السبت 20 إبريل 2024
سياسة

جامعيون يرصدون أسباب إصرار الجزائر على السطو على تاريخ المغرب

جامعيون يرصدون أسباب إصرار الجزائر على السطو على تاريخ المغرب مسجد وصومعة الكتبية ومن اليمين: عبد الوهاب دبيش، إدريس المغلشي ومولاي المامون المريني

إقدام الجزائر جهارا على "الاستيلاء" على معلمة عريقة من المعالم التاريخية  للمملكة المغربية، وهو جامع الكتبية وصومعته الشهيرة بمراكش التي وجدت قبل أن توجد الجزائر على علتها على خارطة العالم، يعد تطاولا غير مسبوق، يتطلب تدخلا من الجهات الأممية المعنية بحماية التراث العالمي من أكبر عملية سطو ثقافي يشهدها التاريخ والجغرافيا.

 

وقاحة لا مثيل لها طالت تراث بلد عريق اسمه المملكة المغربية، الممتدة جذورها امتدادا في التاريخ بثقافتها وروافدها المتنوعة، جعلت الجزائر محط سخرية عارمة في العالم ومن الجزائريين أنفسهم. ولعل التظاهرة التي شاركت فيها في دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال شهر يناير من العام 2019، بوضع ملصق عليه صومعة الكتبية ومكتوب عليها عبارة أسبوع التراث الجزائري، يعد دليلا قاطعا على جهل من يحكمونها بالنياشين والإعلام المنبطح. تظاهرة ستظل شاهدة على قمة الغباوة التي وصل إليها حكام بلد، أطلق عليه الفرنسيون "الجزائر"، حتى يستحمروا عقول شعبهم بهكذا افتراء وبهتان..

 

حين يصبح التاريخ إيديولوجية

ما نشرته عدة "مواقع جزائرية" من صور تتحدث عن المآثر التاريخية المغربية وتنسبها للجزائر، يعلق عليها عبد الوهاب دبيش، أستاذ الحضارة والتاريخ سابقا بكلية الآداب بنمسيك الدار البيضاء، قائلا: إنها "محاولة منها إقناع الشيطان بأن الكتبية وساحة جامع الفنا بمراكش معالم تاريخية جزائرية تعود إلى زمن المرابطين زمن الإمبراطورية الجزائرية الكبرى.. فمعلومة كهذه جعلتني أدخل غياهب الحلم الجزائري المبتور بواقع صخرة حجرية من نوع الجرانيت المغربية التي أعادت الدولة الجزائرية إلى صيف 1962 تاريخ ولادتها العسيرة".

 

ويضيف دبيش لـ "أنفاس بريس": "تخيلوا معي رحمكم الله بمزيد من مطره النافع لو اللجنة العلمية من خارج الجزائر اطلعت على عنوان لأطروحة أو بحث ماجستير لطالب في أي بقعة في العالم، فإن أول انطباعات اللجنة المناقشة أو الأستاذ المشرف الذي قبل الإشراف تحت تأثير مخدر ذي مفعول قوي، سيكون الانطباع الأول أن الطالب والكلية والقسم الذي قبل مثل هذا العنوان هو أنهم  مجانين وسيحيلون الجميع إلى مستشفى الأمراض العقلية، إيمانا منهم بأن البحث هو خلاصة هذيان وتيه غير مسبوقين".

 

ويزيد عبد الوهاب دبيش "لكن الغرابة والتعجب سينتهيان إذا علمنا أن الجنرالات يعجبهم أن يحسوا بنوع من الزهو والعظمة وهم ينسبون كل ما هو مغربي لهم حتى يتحقق لهم نوع من السادية المرفوقة بنوع من الأنفة المفتقرة لبكارتها أمام الواقع وامام الحقيقة التاريخية التي لا ينفيها غير جنرالات السيگار.. فلعنة الله على الجغرافية التي أنصفتنا في الانفتاح على العالم وجاورتنا ببلد لا يرى في  جواره غير خرابه وبتماديه في هذا الهراء سيتحقق له المبتغى بزواله لأنه لقيط غير شرعي  للتاريخ".

 

من لا مجده له يبنيه بالكذب والافتراء!

