الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

مصطفى الويزي: ستة أسئلة على هامش مستجدات قضية الصحراء ؟

مصطفى الويزي: ستة أسئلة على هامش مستجدات قضية الصحراء ؟ مصطفى الويزي
الموضوع متشعب، لكن تجرأت أخيرا على كتابة هذه الأسطر بعد توالي القصف الإعلامي عبر كل الوسائل.. قرأت خبر إصدار إبراهيم غالي قرارا يعلن من خلاله نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار الموقع بين جبهة البوليساريو و المملكة المغربية سنة 1991... ثم إعلان حرب "لا هوادة فيها" وبداية تنفيذ "هجومات" متتالية على طول الجدار( 1700كلم)، بل كذلك وقوع خسائر في الأرواح و العتاد واعتقال أسرى ...عدة أسئلة تقاطرت علي بعد ذلك...
طيب، السؤال الأول : هل هناك فعلا حرب بالصحراء ؟ نحن في 2020 والعالم كله صار يعيش على إيقاع الطفرة التكنولوجية، و ما من شيء يقع في بقعة من هذا العالم يمكن إخفائه. إذا كانت هناك حرب، فصورها لم تبث بعد اللهم ما قيل عن فيديوهات أثبتت تقنيات fact-check أنها لمناطق أخرى ... و يبدو أن أصحابها من خريجي مدارس قديمة في البروباكاندا... لو كانت هناك حرب لقامت صحافة الجزائر بإعطائنا صورا مثل تلك التي تأتينا من ناكورني كاراباخ. كما أنه لا يمكن إخفاء الحرب عن المغاربة لسبب بسيط هو أن عددا كبيرا منهم لهم أبناء، أقرباء، أصدقاء أو معارف في الصحراء، ويتحدثون معهم بشكل يومي، وكل ما يقولونه أن البوليساريو تقوم ببعض المناوشات بعيدا من وراء الجدار و لا تأثير لها.
السؤال الثاني : هل يملك البوليساريو قرار اتخاذ وإعلان الحرب ؟ هو في الحقيقة سؤال يسافر بنا لأسئلة أخرى سبق لي أن طرحت بعضها قبل بضع سنوات على عدد من أصدقائي الصحراويين المناصرين للبوليساريو ذات لقاء بمراكش : إلى أي حد تستطيع استرجاع قرارها السياسي المصادر ؟ هل قيادة المخيمات تستطيع إعلان نهاية الالتزام بوقف إطلاق النار أو إعلان الحرب أو أي قرار من هذا الحجم ؟ ما الجدوى و المغزى من هذه المناوشات الآن بالضبط ؟ ألا يرى صحراويو تندوف اليوم أنهم مجرد كومبارس في نزاع بالوكالة بين الجزائر والمغرب ؟ هل هناك مؤشرات توحي بأن الصحراويون سيأخذون مستقبلا مطالبهم بين أيديهم و يدافعوا عنها بالطريقة التي يروها، هم لا غيرهم، صائبة ؟
الأسئلة استنكارية بطبيعة الحال، لأنني شخصيا أعتبر أن حركة البوليساريو فقدت قرارها منذ أن تم اغتيال الولي مصطفى السيد سنة 1976 وعدم اكتراث قادة الحركة آنذاك بحيثيات اغتياله و لا بالمطالبة برفاته إلى حد الآن، مع وجود قرائن واضحة و شهادات تم إبعاد عدد من أصحابها. آنذاك هرول محمد عبد العزيز نحو الدفاع عن رواية مقتله خلال معركة مع الجنود الموريتانيين، و كفى الله المؤمنين شر الاستقلالية. بعد ذلك، تحكم جنرالات الجيش الجزائري في زمام الأمور، بل كانوا يحددون حتى توقيت المعارك، و من ضمنها معركة أمغالا الشهيرة التي شارك وانهزم فيها الجيش الجزائري.
السؤال الثالث : هل الجزائر غائبة عن هذا المسلسل ؟ العالم كله واع بأن المشكل الحقيقي هو بين المغرب و الجزائر، و كل المراقبين يعون تماما أن ما جرى بالكركرات و ما تلاه من قرارات لا يعدو أن يكون مسلسلا محبوكا من صاحب القرار الفعلي أي الجيش الجزائري الذي يود تطبيق مبدأ تصدير الأزمة كحل لمشكلات داخلية كبيرة و عميقة فتحها حراك الجزائر وكان آخرها رسالة الشعب الجزائري عبر عدم الذهاب للتصويت لا "بنعم" ولا بـ "لا". و طبعا لقيادة البوليساريو فيها مآرب أخرى إذ أن وضع ساكنة المخيمات جد صعب و ما من مجيب عن آلامهم و آمالهم.
