الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

كريم مولاي: الجزائر والرد المناسب على انتقادات البرلمان الأوروبي

كريم مولاي: الجزائر والرد المناسب على انتقادات البرلمان الأوروبي كريم مولاي
بينما لا يزال مصير الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مجهولا، بعد أن فشلت كل وسائل التواصل العالمية الحديثة من نقل صورة واحدة له، وهو يقضي فترة النقاهة بعد ما ألم به من مرض لم نعد نعرف طبيعته سوى ما تناقلته بيانات البرافدا التي لا تزيد وضع الرئيس إلا غموضا، وجه البرلمان الأوروبي انتقادات لاذعة للانتهاكات الحقوقية التي يمارسها النظام الجزائري بحق شعبه وقوى الحراك التي لا يبدو أنها في وارد التسليم بالهزيمة والانكفاء إلى ما قرره العسكر.
وقد كان لافتا للانتباه هذه المحاولة اليائسة التي عمد إليها الإعلام الباهت للنظام، من خلال الرد على القرار العاجل الثاني للبرلمان الأوروبي بشأن الجزائر خلال عام، واتهامها بأنها محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وتعد على السيادة الوطنية.. 
في الحقيقة لم يضف القرار الأوروبي المعتمد يوم 26 نوفمبر الجاري، شيئا لما نعرفه نحن الجزائريون عن نظامنا الذي أكل الأخضر واليابس، وجفت ضرع الجزائر من النفط والغاز، ولم تعد له من العملة ما يقدمه من رشاوى للدول الأوروبية، فظهرت حقيقته عارية تحت الشمس..
إنه نظام لم يعد يكتفي بالصراع بين أجنحته التقليدية المخابرات والعسكر والرئاسة، وإنما تحت صراع هذه الأجنحة تمارس الأجهزة الأمنية حملة قمعية متصاعدة ضد المجتمع المدني والنشطاء السلميين والفنانين والصحفيين في الجزائر، والحملة الموجهة ضد استقلال القضاء.
القرار الأوروبي الجديد هو تأكيد لما جاء في القرار الأوروبي الأول الصادر في نوفمبر من العام الماضي، الذي يشير إلى تدهور وضع الحريات المدنية في الجزائر، متضامنًا مع "جميع المواطنين الجزائريين رجالا ونساء، من الخلفيات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والعرقية المتنوعة والذين خرجوا في تظاهرات سلمية منذ فبراير 2019". كما يبرز القرار أنه "في عام 2020، زاد نشاط حركات حقوق المرأة لا سيما في إطار الاحتجاج على العنف المتزايد بحق النساء، إذ دعت هذه الحركات لـ"مراجعة القوانين القائمة ضمانًا للمساواة الكاملة".
نعرف ازدواجية المؤسسات الحقوقية الدولية، لكننا لا نستطيع إلا أن نثمنها في مثل هذه الأحوال، بعد أن أصبح هذا النظام لا يتجاوب إلا مع الضغوط الدولية.. وهو أمر مؤسف ومؤلم فعلا، لكن الأكثر إيلاما وأسفا، أن هذا النظام هو نفسه الذي قدم تنازلات دستورية غير مسبوقة للقوى الأوروبية، حول بموجبها الجيش الجزائري العظيم إلى أداة بيد القوى الاستعمارية، وهدد وحدته وكيانه، ولكن كل ذلك لم ينفعه أمام هذه القوى الطامحة دوما إلى المزيد..
وفي ما يبدو أنه تأكيد لمطلب الحراك "دعا البرلمان الأوروبي السلطات الجزائرية إلى ضمان المساءلة الكاملة والرقابة المدنية والديمقراطية على القوات المسلحة، وإخضاعها الفعلي لسلطة مدنية مشكَّلة قانونًا، وضمان أن دور الجيش محدد بشكل كافٍ في الدستور وقصره صراحةً على مسائل الدفاع الوطني"..  
ومع الهجوم العنيف الذي قاده النظام وأذرعه الإعلامية والسياسية بحجة الدفاع عن السيادة، فقد أكدت منظمات حقوقية دولية دعمها لقرار البرلمان الأوروبي بشأن وضع حقوق الإنسان والحريات في الجزائر، مشددة على أن هناك "حاجة ملحة لتحرك علني وجماعي من المجتمع الدولي في سبيل حماية حقوق وحريات المواطنين الجزائريين، بما في ذلك حقهم في المشاركة بحرية في الحياة العامة في بلدهم."
هذه هي نهايات الظلم دوما، كان ذلك في تونس وفي ليبيا وفي مصر وفي اليمن وفي سوريا.. إنها سنة الحياة التي لا يبدو أن النظام الجزائري مصمم على عدم التعلم منها، والدفع بالجزائر إلى الهاوية.. رفض أن يتنازل لأبناء شعبه ويعيد السلطة إلى صاحب السلطة، وها هو اليوم يريد أن يحمل الشعب مسؤولية فشله على مدى العقود المنصرمة.. هل هناك رجل حكيم يعي دقة المرحلة ويسمع لصوت العقل والحكمة، ويعرف أن الظلم مرتعه وخيم؟

كريم مولاي، خبير أمني جزائري (لندن)