حين دعتني جمعية بواب فاس لحضور الدورة الثانية من المهرجان الدولي تحت شعار “أصالة”، شعرت أنني لا أُلبي مجرد دعوة لحضور فعالية ثقافية، بل أستجيب لنداء من عمق الذاكرة المغربية. نداء يستحضر تلك التفاصيل التي صنعت هويتنا، من عادات الأعراس إلى الأهازيج والملابس، من الروائح التي تعبق بها البيوت القديمة، إلى الحِرف التي تعيش في أطراف المدن.
منذ اللحظة الأولى داخل فضاء المهرجان، أدركت أنني أمام تجربة ليست كغيرها. كانت التفاصيل تنبض بالحياة: الموسيقى، اللباس، الحضور، وحتى الأحاديث الجانبية كانت كلها تدور حول شيء واحد: التراث المغربي… في أجمل تجلياته.
السيدة ليلى بنيس، رئيسة الجمعية، قالت لي بابتسامة مؤمنة بما تفعل:
“هذا المهرجان ليس مناسبة عابرة، بل موعد سنوي نُجدد فيه ارتباطنا بما تركه لنا الأجداد. العادات، اللباس، الموسيقى، الأطعمة… هذه كلها ليست مجرد مظاهر، بل قيم حضارية يجب أن نمرّرها للأجيال القادمة.”
“هذا المهرجان ليس مناسبة عابرة، بل موعد سنوي نُجدد فيه ارتباطنا بما تركه لنا الأجداد. العادات، اللباس، الموسيقى، الأطعمة… هذه كلها ليست مجرد مظاهر، بل قيم حضارية يجب أن نمرّرها للأجيال القادمة.”
المهرجان، الذي دام ثلاثة أيام، كان غنيًا بأنشطته، من ندوات ثقافية شارك فيها تسعة متدخلين ناقشوا خلالها تقاليد الأعراس في المغرب، إلى جانب مقارنات مع طقوس الزواج في فرنسا والسنغال، ما أضفى على اللقاء طابعًا دوليًا وإنسانيًا عميقًا.
أما أمسية اليوم الأخير، فكانت مسرحًا حيًا لذاكرة الأعراس المغربية. عرائس من تطوان، طنجة، خنيفرة، فاس، كلميم، ودكار، قدّمن لوحات حية تمثل تقاليد زفاف كل منطقة. دخلت كل واحدة بلباسها التقليدي، تتقدمها فرقتها الموسيقية الخاصة، وتزفها زغاريد نساء منطقتها.
وفي كل مرة، يتقدم أحد المختصين ليشرح للزوار دلالة اللباس، الحلي، والطقوس، في عرض تفاعلي مزج بين الفن والدرس الثقافي.
وكانت العروسة الصحراوية الحاضرة الأقوى رمزيًا. دخلت بثبات وأناقة، يرافقها دفء الأهازيج الحسانية ونبض الجنوب. لباسها المميز، وأهازيجها، وحتى نكهات أطعمتها الخاصة، جسّدت بكل فخر ووضوح هوية الصحراء المغربية بكل عمقها وأصالتها.

المعرض التقليدي الموازي كان أيضًا غنيًا: ملابس، أواني، توابل، منتجات طبيعية، مستحضرات الحمام المغربي، وزيوت وعسل من مختلف المناطق. لم يكن مجرد عرض، بل رحلة بصرية في مغرب الأعماق.
وفي ختام المهرجان، كانت القاعة تموج بالموسيقى والأهازيج، الأجواق تتناوب، والفرح حاضر في العيون قبل الوجوه.
لم يكن الأمر مجرد احتفال… بل كان عرسًا للذاكرة المغربية، واستعادة جمالية لأصالتها.
لم يكن الأمر مجرد احتفال… بل كان عرسًا للذاكرة المغربية، واستعادة جمالية لأصالتها.
خرجت من هناك وأنا أهمس لنفسي:
“ما دمنا نُقيم للأصالة مهرجانًا، فإننا نضمن للحضارة المغربية أن تبقى حيّة، نابضة، ومضيئة في العقول والقلوب.”