الخميس 18 إبريل 2024
فن وثقافة

الباحث بلقايد يميط اللثام عن العيطة الزعرية والخريبكية (4| 5)

الباحث بلقايد يميط اللثام عن العيطة الزعرية والخريبكية (4| 5) حجيب نجم العيطة في المغرب من الجيل الثاني

تعتبر العيطة الزعرية في نظر العديد من الباحثين بأنها عيطة تحريضية ثورية حماسية، على اعتبار أن نصوصها الشعرية الغنائية تعج بمواضيع متنوعة، تؤرخ لشجاعة الفرسان وحماسهم ومواجهتهم للمستعمر، وتوثق أيضا لأحداث التصدي ضد العدو، والجهاد في سبيل الوطن.

إن الشجن والنوستالجيا في العيطة الزعرية "يربطنا بملاحم شعبية كانت أرض ورديغة مسرحا لها، وخريبكة واحدة من مكونات جغرافيتها، كما تشكل جغرافيا المقاومة التي تصدت للآخر الغاصب للأرض".

في الحلقة الرابعة من سلسلة التعريف بالعيطة الزعرية التي تنشرها "أنفاس بريس" استمرارا لدعم مجهودات لجنة البحث بتنسيق مع الباحث الأستاذ عبد العالي بلقايد، نقدم للقراء ورقة كمقدمة "للتعريف بالعيطة الزعرية والخريبكية"

 

الدكتور حسن نجمي في كتابه غناء العيطة "الشعر الشفوي والموسيقى التقليدية بالمغرب" حين أراد تعريف العيطة الزعرية اعتبرها غناء بدوي بسيط، غير مركب ويندرج ضمن فضاء العيطة "الملالية" و "الحوزية" عندما يتعلق الأمر بأداء بعض القصائد الأساسية مثل "جعيدان" بأساليبه المختلفة (بمعنى أن هذه القصيدة تؤدى بأكثر من طريقة هذا الكلام لي)، ورغم أن هناك قصائد صغيرة محدودة العدد في (نمط) العيطة الزعرية مثل "حوز القصبة" أو "البنية" أو "مالين الخيل" ، فإن أهم وأبرز ما يميز هذه العيطة هو جمالية ووفرة الشذرات الشعرية المسماة (حبات)، والتي تؤدى بعدة طرق يصاحبها عزف بالكمنجة والكنبري  البندير و الطعريجة والهندفة.

حسن نجمي وضع العيطة الزعرية ضمن الغناء البسيط عند التعريف بها، و اعتبرها تتوفر على قصائد محدودة العدد، ويغلب عليها الصفة الشذرية، كمقول شعري ما يجعلها تنفرد بجمالية مخصوصة، وتقع ضمن فضاء العيطة "الملالية" و "الحوزية". وهو الرأي نفسه الذي أبداه المرحوم الأستاذ أبو حميد حين اعتبر العيطة الزعرية من التوابع للعيوط الأساسية التي تشيد معمار العيطة المغربية .

 

هل بالفعل العيطة الزعرية غناء بسيط ، غير مركب؟

صحيح أن الشذرية خاصية جمالية تتميز بها العيطة الزعرية، ولكن لا تسلم منها باقي العيوط المغربية، فهي توجد بالعيطة "المرساوية"، و الحوزية وحتى العيطة الحصباوية كرافعة أساسية لمعمار العيطة المغربية . فالشذرية هي المقول الشعري الذي يبني البروالة كشكل من أشكال المتن العيطي، الذي يتكون من : البروالة ، السوسة أو السرابة، و العيطة .

وفي تقديرنا أن البروالة، أو البروال هو الشكل الجنيني للموسيقى التقليدية بالمغرب ، وبذلك مثل طفولة القول الشعري ، كما مثل باكورة الغناء المغربي. وحين اعتبرها الدكتور حسن نجمي أي العيطة الزعرية تقع ضمن فضاء العيطة "الملالية" و "الحوزية" ، فهذا صحيح على اعتبار كل العيط المغربي ينطلق من خلفية سوسيو ثقافية واحدة .

فكل القبائل التي تقطن الفضاء الممتد من المحيط الأطلسي مرورا بالحوز ، تساوت ، تادلة، بني ملال، وصولا إلى الغرب، قهي إما معقلية، أو هلالية كسبها في البدايات كان قائما على الحرب عبر الجندية إما كقبائل مخزنية ، أو كقبائل نائبة .

وحين استقدم الموحدون بنو هلال جعلوا منهم دعامة أساسية لجيشهم لغاية خلق توازن مع الزعامات المصمودية التي كانت بجيشهم ، فانبثقت هذه المؤسسة التي تسمى "عبيدات الرما" التي كانت مرتبطة بالرماة كفئة محورية بالجيش وكان "لعبيدات" يقومون بمهام عسكرية تساعد الرماة وذلك بترديد "براويل" للتحفيز على القتال، أو لتخويف العدو، ليتحولوا فيما بعد إلى مؤسسة للغناء فقط ، المرتبط بأشكال فرجوية كالقنص، أو المواسم ... ما جعل بعض رقصاتهم تقليد لبعض صور الفروسية وركوب الخيل، وذلك حين حازت مؤسسة عبيدات الرما استقلالها عن الجيش.

إن العيطة الزعرية التي صيغت أغلب نصوصها ببني ملال، تادلة، وواد زم، وخريبكة وبأبي جعد ، ثم تم تطعيمها بكلام من إنتاج ناس زعير تنطلق من هذه الخلفية الفنية لمؤسسة "عبيدات الرما"، وهو اللون الذي سماه الإدريسي باللون السوسي، والمتميز بخفة الميزان وانصراف الدور عند الختم. والأمر الذي جعل العيطة الزعرية تتميز كذلك بالإستعراض الراقص والذي يصطلح عليه بالحساب الزعري، وهي خاصية تطبع كل الأشكال الغنائية المطبوعة بالتمثيل: مثل (الهواري، حمادة ، مالين لمكاحل، لهوير، الهيت ، لهوير..) .

لكن رغم كل هذه الخصائص التي تقربها من الأنماط الغير المركبة ، فهي تمتلك قصائد بها (حطات، ومقدمة وخاتمة) شأن باقي أشكال العيطة المغربية، ما يجعلها تتميز بجمالية تضارع المرساوي، والحصباوي، وإن قل قولها الشعري في نمط العيطة، فقد أكثرت من الشذرات الشعرية، وهذه الخاصية هي التي كانت ملهمة للغناء الشعبي المعاصر الذي انطلق من هذا اللون الشذري ومن الحساسية الفنية لعبيدات الرما ليبني تجربة لا تخلو من جمالية وإبداع وأقصد هنا ( الفنان المغاري ميلود، و عبد الكبير الصنهاجي، من الجيل الأول) أما بخصوص الجيل الثاني نستحضر كل من الفنانين ( حجيب، نسيم حداد، عبد الله الداودي..) .وهناك من الفنانين من بقي وفيا للون العيطة كالحسين السطاتي، وأولاد البوعزيزي.

وبالطبع هناك جيل استثمر الجانب الدرامي في عبيدات الرما مثل الفنان الشعبي حميد السرغيني، ووليد الرحماني .فضلا عن المدارس التي سعت لتدريس فن العيطة للشباب بأسفي ، دون أن ننسى تجربة عبد العزيز الستاتي في تحفيز الشباب على التعاطي مع الموسيقى التقليدية.

كل هذا يعطي الإنطباع بأننا نمتلك كنزا بإمكانه أن يكون سبب ثرائنا المعنوي والمادي إن نحن أحسنا استثماره.