العلاقة بين الاعلام الأمريكي، تكاد تكون على منوال الروايات الأولى " قصة حب مجوسية"للأديب السعودي الكبير عبد الرحمان منيف، صاحب خماسية " مدن الملح" .. " إن الاعلام عدو الامة " كانت هذه من بين العبارات الأولى التي استخذمها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دولاند ترامب منذ الإعلان عن فوزه بالانتخاباتالرئاسية سنة 2016 الى حين فشله في انتخابات الإعادة التي جرت خلال الأسبوع الماضي، وأسفرت عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن.
وإذا كان ساكن البيت الأبيض المنتهية ولايته، قد شن حربا متواصلة وبلا هوادة على وسائل الاعلام على مدى الأربع سنوات الماضية خلال اضطلاعه بمهام الرئاسة، فإن الاعلام، كان أول من أعلن عن فوز منافسه الديمقراطي جون بايدن، وهو ما دأبت على القيام به وسائل الاعلام المكتوبة والقنوات التلفزية ووكالة الأنباء قبل الإعلان الرسمي عن نتائج السباق نحو البيت الأبيض، وهي المعطيات التي لم يسبق أن كذبها الواقع في معظم الاستحقاقات الرئاسية الأمريكية.
بيد أن هذه الانتخابات، أفرزت عدة أسئلة حول مسار الحياة السياسية، أهمها تكريس الانقسامداخل المجتمع الامريكي الذي بلغ أوجه خلال الفترة الممتدة ما بين 2016- 2022 ابان ولاية ترامب الذي طالما كرر بأن اليسار يبسط سيطرته على وسائل الاعلامالامريكية التي سارعت الى الإعلان بأن جو بايدن، تمكن من الحصول على الأصوات الضرورية للفوز بالرئاسة على حساب دونالد ترمب.
وأوضحت وكالة أنباء "أسوشيتد برس" في هذا الصدد، أن المرشح الديمقراطى حصد 290 صوتا بالمجمع الانتخابيمن أصل 538 صوتا، مقابل 214 لفائدة المرشح الجمهوري في الوقت الذى يحتاج المرشح فقط إلى 270 صوتامن أصوات كبار الناخبين في المجمع الانتخابي.
وإذا كانت العلاقات بين الاعلام ورؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، عادة ما توصف ب"الجيدة"،إلا أن هذه العلاقة لم تكن بنفس القدر مع ترامب حيث تميزت بالصراع الدائم منذ الإعلان عن ترشحه للتنافس على الرئاسة باسم الحزب الجمهوري، واستمر ذلك حتى الى حين فشله في تجديد ولايته رئيسا للولايات المتحدة في اقتراع الثالث من نونبر 2020.
وكانت وسائل الإعلام قد وصفت في سنة 2016 فوز ترامب المستثمر في قطاع العقارات، بالرئاسة على حساب المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، بأنها تشكل أكبر مفاجئة في التاريخ السياسي الأمريكي في الوقت الذى كان حتى أكثر المتفائلين من الحزب الجمهوري، يتوقع فوزه بالرئاسة على حساب مرشحة الحزب الديمقراطي هيلارى كلينتون التي كانت قد فازت بأغلبية أصوات الناخبين، الا أنها فشلت في الحصول على ما يكفى من أصوات الناخبين الكبار بالمجلس الانتخابي التى حملت مرشح حزب " الفيل" الجمهوري الى البيت الأبيض الذى يعد رمز السلطة بالبلاد.
وعقب نشر صحيفة "واشنطن بوست"تصريحات منسوبة لترامب سابقا اعتبرت بأنها مسيئة للمرأة،وصف ترامب وسائل الإعلام بأنها " عدوة الأمة " الامريكية، مدشنا بذلك حملة شعواء ضد وسائل الإعلام التي كثيرا ما اعتبرها لسان "اليسار".
كما هاجم المتحدث باسم البيت الأبيض،بقوة وسائل الإعلام وخاصة شبكة " سي إن ان"،عندما قارنت هذه الأخيرة بين مستوى الحضور سنة 2013 بحفل تنصيب أوباماسنة 2017 بحفل ترامب الذي اتهم في لقاء صحفي الاعلام بممارسة " التضليل وافتقاد النزاهة"، بعد نشر أخبار تزعم وقوع اتصالات بين عناصر من حملته الانتخابية ومسؤولين من روسيا. وقال إنها أخبار "وهمية، لكن الإعلام روج لها" .