السؤال الرابع يطرحه مند عدة سنوات صحروايو المخيمات : ماذا نفعل هنا وإلى متى سنظل هنا و كيف سنخرج من هنا ؟ طبعا السؤال موجه لقيادة البوليساريو، غير أن هذه الأخيرة فقدت قرار المفاوضات و قرار السلم و قرار الحرب وأصبحت رهينة لقرار لا يوجد بتندوف بل بالجزائر العاصمة. السيناريو الجديد الذي بدأ بصور القيادات على المحيط الأطلسي و تنظيم آخر مؤتمر بتيفاريتي، وهي منطقة عازلة حسب الأمم المتحدة، و تقدم خطوات في عملية الكركرات التي أريد لها أن تكون كديم إيزيك ثانية، ترتيب جزائري يوافق هوى البوليساريو الذين نسوا سؤال أهلهم وطبقوا مبدأ "كم من حاجة قضيناها بتركها" ...
فلم تعد للقيادة من خيارات كثيرة لتجاوز الاحتقان الكبير. لا سيما أن الزمن يجري في غير صالحهم، بل إنهم ظلوا في قاعة انتظار قيادات الجيش الجزائري لمدة جد طويلة، وأنهكتهم نفسيا وماديا فترة اللاحرب واللا سلم، وخاصة خلال السنتين الأخيرتين التي زادت الطين بلة، لأن القايد صالح وشنقريحة كانت لهما قططا أخرى للجلد... على حد تعبير أصدقائنا الفرنسيين. فما كان على صحراويي المخيمات إلا انتظار كودو الذي لم يأت ولا يبدو أنه قادم في الأفق القريب والمتوسط على الأقل.
السؤال الخامس : ماذا الذي ينتظره العالم أمام محاولات متواترة من أجل تغيير وضع منطقة عازلة zone tampon باعتراف الأمم المتحدة ؟ كان واضحا إذن أن سيناريو الكركرات جزء من خطة شاملة أي أنه ستليه أشواط أخرى ... فقرار حرب بالمنطقة لا تملكه البوليساريو على الإطلاق، لأن المسألة تهم التوازنات الجيوسياسية في الإقليم، والأكيد أن جنرالات الجزائر لا يروا في صحراويي المخيمات سوى أداة لخدمة مصالحهم، و ليس لديهم بدورهم الإمكانية السياسية حاليا للدخول في حرب مع المغرب و كل ما يحاك لا يعدو أن يكون مجرد مناورة للخروج من الأزمة لا أقل ولا أكثر.
السؤال السادس : من سيستفيد من الحرب إذا ما اشتعلت ؟ مبدئيا الحرب تنتهي غالبا بمعاناة بل حتى هلاك القطع الضعيفة من السلسلة، وبإعادة تموقع و سيادة "أمراء الحرب و النزاعات الضيقة" ... لكن في حالة الصحراء هذه، كل شيء محتمل ماعدا انتصار واستفادة البوليساريو ...
سؤال أخير : هل المغرب جاد في طرحه لمقترح الحكم الذاتي ؟ الأكيد أن المغرب يوجد في وضعية جد مريحة مادام البوليساريو يستمر في رفض مقترح الحكم الذاتي... لكن من جهة أخرى لم يعط البوليساريو أية إمكانية ليتم وضعه على المحك أبدا حتى بنقاش الأمر كما كان يطالب بذلك عدد من كوادر البوليساريو بإيعاز من قيادات معينة، لا تريد الاصطدام مع ال DRS.
لم يسترجع البوليساريو السيادة على قراره الداخلي، إذا لم يكن الوقت قد فات، ولم يخرج من جلباب الحجر الجزائري حتى يصير مفاوضا محترما له قرارات خاصة، الصراع سيظل إذن مغربيا جزائريا. العديد من المراقبين يروا في حافز الحكم الذاتي بضمانات دولية فرصة لا تعوض سيستفيد منها الفضاء الديمقراطي بأكمله، بل يعتبر تحديا كبيرا أمام دولة مغربية مركزية شبه يعقوبية. غير أن للإيستابليشمنت الجزائري، لا لساكنة المخيمات، رأيا آخر.
 
مصطفى الويزي، أستاذ جامعي متخصص في علوم الإعلام والتواصل