الجمعة 26 إبريل 2024
سياسة

لماذا لا يبني المغرب جدارا عازلا بين المغرب و"دولة القرقوبي"!

لماذا لا يبني المغرب جدارا عازلا بين المغرب و"دولة القرقوبي"! صورة مركبة لمحمد السادس القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية مع الجدار الأمني بالصحراء

منذ استفرد العسكر بنظام الحكم في الجزائر وهو يبني أفقه الاستراتيجي على العداء للمغرب دولة ومجتمعا. حدث ذلك سنة 1963 حين رفض مطالب بلادنا بإعادة النظر في مشكلة الحدود المترسبة عن الزمن الاستعماري، ونهج مقابل ذلك سياسة الهروب إلى الأمام عبر التهجم على نقط الحدود المغربية، الأمر الذي قاد النظام الجزائري هناك إلى هزيمة حرب الرمال. وتواصل ذلك بمناهضة الحق المغربي في استكمال وحدته الترابية، عبر إنشاء جبهة البوليساريو ودعمها دوليا. وحين فشل في كل تلك المساعي قررت الجزائر، مع بداية الألفية الحالية، تجريب وصفة عدائية أخرى من خلال إعلان حرب جديدة على المغرب بسلاح دمار شامل لا يهدد فقط حدودنا وأمننا السياسي، ولكن أيضا أمننا الاجتماعي وسلامة المغاربة: إنه سلاح "القرقوبي" الذي تستعمله الجزائر ضدنا.

"أنفاس بريس" تشارك هذا المقال مع قرائها، والذي نشرناه، بعنوان: "الحاجة إلى بناء جدار عازل بين المغرب و"دولة القرقوبي"! في يونيو 2016:

 

حين نستعيد بالأرقام حجم محجوزات أقراص «القرقوبي» التي أمسكت بها السلطات الأمنية المغربية على الشريط الحدودي مع الجزائر، والتي تتراوح بين 220 ألف و300 ألف حبة قرقوبي كل سنة ،لا نقف فقط على جسامة الحرب الجديدة المعلنة ضدنا، ولكن أيضا على خطورة المواد الفتاكة المهربة بالنظر إلى أثرها الصحي والنفسي، والتداعيات الاجتماعية لذلك. ذلك أن نوع تلك الأقراص المسربة إلينا من فصيلة "الريفوتريل" (RIVOTRIL) الجزائرية المنشأ (وهو نوع لا يباع بالمغرب)، وهو أخطر الأنواع بدليل أن كل قرص منه يمثل جريمة منقوصة لما يمثله من آثار تقود المدمن إلى إجرام خطير. ولا تتردد الجزائر في تصعيد الحرب علينا ممعنة في الادعاء بأن المغرب كدولة هو من يعلن الحرب عليها من خلال إغراق أسواقها بمادة الحشيش، استنادا إلى ذرائع تغالط الرأي العام الإقليمي والدولي، على اعتبار أن الحشيش المغربي المباع على التراب الجزائري لا يعود إلى نهج رسمي إلى المغرب معتمد من السلطات المغربية، ولكن إلى عمل المافيات والعصابات الدولية التي تقتحم أسواق الجزائر، مثلما تقتحم مثيلاتها في بلدان أوربية أخرى. وما يؤكد الوضع المفارق الذي تعيشه الجزائر عدم تقدمها بأي طلب رسمي بتسليمها أحد مجرمي المخدرات، مثلما لم تتقدم، ولو مرة واحدة، بطلب مساعدة تقنية من المغرب بهدف تحديد مسالك تهريب الحشيش، ووضع خرائط انتشاره، ومراقبة أفراد شبكاته على نحو ما يحدث من سبل التعاون بين المغرب مع بلدان أوربية عديدة من قبيل: فرنسا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا التي تشهد سلطات بلدانها بتقدم متنام لآليات التنسيق المشترك مع المغرب التي تتم بإشراف الأمم المتحدة لتطويق مافيات المخدرات وغيرها من الآفات المجاورة كتهريب البشر والهجرة السرية وغيرها.

