسر لهم الاستيلاء على السلطة في الجزائر. ولا أستبعد أن ينقلبوا على بعضهم البعض مستقبلا، لأن تلك هي ثقافتهم.
لقد ظهرت الإرهاصات الأولى لهذه المناورات في سنة 2017. ولا أستبعد أن يكون إغلاق معبر الكركرات قد تم التخطيط له ضمن هذه السيرورة. وإذا كانت لهؤلاء الجنرالات يد فيما عرفه الشارع الجزائري من حراك في تسعينيات القرن الماضي خلال ما سمي بـ "العشرية السوداء"، فإنه من المحتمل جدا أن تكون لهم يد فيما يعرفه الشارع الجزائري من حراك اليوم. لقد جفت أدمغة حكام الجزائر حتى أصبحوا يكررون أساليبهم التي صارت مفضوحة؛ إنهم قادمون من زمن ولى، ما يعني أنهم صاروا متجاوزين...
تبعا لذلك، لقد تأكد لي أنهم قد قاموا بهذه الاستعراضات العسكرية لإيهام الرأي العام الجزائري بأن هناك خطرا خارجيا يتهدد الجزائر، وأن انقلابهم كان فتحا مبينا بهدف تبييض ماضيهم، ما يمكنهم من تجديد شرعيتهم عبر تضليل الشعب الجزائري بافتعال مسرحيات كاذبة... فتلك هي عادتهم التي تنهض على شعار: " التحايل والتضليل من أجل الانقلاب"...