أما مولاي المامون المريني، أستاذ اللغة العبرية وفقه اللغات السامية بكلية اللغة العربية بمراكش، فيشير إلى أن "بعض المثقفين والسياسيين الجزائريين يعتقدون أن بعض الأعلام العلمية والسياسية والثقافية، التي تنحدر من الجزائر التي صنعتها فرنسا الاستعمارية، والتي سادت ونبغت داخل الغرب الإسلامي في المغرب الكبير العريق ، أنها أعلام جزائرية. ويعتبرون فترات حكمهم وتراثهم فترات حكم الجزائر للمغرب. وذلك يشبه إلى حد كبير من يدعي من الإيرلنديين أنهم حكموا الولايات المتحدة الأمريكية إبان حكم الرئيس روزفيلت. أعتبر ذلك مجرد وهم من لا تاريخ له، ومن يبني مجده المزعوم بالكذب والافتراء والادعاء. إذ كيف يعقل أن يكون القفطان جزائريا، وتفاصيل تاريخه موجودة في المصادر القديمة. مثل ما أورده المقري (ق. 16) في كتاب نفح الطيب. وكيف يعقل أن تكون الجزائر مهد الطريقة التيجانية، وضريح رائدها موجود إلى يومنا هذا في مدينة فاس، ومسار طقوسها الصوفية ما يزال حيا إلى يومنا هذا. وكيف يعقل أن تعتبر منارة الكتبية جزائرية دون شقيقتها في إشبيلية والرباط."

 

ويضيف المريني في تصريحه لـ "أنفاس بريس" قائلا: "إن لنا كثيرا من المعالم والأسماء في كثير من بقاع العالم، نعتز بها ونفتخر. ولا ندعي أن ما تركوه في الأندلس وصقلية وفي أصقاع إفريقيا مغربيا، بنفس المنطق الذي لا نعتبر به اللقاح ضد وباء كورونا، الذي تكلف به العالم المغربي الأستاذ السلاوي، لقاحا مغربيا".

 

ويرى المامون المريني "أن مجد شعوبنا ساد وانتظم زمان وحدتنا وانصهارنا في دولة المغرب الكبير، ولا أقبل أن نسترزق على أشلاء التاريخ، وأن ندعي مجدا وصولة تعود لأوهام وتهيئات لا أساس لها، ولا تستحق أن نقف عندها أو أن نعتبرها. عليهم أن يكونوا رجالا، وأن يتوجهوا للمستقبل، لا أن يقولوا كان أبي، وما أبوهم إلا مغاربي أمازيغي وعربي وإفريقي، وما لهم في ذلك حظوة ولا ادعاء".

 

مجرد محاولات بئيسة

إدريس المغلشي، أستاذ باحث، يرى أن "المتتبع والدارس للتقاليد والعادات بين البلدين الشقيقين سيلاحظ عنصرا مهما وهو يقارن أنهما يتمتعان بعناصر تتكامل فيما بينها لكن المغرب كمملكة ممتدة في التاريخ تتميز بغنى وتنوع الروافد الثقافية من خلال ارتباطها بالجغرافيا، حيث كل منطقة تتميز على سبيل المثال ببعد جغرافي ومآثر تعكس في كل منطقة على حدة رسوخ وقدمها في التاريخ، تجعل من المغرب دولة لها من الموقع الاستراتيجي وعراقة في التاريخ لايضاهيها بلد آخر". مضيفا لـ "أنفاس بريس": "إن بعض المآثر التاريخية كالكتبية وقبور السعديين وصهريج المنارة  بمراكش وحسان بالرباط وغيرها من المآثر التي تدل على مسار تاريخ غني لا يمكن أن تفسده مثل هذه المحاولات البئيسة، والتي مهما حاولت فلن تكون سوى إعلان على فشل منظومة الأخلاق لدى جنرالا ت العسكر ليعري واقعا مزيفا وانتحال صفة لن تنطل حيلته على كل متتبع يقظ".

 

ويستغرب إدريس المغلشي، متسائلا: "كيف للجار الجزائري أن يقارن نفسه بدولة ممتدة في التاريخ لعشرات القرون ببلد لم يشهد عقد ميلاد استقلاله سوى  في القرن الماضي. أغلب أمهات الكتب تشهد أن الدولة المغربية كانت ممتدة الى حدود تضم كثير من الدول منها ما سيسمى لاحقا بالجزائر".