وزادت أزمة كورونا التي تضرب الولايات المتحدة بقوة، من توسيع فجوة الخلاف بين الرئيس المنتهية ولايته ووسائل الاعلام بعد اتهام ترامب وادارته بالتقصير والعجز عن التصدي لجائحة كوفيد 19 المستجد الذي تجاوز عدد الإصابات المؤكدة به تسعة ( 9 ) ملايين في حين بلغ عدد الوفيات،أزيد من 230 ألفا، وفقا للبيانات الصادرة عن جامعة جون هوبكينز الامريكية،وهو ما يجعل الولايات المتحدة تتصدر بلدان العالم بوفيات تبلغ 1000 فردا يوميا..
وكانت وسائل الاعلام، قد استهان سنة 2016بقرار ترامب الترشح للرئاسة. بيد أنهتمكن من دحض مقولة، أنه لا يمكن لأي مرشح لأي منصب سياسي أن يفوز دون مساندة ودعم الإعلام الذي حافظ غالبية رؤساء الولايات المتحدة السابقين على علاقات جيدة معه.
واستمر الصراع بين سلطة الرئاسة والسلطة الرابعة مستعرا، إذ كانت الصحافة ألد أعداء ، الذى لا يفوت أي فرصة سانحة لمهاجمة الصحافين والإعلام الذي كثيرا ما يصفه ب"الكاذب" ويعتبره "حزب المعارضة الحقيقي" بالولايا المتحدة.
وتكرست العلاقة المتشنجة بين الرئيس المنتهية ولايته، بعدما رفضالأخير سنة 2017، حضور حفل مراسلي البيت الأبيض الذى يعد تقليدا يتم خلاله استضافة الرئيس، مراسلي وسائل الإعلام المعتمدين بالبيت الأبيض. واعتبر بذلك ترامب أول رئيس منتخب يقاطع هذا الحفل مع هذه الفئة من الصحافيين. وعلى الرغم من معاداة ترامب لوسائل الاعلام التقليدية ( الصحافة المكتوبة والتلفزيون )، فانه اهتدى إلى استخدام وسائط الاتصال الجديدبكثافة خاصة منها " توتير" الذي مكنه من التفاعل مع الرأي العام المحلى والدولي والتواصل معه، لتسويق مواقفه وآراءه، بخصوص مختلف القضايا على الساحتين الداخلية والخارجية.
وجرت العادة بالولايات المتحدة، بأن توقعات وسائل الاعلام بخصوص نتائج الانتخابات الامريكية دائما تكون صائبة، وهو ما جرى أيضا خلال الانتخابات الرئاسية الحالية التي مكنت جو بايد نأن يصبح الرئيس 46 للولايات المتحدة. وكان الكتاب الذى أصدره سنة 2019 مراسل شبكة " سي. إن. إن " لدى البيت الأبيض جيم أكوستا بعنوان " عدو الشعب.. وقت خطير لقول الحقيقة في الولايات المتحدة"،قد زاد من تأجيج الصراع بين الإعلام وترامب الذى قال في تغريدة حديثة نهار اليوم الاثنين على " توتتر " منذ متى كانت تعلن وسائل الاعلام المغرضة عن رئيسنا".
وحول منسوب الثقة في وسائل الاعلام بالولايات المتحدة، أفاد استطلاع أجراه " غالوب " سنة 2016، أن72 في المائة من الديمقراطيين عبروا عن ثقتهم بالإعلام فيما يتعلق ب" نشر الأخبار بشكل كامل وبدقة ونزاهة "، في حين كانت ثقة الجمهوريين أقل بكثير لدى الجمهوريين بنسبة 14 في المائة، في الوقت الذى بلغت ثقة الأمريكيين نسبة 41 في المائة، وذلك على الرغم من أن هناك من تحدث بمناسبة الانتخابات الرئاسية عن" تراجع مضطرد في نسبة الثقة" في وسائل الاعلام الامريكية.
وإن كان البعض يرىأيضا، أن الصحافة الامريكية، تمر بمرحلة عصيبة استنادا لاستطلاعات للرأي، مع فقدان الاحترام للصحفيين.إلا أن عدمرضى الجمهور هذا، لا يرتبط بقدرات الصحفيين المهنية، بل عن تدنى التقيد بأخلاقيات المهنة من جهة ومستوى الوعي بأهمية دور الاعلامين في المجتمع من جهة أخرى.
وعلى الرغم من أن الإعلام يلعب دورا كبير في حماية الديمقراطية، ومحاسبة المسؤولين ونشر الاخبار وتعميم المعلومات والبحث عن الحقيقة، فإن الصحافة عندما تتخلى عن مهنيتها واستقلاليتها، تفقد مصداقيتها وبالتالي قدرتها على التأثير في الرأي العام.