 

في السياق نفسه، تعتبر بلادنا عضوا نشيطا في «الأنتربول»، وعلى علاقة مودة مع البوليس الفيدرالي الأمريكي المختص في المخدرات (DEA) حيث تشهد المعطيات بحرص المغرب دائما عل تزويد هيأة الأنتربول والأمم المتحدة بالمعطيات والخرائط ذات الصلة بالموضوع. ثم إن الاستناد على أطروحة الوجود الرسمي للمخدرات بالمغرب، وعلى تشجيع الدولة لزراعة الحشيش، صار موضوعا متقادما من الناحية القانونية إذا أخدنا بعين الاعتبار وجود زراعة الحشيش بالمغرب محط مراقبة دولية بإشراف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات الذي يقف على الجهد المغربي في التقليص التدريجي للمساحات الفلاحية، وبتنسيق دائم مع الهيئات الدولية المختصة. والدليل على ذلك أن المساحة المزروعة نقصت من 134 ألف هكتار إلى حوالي 47 ألف هكتار، أي بنسبة ناقص 65 في المائة، علما أن الهدف المسطر من طرف المغرب مع الأمم المتحدة هو الوصول إلى تقليص المساحة إلى أقل من 30000 هكتار في المدى القريب جدا. هذا دون الحديث عن العشرات من الشبكات الإجرامية المتاجرة في الحشيش والتي تم تفكيكها بالمغرب أو بالخارج بفضل التعاون الأمني مع المغرب (حسبنا الاستشهاد بالتنويه الكبير الذي وجهه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند للبوليس المغربي بعد تفكيك أخطر مافيا المخدرات يوم 27 يوليوز 2015 بفرنسا وهو الحدث الذي حرص الرئيس الفرنسي على أن يترأس هو شخصيا مراسيم حفل النجاح في حل هذه القضية)، على العكس مما يحدث في الجزائر التي لم نسمع عنها، في يوم من الأيام، تنظيمها لحملات بقصد ملاحقة تجار «القرقوبي»، أو خلقها لآليات للمراقبة، مثلما لم نسمع عنها أنها نسجت مسالك التنسيق والتعاون سواء مع المغرب أو مع المنتديات الدولية ذات الاختصاص لتجفيف منابع شبكات ترويج القرقوبي، وهو ما يفيد أن الجزائر كدولة متورطة في الموضوع ومتورطة في الحرب لتدمير شباب المغرب ونسف اقتصاده .

 

إزاء هذا الوضع يوجد المغرب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستسلام للشكل الجديد للحرب المدمرة التي تعلنها علينا الجزائر بصراحة وشراسة لتدمير الكيان المغربي على مستوى أمنه الصحي والاجتماعي والاقتصادي، وإما خيار المجابهة بكل الأساليب الشرعية الممكنة.

 

لقد واجهنا كل أشكال الحروب السابقة، وتأكد انتصارات المغرب في كل لحظات الاختبار التي تضعنا ضمنها الجزائر، سواء في الميدان بإبداع فكرة الجدار الأمني (من 1980 إلى 1987)، أو في المحافل الدولية بإبداع فكرة الحكم الذاتي الموسع. وها هي اليوم تدعونا إلى الاجتهاد في ابتكار استراتيجية جديدة لحماية أمن المغاربة. إننا نقصد الحاجة إلى بناء جدار أمني يمتد من الجنوب الشرقي للمملكة إلى شاطئ السعيدية، وذلك بهدف درء كل الأخطار والسموم الآتية إلينا من الشرق غير الآمن، وجعل بلادنا أقرب إلى شبه جزيرة محمية من كل الجهات، ومفتوحة على ثلاثة محيطات: المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، وعلى محيط مجازي (المحيط الجزائري) يعترضه جدارنا الأمني الجديد.

 

ليس في الأمر أدنى استهتار بقيمة الروابط التاريخية المشتركة مع بلد تجمعنا معه ثوابت الشراكة الثقافية والاجتماعية، أو أدنى استهتار بالحلم المغاربي الذي اقتفينا أثره المثالي دون جدوى منذ مؤتمر طنجة سنة 1958. ولكنه القدر الجديد الذي تفرضه علينا دولة مقعدة وتسيرها جثة، تصر على أن تدخلنا حروبا لا نريدها، لا لأننا عاجزون عن المجابهة، فقد كان الانتصار دائما حليفنا، وهو ما يشكل العقدة التاريخية في اللاشعور السياسي للحاكمين هناك بالجزائر، ولكن لأننا لا نريد الحرب، بل نريد هذا الجدار الأمني الجديد لنتفرغ إلى مسلسلنا التنموي الديمقراطي بكل نقاط الضوء فيه، وبكل الانكسارات التي يسعى المغاربة إلى التغلب عليها خدمة لمحيط إقليمي سلمي، ولعالم متسامح ومؤنسن.