الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

من كنون الحسني إلى كنون "الوهابي" في تجيير سيرة الشيخ الجردي.. الشمال أصبح "إمارة" وهابية!

من كنون الحسني إلى كنون "الوهابي" في تجيير سيرة الشيخ الجردي.. الشمال أصبح "إمارة" وهابية! الوزير أحمد التوفيق، ومحمد كنون، والشيخ الجردي(يسارا)
عطفا على مقال: "سيرة  الشيخ الجردي، بين رئيس المجلس العلمي بطنجة،ومنابر وهابية. هل أصبحت مراجع الوهابية علماء الأمة ؟"  فقد تكون  هذه السيرة التي بثها الأستاذ محمد كنون، مؤخرا، عبر إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، في نعيه  للشيخ محمد الجردي، وفي تضاد تام مع سيرته الحقيقية،كما سطرها الورد الوهابي من خلال"القول الوردي في ترجمة العلامة محمد الجردي"، عبر رافعة "السبيل"، و"هوية بريس "، و"مداد" و"منتديات كل السلفيين"، منذ سنوات.
قد تكون هذه السيرة/الترجمة مفيدة لإثارة الانتباه هذه المرة، إلى عناصر في التحليل،لتحصيل معنى المعادلة القائمة في الحقل الديني،وبدون مساحيق:
1-إن التدليس الذي مارسه سي كنون،وهو ينحت سيرة الشيخ الجردي بمشرط الزيف، لا ينفصل عن منظومة مسلكيات ينبغي وضعها تحت مجهر المتابعة. إذ سبق لعضو المجلس العلمي بطنجة سي عبد اللطيف حدوش،أحد مريدي رموز الوهابية، الشيخ الزمزمي بنصديق، أن قام في إطار دينامية "علماء في ضيافة المجلس العلمي"، بتجيير الشيخ الجردي .فهو "فقيه متوني، وخطيب فصيح، ومدرس مقتدر متفنن متقن، وواعظ مفهوم مبلغ، ورجل وجد نفسه في الدعوة إلى الله للخاصة والعامه خطابة ووعظا وتدريسا".
وهكذا تحولت دعوة الجردي للوهابية،مجرد دعوة إلى الله.ولم يفت حدوش أن يسأل الله له في الختام " أن يقويه على حمل الأمانه،أمانة العلم والدعوة".علما أن الشيخ الجردي، وقد مات رحمه الله بالكورونا، لم يخل حديثه عن الكورونا، من الطعن في المجتمع والدولة، فكان البيان الأصولي عن أمانة العلم والدعوة،غفر الله لنا وله.
2- إن الأثر الوهابي على الأرض كما تثبته السيرة الحقيقية للشيخ الجردي، واضح لا لبس فيه. حيث "رفع علم السلفية على ربوع شمال المغرب خفاقا وأقبل الناس على تعلم معتقد السلف الصالح رضي الله عنهم إقبالا عجيبا لم يسبق له نظير في شمال المغرب ".
وهذا يسائل بجدية وظيفة التعليم العتيق المنفلتة في كل مكان. وإذا أضفنا هذا  إلى انزلاق موقع الرجل الثاني في الدولة ،من خلال استشهاد الأستاذين بنكيران والعثماني ،بابن تيمية،بالرغم من طعن علماء المغرب فيه،وبما يعني أن ابن تيمية أصبح مرجعا للمغاربة في الانضباط الاعتقادي والسلوكي، أدركنا في المقابل  مساحة التوغل والتغول الأصولي، لدرجة أصبح معها الحديث عن النموذج المغربي في التدين،هو من قبيل الديماغوجية، وأن أمر إصلاح الحقل الديني أصبح من المستحيلات، في غياب إرادة سياسية واضحة لتدارك الأمر .
3-وبالرغم من وضوح خريطة الانقلاب الأصولي على الإسلام المغربي، فقد حرص سي كنون على إقصاء نخبة طنجة المستنيرة، بجعل مجلسه العلمي على مقاس العضو عبد اللطيف حدوش، فكان الإغراق التام له بالأصوليين،بما في ذلك  الإتيان بشقيق الشيخ الجردي.وهذا في محاولة شخصية للبحث  عن امتداد له في أصولية طنجة، لمواجهة ثقل الأستاذ محمد التمسماني فيها . وهنا يمكن القول بأن الدولة إذا كانت في حاجة إلى الأصولية في طنجة، لاختارت بشكل مباشر إما الأستاذ التمسماني، أو الأستاذ مصطفى البيحياوي على رأس المجلس العلمي،وليس الأستاذ كنون، ليلعب لعبة تخل بدفتر تحملاته.وبهذا يكون قد انقلب حتى على داعميه، فاستقل بإمارة الشمال.
ومن هناك أجرم حتى في تاريخ تطوان الملتزم بالمشروعية الدينية للدولة.وسيبقى كابوس هذه الردة يلاحقه ،خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن والده العلامة الوطني الملتزم، سيدي عبد الحفيظ كنون، جدد الله عليه الرحمات،كان واضحا في التصدي للوهابية، فجاء عقبه ليوظف اسم كنون الحسني، في توطئة الأكناف لها.
4-وتذكرني هذه المفارقة ،بما قام به الأستاذ يوسف احنانة ،شيخ الأشعرية في المغرب،سنتة 2013 في جريدة "الاتحاد الإشتراكي"،حين عرض مخطوط:"تنبيه الغافل عن معتقد محمد بن عبد الوهاب الجاهل"،لسيدي عبد الحفيظ كنون،تحت هذا العنوان :"مواقف مغربية تتحدى الظلام:عبد الحفيظ كنون في مواجهة الوهابية".
طبعا ما يهمني هنا  ليس الوقوف على  المجهود الإعلامي التنويري الذي يضطلع به شيخ الأشعرية،في بيان الخصوصية المغربية المتفتحة،من خلال الحفريات الانتروبولوجية،أو تعبيرات الإسلام المغربي،بل تهمني الإشارة بعده ، إلى  أن سي محمد كنون في مسرد مؤلفات والده ، يذكر مخطوط: "تنبيه الغافل عن معتقد محمد بن عبد الوهاب"، بحذف نعت "الجاهل" من عنوانه.وقد تم إدراجه بالمكتبة الكنونية، تحت هذا العنوان:"سلامة القلب والنية في مناقشة الطريقة الوهابية".فغابت بهذا وذاك،الأمانة العلمية في توصيف حال الشيخ الجردي،وفي اسم مخطوط كنون الأب، في انتقاد الوهابية.وكل هذا، يعبر عن فقدان سمت الشخصية المغربية. 
5- ويحيل هذا المسلك المنبطح للوهابية ،على واقع الشأن الديني في طنجة من خلال الهيمنة الأصولية على البنيات الإدارية لوزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى والرابطة المحمدية للعلماء فيها، وبكل تعبيرات وظائفها في إنتاج الخطاب الديني،لا ينفصل عائده الانتخابي،عن حزب العدالة والتنمية.ويمكن القياس على ذلك في أي منطقة من البلاد. فحيثما تكون السيطرة الأصولية على الحقل الديني، يكون تعبيرها السياسي لصالح إخوان بنكيران. ويلعب اتساع التعليم العتيق،ومحو الأمية دروا مهما في هذه المعادلة. 
أما بعد،فعلى بدء نقول:لقد تحول رئيس المجلس العلمي بطنجة، إلى خبير في قلب الأسماء والسير.فعلماء الوهابية أصبحوا علماء الأمة،وبكل ما يلزم من تنويه  وإشادة وتمكين .وأصبح علماء الأمة،فيما يسار به في مجالس التآمر ،علمانيين يساريين، وبكل ما يلزم من تصفية. ويحصل هذا ممن كنا نتوهم أنهم على المحجة البيضاء،فكيف نتصور الأمر من غيرهم؟ هذا هو واقع حال الشأن الديني في البلاد ،انقلبت فيه الموازين،فانهار أو يكاد مقام المرجعية في ضبط الزمام ....فاللهم لطفك!